هسبريس:

من "أطفال الرخاء" إلى "جيل كوفيد-19" .. التهديدات تتصاعد عبر العالم

13 July 2022


قالت أماني عبد الحافظ، خبيرة في علم الاجتماع الثقافي، إن “المجتمعات الإنسانية شهدت، منذ سنوات عديدة، فترة تاريخية استثنائية أطلقت عليها مصطلحات عديدة بأنها فترة ‘انعدام اليقين’، أو فترة ‘مرحلة المخاطر’، حيث يحيط بالمجتمعات الإنسانية عدد كبير من التهديدات العالمية التي تتصاعد وتتراكم على كاهل سكان العالم في هذه الفترة؛ وأبرزها التغيرات المناخية، والأعمال الإرهابية، والثورات والحروب، وأزمات اقتصادية متلاحقة، وزاد عليها سنوات الوباء، والآن الحرب الأوكرانية”.

وأضافت أماني عبد الحافظ، في مقال منشور بموقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بعنوان كيف تتشكل الأجيال الناشئة في أوقات المخاطر والأزمات؟، أنه “على الرغم من وجود إشكالية في محاولة فهم جيل كوفيد-19 وتحليل سلوكياته واتجاهاته، تتمثل في الخلط بين سمات مرحلة الجائحة ومخاطرها والسمات الجيلية التي تلازم الأجيال المختلفة التي عاصرت مرحلة الجائحة، فإن ثمة جهودا متعددة حاولت الاقتراب من خصائص ذلك الجيل؛ بدءا من المسميات التي أطلقت على هذا الجيل”.

وبعدما تطرقت الخبيرة بالتفصيل لمحوريْ “تطور الأجيال” و”سمات جيل 19″، ختمت مقالها بالإشارة إلى أن “الرهان يظل ماثلا بين ما يمتلكه هذا الجيل من قدرات ووعي وانفتاح على الثقافات العالمية، وبين عراقيل وتحديات عديدة تواجهه وتدفع به نحو الإحباط ومشاعر الاغتراب والعزلة. ولا تزال الكتابات والدراسات التحليلية التي تساعدنا على فهم الأجيال الجديدة محدودة للغاية، وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام”.

هذا نص المقال:

شهدت المجتمعات الإنسانية، منذ سنوات عديدة، فترة تاريخية استثنائية أطلقت عليها مصطلحات عديدة بأنها فترة “انعدام اليقين”، أو فترة “مرحلة المخاطر”، حيث يحيط بالمجتمعات الإنسانية عدد كبير من التهديدات العالمية التي تتصاعد وتتراكم على كاهل سكان العالم في هذه الفترة؛ وأبرزها التغيرات المناخية، والأعمال الإرهابية، والثورات والحروب، وأزمات اقتصادية متلاحقة، وزاد عليها سنوات الوباء، والآن الحرب الأوكرانية.

وخلال تلك الفترة المأزومة، نشأت أجيال جديدة، تأثرت بصور مختلفة بها وأصبحت الحياة في ظل “المخاطر” جزءا من الوجدان الجمعي لتلك الأجيال. وقد أظهرت وغيرها من المخاطر التي وضعت بصماتها في تكوين وعي ووجدان الأجيال الجديدة، داخل المجتمعات المعاصرة.

يشير عالم الاجتماع الألماني “كارل مانهايم Mannheim Karl” إلى ما أسماه “عقل الجيل”؛ وهو اشتراك أبناء الجيل الواحد في عدد من التجارب التكوينية التي تميزهم عن الأجيال الأخرى، وتجعل كل جيل مميزا ومتفردا عن الجيل الآخر، وطور مفهوم “وحدة الجيل” Generational unit والذي عرفه بكونه حلقة من الوعي الذاتي لفئة عمرية معينة تجاه موقعها داخل السياق التاريخي والهياكل الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع خلال فترة البلوغ المبكر (17 –25 سنة)، وهو ما يمثل فارقا واضحا بين الأجيال المختلفة وداخل الجيل الواحد. في ضوء ذلك، يمكن القول إن مجتمع الخطر يخلق أجيالا تنفرد في استجاباتها واتجاهاتها عن الأجيال الأكبر سنا.

في هذا الإطار، تحاول المقالة الحالية تسليط الضوء على الجيل الذي تعرض في فترة نشأته لأزمة وباء كورونا والذي يشار له بجيل 19 أو بكونه جزءا من جيل المخاطر.

تطور الأجيال

يشير مفهوم الجيل إلى مجموعة من البشر الذين ولدوا في زمن متقارب ما بين 15- 20 سنة، ويشتركوا في الإقامة داخل مجتمع معين ومعايشة أحداث وخبرات مشابهة تؤثر على أفكار وقيمهم وردود أفعالهم إزاء المواقف المختلفة وفقا لرؤيتهم لطبيعة التاريخ والسياق الاجتماعي. وفي إطار ذلك، هناك تقسيمات مختلفة للأجيال من أكثرها شهرة التصنيف التالي:

الجيل الأعظم، أولئك الذين ولدوا قبل عام 1928، وهو الجيل الذي شارك في الحرب العالمية الثانية ومن وجهة النظر الغربية يعتبر الجيل الذي أنقذ العالم بالانتصار في تلك الحرب.

الجيل الصامت، وهو يعبر عن الذين نشأوا خلال فترات الحروب والكساد الاقتصادي هم المواليد بين عامي 1929 –1945.

جيل أطفال الرخاء( Baby Boom G.) ، وهم مواليد الفترة من 1946- 1965 الذين شهدت طفولتهم وشبابهم الرخاء الاقتصادي في الخمسينيات والستينيات.

جيل (X) وهو الجيل الذي ولد في الفترة من 1965-1980 وشهد التحول الكبير في منظومات القيم وفقدان الرقابة الأسرية نتيجة ارتفاع معدلات الطلاق والتأثير البيئي المتزايد. وغالبا ما يطلق على هذا الجيل جيل الموسيقى أو جيل التلفزيون والفيديو، وهو جيل صبور محب للعمل يوصف المنتمون إليه بأنهم يعملون من دون قيود، ولذلك، فإنهم أكثر ميلا إلى ريادة الأعمال.

جيل الألفية أو جيل(Y)، وهو الجيل الذي ولد بعد عام 1980، ويتسموا بالتوسع في استخدام الإنترنيت وأجهزة المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي. ولذا، فإنه يشكل بداية تكوين الجيل الرقمي؛ وهو الجيل الذي عاصر أحداث 11 سبتمبر وتحمل أعباء الأزمة الاقتصادية عام 2008.

جيلZ (Zoomers G.)، وهم مواليد منتصف التسعينيات وحتى نهاية العقد الأول من الألفية، وغالبا ما يطلق عليهم الجيل الرقمي أو جيل تكنولوجيا المعلومات. ويتسم هذا الجيل بأنه أكثر تقلبا واستقلالية من حيث المخاطرة، سواء في تغيير العمل أو الانخراط في الأعمال الحرة. كما أن هذا الجيل أكثر انفتاحا على الآخر، وأكثر تمردا من الجيل السابق عليه. وأرجعت الدراسات ذلك إلى إيمان ذلك الجيل بحقه الكامل في “الاختيار”. ويشترك هذا الجيل في وعيه وتوقعه أن شكل الحياة اليومية للفرد يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها. لا يتعلق الأمر فقط بعدم اليقين، وتسيطر هذه التوجهات على مواقف الجيل نحو الأزمات.

جيل ألفا، وهو الجيل الأصغر الذي ولد في العقد الثاني من الألفية، وحتى منتصف العقد الثالث. إنه جيل من الأطفال الصغار الذي ينتمون إلى أسر جيل الألفية. ويعتبر هذا الجيل في طور التكوين الآن، فنصفه لم يولد بعد فضلا أنه امتزج بجيل الأزمات والمخاطر.

سمات جيل 19

على الرغم من وجود إشكالية في محاولة فهم جيل كوفيد-19 وتحليل سلوكياته واتجاهاته، تتمثل في الخلط بين سمات مرحلة الجائحة ومخاطرها والسمات الجيلية التي تلازم الأجيال المختلفة التي عاصرت مرحلة الجائحة، فإن ثمة جهودا متعددة حاولت الاقتراب من خصائص ذلك الجيل؛ بدءا من المسميات التي أطلقت على هذا الجيل، مثل جيل “الجيل المقنع” “Masked Generation”، أو “الجيل المتوج”“Crowned Generation، أو” الجيل المبتعد” “Distanced Generation,” . وقد صبغت الجائحة هذا الجيل بسمات وأسلوب حياة جديد، تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين وعدم الفهم، سعى فيها الأفراد إلى تلمس تفسيرات مختلفة تمكنهم من فهم الواقع الاجتماعي المحيط بهم والتعايش معه. وفي ضوء ذلك، نعرض لبعض ملامح وسمات هذا الجيل المرتبطة بالمخاطر التي عاصرها؛ ومنها:

1ـ غلبة مهارات التواصل الافتراضي: يجيد جيل كوفيد-19 مهارات التواصل الافتراضي، وبالأخص فيما يتعلق بالدراسة والعمل. لذلك، لقبوا بـ”المنفيين” لبعدهم عن أماكن الدراسة والعمل. كما أنهم اتسموا بالبارعة في العمل عن بُعد.

2ـ الانخراط في القضايا المجتمعية: تشير نتائج استطلاعات للرأي، أجرتها “اليونيسيف” بعد الجائحة، إلى أن جيل كوفيد19- أكثر اهتماما بالقضايا المجتمعية؛ وأبرزها الرعاية الصحية والتعليم والأمن الجسدي وتغير المناخ ومكافحة التمييز. كما تشير البيانات إلى أن مواقف الأجيال الأصغر سنا هي نتاج للعولمة، فيغلب عليهم قناعات بأن التعاون المشترك بين الحكومات الوطنية والخبراء والمؤسسات الدولية هو السبيل الوحيد لمواجهة المخاطر الاجتماعية والبيئية. وقد عبروا عن مستوى مرتفع من الوعي بالمشاكل التي يواجهها العالم، حيث يعتبرون أنفسهم جزءا منه، ويعرفون أنفسهم بكونهم مواطنين عالميين.

3ـ الانشغال بالمستقبل: على الرغم مما يحيط بهذا الجيل من تحديات كبيرة، مثل التغيرات المناخية وتفشي الأوبئة والحروب وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، الأمر الذي يغذي ضعف ثقتهم في المؤسسات الرسمية، فإن أبناء هذا الجيل يرفضون رؤية العالم عبر عدسات قاتمة كما تراها الأجيال الأكبر سنا، ويظل ممتلئا بالأمل، وأكثر قدرة على التفكير على نطاق دولي، ولديهم رغبة في تغير العالم لأنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من الحل، وهم أكثر انشغالا بالمستقبل.

4ـ الوعي بالمخاطر التكنولوجية: يرى غالبية الشباب أن هناك أخطارا كبيرة على الأطفال من شبكة الإنترنيت- وفقا لاستطلاع “اليونيسيف” ومعهد جالوب 2021- ويتركز الخطر من وجهة نظر الشباب في مشاهدة محتوى عنيف أو محتوى جنسي صريح (78 في المائة)، أو التعرض للتنمّر الرقمي (79 في المائة)، وذكر (17 في المائة) فقط أنهم يثقون بمنصات التواصل الاجتماعي “ثقة كبيرة” لتوفر لهم معلومات دقيقة.

5ـ ابتكار في حل مشكلاتهم: مكنت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الجيل من استخدام أدوات أكثر إبداعا للعمل والتغلب على المشكلات. ويتضح ذلك من خلال ما يمارسونه من أعمال غير تقليدية مدرة لأرباح كبيرة، وما يصنعونه من أشكال وألعاب من إعادة تدوير المواد المتاحة لديهم وغيرها من الحلول الإبداعية للتغلب على الأزمات الاقتصادية.

6ـ تراجع مهارات التواصل المباشر “وجها لوجه”: يفضل جيل 19 التواصل الافتراضي غير المباشر فقد اعتادوا على إجراء اتصالات افتراضية بدل من اللقاءات والمقابلات المباشرة بالأماكن العامة والمطاعم حتى الاحتفال من دون لقاء جسدي، وهذا ما يؤثر على طقوسنا الاجتماعية. وفي اللقاءات المباشرة هم أقل تفاعلا فهم يميلون إلى عدم المصافحة واستخدام إشارات من دون التواصل الجسدي على سبيل المثال.

7ـ تراجع مهارات التحصيل الدراسي: تشير البيانات، وفقا لدراسة ألمانية بمدينة فرانكفورت 2020، إلى تراجع أداء ومهارات تلاميذ المدارس في المهارات الدراسية نتيجة لإغلاق المدارس بسبب الجائحة. وأشارت دراسة أخرى إلى تأثر الجيل بالتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي اتسعت في فترة الوباء، خاصة التي تتعلق بمستوى التحصيل الدراسي والحصول على دعم الوالدين وغيرهم.

8ـ القلق والاكتئاب والعزلة: أشارت دراسات عديدة إلى تزايد معدلات الاكتئاب والقلق والعزلة ومحاولات الانتحار بين أفراد هذا الجيل، كما حذر الخبراء من تأثيراتها على الأطفال والمراهقين من تدهور الصحة النفسية والعقلية نتيجة لإجراءات الإغلاق. وأضاف استطلاع “اليونيسيف” 2021 أن معظم الشباب يشعرون بالتوتر أو القلق والاكتئاب وبرغبة قليلة بالقيام بأنشطة، كما يواجهون ضغطا أكبر للنجاح مقارنة مع والديهم عندما كانوا أطفالا. كما أكد بيان مشروع RISE أن الأطفال كانوا يعانون مشاكل الأمراض العقلية حوالي 10-20 في المائة فترة قبل الوباء، بينما ارتفع إلى 20-25 في المائة خلال العامين الماضيين.

وعلى الرغم من إمكانية ملاحظة تكرار السلوكيات العدوانية والمتمردة، فإن معظم الشباب يميلون إلى إخفاء مشاعرهم الداخلية ويصعب ملاحظتها. وهناك تخوفات من تداعيات عدم تفريغ مشاعر القلق والخوف والإحباط وغيرها، خاصة التي وصلت إلى ذروتها خلال فترة الوباء؛ فهناك احتمالات كبيرة بتطور تلك المشاعر إلى اضطرابات نفسية تنعكس على المدى البعيد في ممارسات غير متوقعة.

وقد أكد على ذلك تقرير المخاطر العالمية 2021 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى خيبة أمل الشباب، وتدهور مستوى طموحاتهم وتدهور الصحة النفسية؛ وهو ما أكدته أيضا دراسة أمريكية نشرتها “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية “CDC من أن الدروس الافتراضية، سواء بشكل كلي أو جزئي، فرضت مخاطر عديدة على الصحة العقلية والنفسية للأطفال والآباء، حيث أجبرت عمليات الإغلاق الأسر على العيش معا لفترات طويلة، غالبا في منازل صغيرة. وتسبب ذلك في ضغوط هائلة على الأسر. كما أدى ذلك، فضلا عن التداعيات الاقتصادية التي عرضت كثيرين إلى فقدان وظائفهم، إلى تعرض الأطفال والمراهقين إلى العنف الأسري نتيجة تلك الضغوط.

9ـ ضعف الثقة في التقدم الاقتصادي: يفتقر الشباب باختلاف مواقعهم الطبقية ومستويات الدخل- وفقا لاستطلاع “اليونيسف” ومعهد جالوب2021- إلى الثقة في التقدم الاقتصادي؛ وهو ما أكده أيضا تقرير المخاطر العالمية 2021 من أن الشباب الذين يتراوح أعمارهم بين 15-24 عاما يتوقعون مستقبلا مضطربا. ويرجح أن يعاني هذا الجيل ضائقة شديدة، بسبب الآفاق التعليمية والاقتصادية المعطلة ونتيجة الركود الاقتصادي.

وختاما، يظل الرهان ماثلا بين ما يمتلكه هذا الجيل من قدرات ووعي وانفتاح على الثقافات العالمية، وبين عراقيل وتحديات عديدة تواجهه وتدفع به نحو الإحباط ومشاعر الاغتراب والعزلة. ولا تزال الكتابات والدراسات التحليلية التي تساعدنا على فهم الأجيال الجديدة محدودة للغاية، وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام.

*لينك المقال في هسبريس*