الشروق:

مدى فاعلية الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة التهديدات الإيرانية

03 July 2022


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا بتاريخ 15 يونيو حول الاستراتيجية الإسرائيلية التى أعلن عنها رئيس الحكومة بينيت، أوائل الشهر الجارى، لمواجهة إيران. تناول التحليل أبعاد هذه الاستراتيجية، والتحديات التى تواجهها... نعرض من المقال ما يلى:

صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالى بينيت، فى 7 يونيو 2022، خلال اجتماعه بلجنة الشئون الخارجية والأمنية التابعة للكنيست بأن النهج الإسرائيلى إزاء إيران قد تغير على مدى العام الماضى، حيث لم تعد إسرائيل تعمل على مواجهة أذرع إيران، بل باتت تستهدف رأس الأخطبوط الإيرانى ذاته.

سبق وأن أطلق بينيت تسمية «رأس الأخطبوط» على إيران مطلع 2022، فى حديثه بالفيديو مع المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس، حيث وصف إيران بـ «أخطبوط» الإرهاب وعدم الاستقرار، ورأس ذلك الأخطبوط فى طهران، بينما تمتد أذرعه عبر الشرق الأوسط.

جاء إعلان بينيت عن هذه الاستراتيجية الجديدة فى ضوء حدوث تطورين مهمين، وهما:

1ــ تعثر الاتفاق النووى: تأتى التصريحات الإسرائيلية بالتزامن مع تنامى الخلافات فى المحادثات الدولية بين إيران وأطراف الاتفاق النووى الإيرانى، ووصلت تلك الخلافات إلى حد يُخشى معه انهيار المحادثات النووية.

2ــ ضغط أمريكى موازٍ: سعت الولايات المتحدة لتبنى سياسة جديدة، وهى الضغط على إيران عبر استصدار قرار، فى 8 يونيو، من مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يدين إيران لعدم تقديمها ما يفسر وجود آثار لليورانيوم فى ثلاثة مواقع نووية غير معلن عنها.

وصعدت إيران أخيرا ضد قرار الوكالة الدولية، وذلك عبر إغلاق إيران كاميرتى مراقبة تابعتين للوكالة فى مواقعها النووية فى 8 يونيو، فضلا عن الإعلان عن غلق 27 كاميرا لمراقبة نشاطاتها النووية فى 9 يونيو، أى فى اليوم التالى لصدور قرار الوكالة. ويلاحظ أن واشنطن تستطيع تحويل ملف إيران النووى إلى مجلس الأمن وإعادة فرض العقوبات الدولية عليها بصورة آلية، وذلك عبر توظيف «آلية الزناد»، وهو ما لم تقم به واشنطن حتى الآن، وهو ما يعنى أن واشنطن لا تزال تعول على إحياء الاتفاق النووى حتى الآن.

أبعاد السياسة الجديدة

تتمثل الخطوط العامة لاستراتيجية الأخطبوط الإسرائيلية فى التالى:

1ــ التركيز على طهران: أكد بينيت أن الاستراتيجية الجديدة تقوم على تبنى إسرائيل معادلة جديدة للتعامل مع إيران قوامها استهداف الداخل الإيرانى علنا بدلا من استهداف الأذرع، أى الوكلاء، فى منطقة الشرق الأوسط، مثل حزب الله اللبنانى وحماس.

2ــ الكشف عن العمليات: عملت إسرائيل، على مدى الأعوام الماضية، على استهداف البرنامج النووى الإيرانى والعلماء المرتبطين به، فضلا عن المواقع العسكرية، غير أنه من الملحوظ أن إسرائيل لم تعلن مسئوليتها عن تلك الهجمات، بل وكانت تنتقد الصحافة الأمريكية التى كانت تنقل تسريبات لمسئولين أمريكيين حول تورط إسرائيل فى تنفيذ عمليات داخل إيران. أما الآن، فإنه وبموجب الاستراتيجية الجديدة، فإن إيران سوف تعلن مسئوليتها عن هذه العمليات التخريبية ضد إيران.

3ــ إضفاء مصداقية للتهديدات الإسرائيلية: كثفت إسرائيل استعداداتها العسكرية لسيناريو اندلاع حرب ضدها من مختلف الجبهات. فقد أنهت إسرائيل، فى نهاية مايو الماضى، تدريبات عسكرية تحمل اسم «عربات النار» فى قبرص بمشاركة دول عدة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، والذى يحاكى دخول إسرائيل فى حرب ضد إيران. واستمرت تلك التدريبات، وهى الأضخم منذ عقود، لمدة شهر كامل.

ويتمثل السيناريو الذى تركز عليه التدريبات فى وقوع تصعيد مع إيران، عبر قصف إسرائيلى على مواقع إيرانية فى سوريا يترتب عليه مقتل عناصر من حزب الله، فيرد الأخير، مما يجر إسرائيل للقتال ضد لبنان، وتتدهور الأمور إلى حرب أكبر تنضم إليها غزة والضفة الغربية وإيران.

كما تضمنت المناورات التدريبية محاكاة لضرب منشآت نووية بمناطق جبلية، والتغلب على الرادارات، التى تحمى هذه المنشآت، بالإضافة إلى محاكاة الرحلات القتالية بعيدة المدى عبر تنفيذ رحلات مماثلة إلى وجهات فى أوروبا.

4ــ امتلاك الأسلحة المناسبة: تقوم إسرائيل بتطوير قدراتها العسكرية لضمان قدرتها على استهداف البرنامج النووى الإيرانى، ولذلك أبرمت عدة صفقات عسكرية مع الولايات المتحدة، والتى كان أهمها، تطوير قدرات منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوى، بالإضافة إلى شراء طائرات ستمكن إسرائيل من تزويد مقاتلات «إف – 35» بالوقود حتى تمكنها من الوصول إلى عمق الأراضى الإيرانية والعودة.

ونظرا لأن إسرائيل لم تستلم الطائرات بعد، فإنها أعلنت تطوير طائرات «إف – 35»، لتكون قادرة على ضرب أهداف إيرانية من دون الحاجة للتزود بالوقود فى الجو، وذلك دون توضيح ماهية هذا التطوير، ولذلك لا يمكن الجزم بما إذا كانت إسرائيل تملك هذه القدرة حاليا، أم لا. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل ترغب فى التأكيد لإيران أنها باتت قادرة على توجيه ضربات لها حاليا، ومن ثم إضفاء مصداقية على التهديدات الإسرائيلية.

تحديات النهج الإسرائيلى

يلاحظ أن محاولة واشنطن توظيف إسرائيل ضد التهديدات الإيرانية أمر تواجهه العديد من التحديات، والتى يمكن تفصيلها فى التالى:

1ــ تباين التقييمات العسكرية الإسرائيلية: يلاحظ أن ذلك النهج الجديد القائم على العداء الصريح لإيران لا يلقى قبولا داخل الدوائر الأمنية بإسرائيل. وبينما يرى بينيت أن هذا النهج العلنى سوف يأتى بنتائج جيدة عبر ضرب إيران مباشرة، فإن بعض رجال الاستخبارات يعارضون ذلك النهج، حيث يرون أن «وخز طهران فى عينها» سيتسبب فى العديد من الأزمات الأمنية لإسرائيل.

2ــ مخاوف الجيش الإسرائيلى: أشارت التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلى يحتاج إلى عام كامل، على الأقل، لكى يكون قادرا على شن هجوم ضد إيران. وعلى الرغم من أوجه القصور التى تعانيها القوات الإيرانية، فإن الجيش والحرس الثورى تمكنا من تطوير طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، قادرة على تهديد أمن إسرائيل، خاصة إذا ما تم شن هجوم باستخدام عدد كبير من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة.

ومن جهة أخرى، فإن حزب الله يمثل تهديدا كبيرا لإسرائيل، فوفقا لتقديرات الجيش الإسرائيلى، فإن لدى حزب الله أكثر من 100 ألف صاروخ. وعلى الرغم من أن أغلب تلك الصواريخ من طراز «كاتيوشا»، والتى يصل مداها إلى 40 كم، فإن الحزب يمتلك كذلك صاروخى «زلزال – 1» و«2» واللذين يصل مداهما إلى 160 كم و210 كم على التوالى. كما يمتلك حزب الله صاروخ «فتح – 110» وهو صاروخ باليستى إيرانى قصير المدى ويتراوح مداه بين 250 و300 كم، وله رأس حربية يصل إلى 500 كجم، ويمكنه استهداف تل أبيب وما بعدها.

3ــ الرد الإيرانى المحتمل: هدد قائد القوات البرية للجيش الإيرانى، كومار حيدرى، بأنهم سيقومون بتسوية تل أبيب وحيفا بالأرض إذا ارتكبت إسرائيل أى خطأ، وذلك ردا على تصريحات بينيت بشأن رأس الأخطبوط. كما سبق وأن أكد القيادى السابق فى الحرس الثورى ومستشار رئاسة البرلمان الإيرانى، منصور حقيقت بور، أن بلاده لديها بنك أهداف من المصالح الأمريكية والإسرائيلية للرد على العمليات الإسرائيلية داخل إيران.

ورصد الشاباك خلال الأشهر الماضية نشاطات للاستخبارات الإيرانية لمحاولة تصفية أو اختطاف أكاديميين إسرائيليين ومسئولين كبار فى الأجهزة الأمنية الإسرائيليين.

فى الختام، يمكن القول إن الولايات المتحدة لا تزال تعول على تنفيذ عمليات تخريبية متتالية ضد البرنامج النووى الإيرانى، وتوظيف ذلك لإحراج الحكومة الإيرانية، وإظهارها بمظهر العاجز عن تبنى أى ردود فعل انتقامية، وذلك بالتزامن مع تصاعد الضغوط الاقتصادية عليها، وهو ما يقوّض مصداقية النظام، ويفتح الباب أمام انهياره.

*لينك المقال في الشروق:*