هيمنة الموالاة:

دلالات نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة الجزائري

08 February 2022


أُجريت انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) بالجزائر في 5 فبراير 2022، والتي شهدت تنافساً بين 473 مرشحاً ينتمون لاثنين وعشرين حزباً سياسياً ومستقلين (200 مرشح عن قوائم حزبية، و273 مرشحاً مستقلاً)؛ للفوز بـ 68 مقعداً من مقاعد المجلس البالغ عددها 174 مقعداً. وبلغت نسبة المشاركة حوالي 96٪ ممن يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات التي تتم كل ثلاث سنوات في الولايات الجزائرية البالغ عددها 58 ولاية.

خريطة الأحزاب السياسية المشاركة:

كشفت خريطة القوى الحزبية المشاركة في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة الجزائري عن مشاركة 22 حزباً سياسياً إلى جانب المستقلين، وذلك على النحو التالي:

1- هيمنة أحزاب الموالاة: تمكن حزبا "جبهة التحرير الوطني" (الأفلان) و"التجمع الوطني الديمقراطي" (الأرندي)، وهما الحزبان اللذان تصدرا الحياة السياسية خلال عهد الرئيس المستقيل الراحل "عبدالعزيز بوتفليقة"، إذ كانا يحصلان على أكبر عدد من المقاعد. 

ويلاحظ أن هذين الحزبين يشكلان تحالفاً بين الكتلتين البرلمانيتين لهما داخل البرلمان بعد حصولهما في الانتخابات التشريعية الأخيرة على 105 مقاعد، و57 مقعداًعلى التوالي، بما مكنهما من تشكيل كتلة نيابية تحافظ على مصالحهما الحزبية وتعزيز موقعهما في الحياة السياسية الجزائرية.

2- استمرار المشاركة النشطة للمستقلين: شارك في هذه الانتخابات حوالي 273 مرشحاً مستقلاً للتنافس على 68 مقعداً مخصصاً للتجديد النصفي، ويتمتع المرشحون المستقلون بإمكانيات وقدرات ساعدتهم على تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، خاصة بعد قيام النظام السياسي بتقديم دعم مالي لمساعدتهم على المنافسة في تلك الانتخابات.

3- محاولة الأحزاب الإسلامية منافسة الأحزاب الأخرى: يتصدر حركة مجتمع السلم أو حمس، وحركة البناء الوطني قائمة الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإسلامية التي تشارك في الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت في عهد الرئيس الحالي "عبدالمجيد تبون" منذ توليه السلطة في ديسمبر 2019. وعلى الرغم من تراجع أداء هذه الأحزاب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإنها كانت تأمل في تعويض ما تعرضت له من خسائر ومحاولة العودة من باب انتخابات التجديد النصفي للعب دور مؤثر في مجلس الأمة.

4- أحزاب اليسار والمعارضة: شارك عدد من الأحزاب السياسية المعارضة، والتي تمثل الوسط واليسار مثل حزب "صوت الشعب" الذي حقق نتائج جيدة في انتخابات تجديد المجالس الشعبية الولائية والبلدية التي أجريت في شهر نوفمبر الماضي، و"جبهة القوى الاشتراكية"، وتجمع أمل الجزائر، وهي أحزاب تسعى دوماً للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، بغرض الوجود في المشهد السياسي بالبلاد، في محاولة للوصول إلى السلطة في مرحلة تالية.  

دلالات النتائج النهائية:

تكتسب انتخابات مجلس الأمة الجزائري أهمية خاصة؛ نظراً لأنها الاستحقاق الانتخابي الثالث بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في 12 مايو 2021، والانتخابات المحلية في نوفمبر 2021، كما أن هناك اهتمام خاص بانتخابات مجلس الأمة. 

ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى كون رئيس هذا المجلس يتولى منصب رئيس الجمهورية في حالة شغور هذا المنصب وفقاً للدستور الجزائري، وذلك على غرار ما حدث عقب استقالة الرئيس السابق "عبدالعزيز بوتفليقة" وتعيين رئيس هذا المجلس رئيساً مؤقتاً لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة. وأسفرت النتائج النهائية لهذه الانتخابات وفقاً لما أعلن "محمد شرفي" رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات، عن الآتي:

1- تصدر أحزاب الموالاة: استطاع حزب "جبهة التحرير الوطني" ("الأفلان" الحزب الحاكم) الفوز بالمرتبة الأولى في هذه الانتخابات، حيث حصل على 26 مقعداً من 68 مقعداً تم التنافس عليها بنسبة 38.2%، في حين جاء حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" (الأرندي) في المرتبة الثالثة بحصوله على 11 مقعداً بنسبة 16.1% من إجمالي مقاعد التجديد النصفي، وهو ترتيب هذين الحزبين نفسيهما في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في شهر مايو الماضي، في إشارة مهمة إلى قدرة هذه الأحزاب على تحقيق نتائج إيجابية استناداً لما تمتلكه من خبرات سياسية كبيرة وقدرات تنظيمية هائلة، فضلاً عن وجود قواعد شعبية مؤيدة لأفكار وتوجهات هذين الحزبين بما يمكنهما من الاستمرار في الحياة السياسية الجزائرية، في مرحلة ما بعد سقوط "بوتفليقة" على يد الحراك الشعبي في أبريل 2019.

2- تفوق المستقلين: حافظ المرشحون المستقلون على تفوقهم في انتخابات التجديد النصفي مجلس الأمة، وذلك استمراراً لنجاحهم في تحقيق نتائج إيجابية منذ المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية الأخيرتين. ففي انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، نجح المرشحون المستقلون في الحصول على 13 مقعداً من المقاعد الـ 68 المتنافس عليها، ليأتوا في المرتبة الثانية بعد حزب جبهة التحرير الوطني، وذلك للتأكيد على قدرة المستقلين على اجتذاب أصوات بعض الناخبين.

3- تراجع الإخوان المسلمين: كشفت النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة كذلك عن استمرار التراجع السياسي للإخوان المسلمين، حيث جاءت "حركة البناء الوطني" ذات التوجهات الإسلامية في مرتبة متأخرة بحصولها على خمسة مقاعد فقط بسنبة 7% من عدد المقاعد الـ 68 المتنافس عليها، في حين حلت حركة مجتمع السلم "حمس" في ذيل قائمة الأحزب المتنافسة في هذه الانتخابات بحصولها على مقعد واحد فقط. 

ويعد ما سبق مؤشراً مهماً على استمرار تراجع الأحزاب الإسلامية في الاستحقاقات الانتخابية التي تُجرى في البلاد، ويمكن تفسير هذا التراجع ارتباطاً بتراجع شعبية هذه الأحزاب داخل المجتمع الجزائري بسبب فقدانهم لقواعدهم الشعبية من جهة، واتجاه الناخبين للتصويت للأحزاب السياسية التي تصدرت المشهد السياسي خلال عهد الرئيس السابق "بوتفليقة" من جهة ثانية، بالإضافة إلى تباين مواقف وتوجهات الأحزاب السياسية الإسلامية وانقسامها فيما بينها بشكل أدى إلى تشتت أصوات الناخبين من جهة أخرى.

4- مشاركة حزبية متعددة: شهدت هذه الانتخابات مشاركة حوالي 22 حزب سياسي، وأسفرت نتيجة مشاركتهم في هذه الانتخابات عن حصول حزب جبهة المستقبل "وسط" على خمسة مقاعد، وحصلت باقي الأحزاب السياسية على باقي المقاعد الثمانية المتبقية. وجاء توزيعها بحصول حزب "الفجر الجديد" على 3 مقاعد، وحزب "صوت الشعب" على مقعدين، وحزب "جبهة القوى الاشتراكية" (الأفافاس) على مقعد واحد، وحزب "تجمع أمل الجزائر" (تاج) على مقعد واحد. 

وتشير نتائج هذه الانتخابات إلى ضعف دور الأحزاب السياسية المعارضة وعدم قدرتها على جذب أصوات الناخبين وتحقيق نتائج إيجابية معتبرة، في ظل عدم امتلاكهم الأدوات اللازمة لتحقيق هذه النتائج بما في ذلك البرامج الانتخابية التي تطرح أفكار جديدة ومشروعات بديلة لحل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها أفراد المجتمع الجزائري في الوقت الحالي.

5- ارتفاع نسبة المشاركة: سجلت نسبة مشاركة الناخبين في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، مشاركة مرتفعة والتي وصلت حوالي 96.22%، ويمكن تفسير ارتفاع نسبة مشاركة الناخبين في هذه الانتخابات إلى أن المرشحين يتم انتخابهم من قبل الناخبين المحليين داخل الولايات، وهو ما يسمح بإمكانية التواصل المباشر بين المرشحين والناخبين داخل الدوائر الانتخابية، بشكل يسهم في تسجيل نسب مشاركة مرتفعة، وهو ما يخدم النظام السياسي القائم برئاسة "عبدالمجيد تبون" الذي يعول دائماً على مشاركة الناخبين بكثافة في الاستحقاقات الانتخابية التي تتم في عهده، وتوظيف ذلك لتثبيت دعائم نظامه وبقائه على رأس السلطة، في ظل توتر علاقته بقوى الحراك الشعبي التي ترفض الاعتراف بشرعيته وتتهمه بكونه امتداداً لنظام "بوتفليقة" السابق.

وفي الختام، تكشف النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة الجزائري عن استمرار تراجع مرشحي الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإسلامية (الإخوان المسلمين) وفي المقابل استمرار تصدر أحزاب الموالاة للمشهد السياسي الراهن في البلاد، وكذلك ارتفاع أسهم المرشحين المستقلين في الاستحقاقات الانتخابية، بما يؤكد على أن خريطة المشهد السياسي الجزائري لم يطرأ عليها أي تغيير كبير منذ استقالة الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة.