استهداف المعارضة:

أبعاد اتهام "أردوغان" رئيس بلدية إسطنبول "إمام أوغلو" بتعيين إرهابيين في البلدية

09 January 2022


تبنى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مطلع 2022، سياسات تهدف إلى استعادة السيطرة على مدينة إسطنبول من أكرم إمام أوغلو، رئيس البلدية المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، فقد اتهمه أردوغان، بفصل 15 ألفاً من العاملين بالبلدية بدعوى انتمائهم إلى الحزب الحاكم، وتعيين 45 ألفاً من الإرهابيين، فضلاً عن تحريض أردوغان وزارة الداخلية التركية لتكوين لجنة للتفتيش في ذلك الأمر.

استعداد مبكر لـ 2023

يسعى أردوغان إلى استعادة السيطرة على مدينة إسطنبول، والتي فقدها حزبه في انتخابات البلدية التي أجريت في عام 2019، وذلك استعداداً للاستحقاقات الانتخابية القادمة، خاصة في ظل تصاعد شعبية المعارضة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- محاولة تحجيم تحركات "أوغلو": اتهم أردوغان رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو بتعيين موظفين منتمين إلى جماعات إرهابية في البلدية، وفصله الآلاف بشكل تعسفي؛ بسبب انتمائهم لحزب العدالة والتنمية، ووجه أردوغان وزارة داخليته بالتحقيق في ذلك الأمر، وأعلنت الوزارة البدء في عملية تفتيش تشمل هياكل بلدية إسطنبول، بعد بلاغ بتعيين بعض الإرهابيين للعمل بالبلدية والشركات التابعة لها. 

وشملت الاتهامات تعيين 455 شخصاً ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني، بجانب آخرين من حركة الخدمة التي يتزعمها فتح الله كولن، والتي يتهمها أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، فضلاً عن آخريين ينتمون لمنظمات إرهابية أخرى.

ورد إمام أوغلو على هذه الاتهامات بالتأكيد أنّ إجراءات التوظيف في البلدية واضحة، وأن وزارة العدل تقوم بمراجعة السجل الجنائي لمن يتقدم لشغل وظيفة في البلدية، ومن ثم، فإنه إذا كانت وزارة الداخلية ستفتح تحقيقاً فيجب فتحه ضد وزارة العدل التركية لسماحها بتعيين إرهابيين، وفقاً لاتهامات أردوغان.

ويسعى أكرم أوغلو من هذه التصريحات إلى قطع الطريق أمام أردوغان لمحاولة إقالته بالادعاء في تورطه في تعيين إرهابيين في البلدية، خاصة بعدما أعلن رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الموالي لأردوغان، في 5 يناير بأنه يجب عزل إمام أوغلو من منصبه، إذ ثبت أنه على صلة بالإرهابيين، وهو ما يعني أن إمكانية الإطاحة بأوغلو سوف تكون واردة في المرحلة المقبلة، أو هي الخطوة التالية بعد اتهام أوغلو بتعيين إرهابيين في بلدية إسطنبول.

2- استعداد أردوغان لانتخابات 2023: شدد الرئيس التركي، في 26 ديسمبر 2021، على أهمية مدينة إسطنبول التركية في الانتخابات القادمة، والمقرر عقدها في 2023، وذلك في حديثه أمام المجلس الاستشاري الإقليمي الموسع لحزب العدالة والتنمية، إذ أكد أردوغان أن اسطنبول ستكون "قاطرة" حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2023 على غرار الانتخابات السابقة، خاصة أن أردوغان هو من سبق، وأكد "من يفوز في إسطنبول يفوز بتركيا".

وطالب أردوغان رؤساء مقاطعات حزب العدالة والتنمية إلى التحدث إلى المواطنين في كل مقاطعة، سواء بشكل شخصي، أو عبر الهاتف، مؤكداً أن الهدف من هذا هو كسب قلوب كل مواطن، وهو ما يكشف أن أردوغان بدأ مبكراً للاستعداد للانتخابات القادمة.

3- تنامي شعبية إمام أوغلو: لا يزال أوغلو يحظى بشعبية تؤهله لمنافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة. ففي استطلاع رأي أجراه مركز أبحاث الرأي العام في أوراسيا في الفترة ما بين 23 و27 ديسمبر الماضي، حصل أوغلو على أعلى نسبة تصويت في مواجهة أردوغان، بنسبة 41.7% من الأصوات، بينما حصل أردوغان على نسبة 34.1%. فيما أشار استطلاع آخر أجرته شركة بحوث متروبول (MetroPOLL) في ديسمبر الماضي، أن نحو 52% يعتقدون أن أردوغان سيخسر الانتخابات الرئاسية المقبلة، مقابل 44% يعتقدون أنه سيفوز. 

أهداف متعددة

يبدو أن الهجوم الأخير من أردوغان على أوغلو ما هي إلا مناورة يتطلع من خلالها إلى تحقيق مكاسب له وحزبه، داخلياً وخارجياً، وتظهر دوافعه من تلك المعركة فيما يلي:

1- صرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية: أكد مكتب الإحصاءات التركي ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 36,1% في ديسمبر 2021 مقارنة بالفترة نفسها من 2020، وهذا الرقم هو الأعلى منذ أكتوبر 2002 عندما بلغ التضخم 33,45% قبل وصول حزب الرئيس رجب طيب أردوغان للسلطة، وهو أيضاً أعلى بسبع مرات من الهدف الأساسي للحكومة. 

وبهذا يبلغ التضخم بسبب انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي مستويات غير مسبوقة منذ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي شهدتها تركيا عام 2001، والتي مهدت الطريق أمام صعود حزب العدالة والتنمية، وبالمثل يخشى أردوغان أن تدفع الأزمة الاقتصادية الحالية إلى التأثير على مستقبله هو وحزبه، ولذلك كان الهجوم على المعارضة وسيلة من أردوغان لإلهاء المواطنين عن تدهور الأوضاع الاقتصادية.  

2- قطع الطريق على طرح أوغلو كمرشح توافقي للمعارضة: يعد أوغلو أكثر مرشحي المعارضة حظاً في مواجهة أردوغان، ومن ثم يسعى أردوغان لقطع الطريق أمام ترشيحه من قبل أحزاب المعارضة كمرشح توافقي في مواجهته في الانتخابات الرئاسية المقبلة بدعوى دعمه للإرهاب. وهو الأمر الذي قد يضع أحزاب المعارضة أمام معضلة إذ قد يتنافس زعماء أحزاب المعارضة على خوض الانتخابات، في ظل غياب التوافق بينهم على شخصية لمنافس أردوغان، خاصة أن كمال كيليجدار، زعيم حزب الشعب الجمهوري، يسعى لطرح نفسه كمرشح لمنافسة أردوغان على الرئاسة، غير أن استطلاعات الرأي تؤكد أنه سيكون أقل شعبية من إمام أوغلو أو منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة، وهو ما سيساهم في نهاية الأمر في تفتيت أصوات الشارع التركي بين مرشحي المعارضة على نحو يصب في صالح أردوغان وحزبه.

3- الاستفادة من تحييد واشنطن: على الرغم من إعلان الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي حول الإرهاب في دول العالم لعام 2020، الصادر في 16 ديسمبر 2021، أن تركيا لديها تعريف واسع للإرهاب يستخدم لتجريم ممارسة حرية التعبير والتجمع السلمي، فإن التقرير أشاد بمساهمة تركيا في المنتديات الدولية لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب وتحالف هزيمة داعش، وذلك على الرغم من تحالف أنقرة مع الإرهابيين في شمال سوريا. ويبدو أن أردوغان يسعى لتوظيف مهادنة واشنطن له، وتبني سياسات لإقصاء المعارضة.

مشاهد مستقبلية محتملة

يمكن تناول الخطوات المستقبلية لأردوغان بعد اتهام أوغلو بتعيين إرهابيين في بلدية إسطنبول في التالي:

1- إقالة محتملة لأوغلو: قد تكون أعمال التفتيش في بلدية إسطنبول مقدمة لإقالة إمام أوغلو، وتعيين الحكومة وصياً من حزب العدالة والتنمية عليها، كما حدث في غالبية البلديات التي فاز بها حزب الشعب الديمقراطي، المؤيد للأكراد، ثاني أكبر أحزاب المعارضة بالبرلمان.

وفي المقابل، قد تؤدي مثل هذه الإجراءات لنتائج عكسية، من خلال إظهار مدى تعسف أردوغان تجاه إمام أوغلو، إذ إنها سوف ترسخ من صورته باعتباره يتعرض لاضطهاد من أردوغان بسبب تزايد شعبيته في مواجهة الأخير، ومحاولة من أردوغان للالتفاف على ذلك من خلال توجيه الاتهامات له.

2- التصعيد ضد المعارضة: يتبنى أردوغان سياسات تهدف لتضييق الخناق على المعارضة التركية للتعتيم على إخفاقاته الاقتصادية، التي أدت إلى تراجع كبير في شعبيته هو وحزبه، وهو ما يرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من السياسات التصعيدية ضد المعارضة في شكل اعتقالات تعسفية واتهامات وهمية، خاصة إذا ما توصل أردوغان لقناعة أنه لن يتمكن من حسم الانتخابات المقبلة لصالحه، في ظل تراجع شعبيته في مقابل صعود نجم منافسه الأبرز إمام أوغلو.  

وتحذر بعض التقديرات من احتمالية تمسك أردوغان بالسلطة، حتى حال خسارته الانتخابات، خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار ما فعله أردوغان مع إمام أوغلو في انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019، عندما تحدث الرئيس عن وقوع تزوير وسعى لإلغاء نتائج الانتخابات بعد فوز أوغلو. ويعزز من مصداقية هذه التقديرات التصريحات التي أدلى بها كمال كيليجدار، والذي عبر فيها عن تخوفاته بشأن صعوبة قبول أردوغان التخلي بسهولة عن السلطة.

3- احتمالية اندلاع مزيد من الاحتجاجات: أعلنت الحكومة التركية في مطلع العام الجاري عن رفع أسعار الكهرباء والغاز بنسب كبيرة، فقد كشفت هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية عن أسعار الكهرباء بنسبة 52% للاستخدام المنزلي و130% للاستخدام الصناعي، وهي الزيادة، التي سوف تؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وقد تنذر باندلاع مزيد من الاحتجاجات في الشارع التركي، خاصة أن الاقتصاد لم يتعاف بعد من أزمة التضخم وتراجع سعر الليرة. 

وفي الختام، تكشف المعطيات السابقة أن أردوغان سوف يسعى إلى توظيف الوسائل المحتملة كافة، المشروعة وغير المشروعة، لضمان استمراره هو وحزبه في السلطة، وقد يركز جهوده، خلال الفترة المقبلة، على الإطاحة بأوغلو على اعتبار أنه يمثل، وفق استطلاعات الرأي، أكبر تحدٍ له، خاصة إذا ما قرر الأخير خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، كمرشح توافقي للمعارضة.