تحركات مكثفة:

هل تنجح محاولات الإخوان المسلمين في عرقلة الانتخابات الليبية؟

29 November 2021


أعلنت المفوضية العليا للانتخابات الليبية إغلاق باب الترشيح للانتخابات الرئاسية في 22 نوفمبر 2021، بعد ترشح نحو 98 فرداً للانتخابات الرئاسية. وبدأت عملية فرز هذه الطلبات للإعلان عن القائمة النهائية التي ستخوض المنافسة في 24 ديسمبر الجاري. ورافقت ذلك تحركات مكثفة من قبل الإخوان المسلمين لتعطيل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وذلك على الرغم من تلويح مجلس الأمن الدولي، في 24 نوفمبر الماضي، بفرض عقوبات على كل من يهدد العملية الانتخابية في ليبيا.

مساعي التعطيل

تعكس التطورات الراهنة في الملف الليبي وجود محاولات حثيثة من قبل بعض الأطراف الداخلية المحسوبة على الإخوان المسلمين وتركيا لتعطيل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وتتمثل أبرز هذه المساعي فيما يلي:

1- مطالبة إخوان ليبيا بتأجيل الانتخابات: شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات مكثفة من قبل رئيس مجلس الدولة، والقيادي الإخواني، خالد المشري، لإقناع القوى الدولية المعنية والأمم المتحدة بضرورة تأجيل الانتخابات لحين التوصل إلى قانون توافقي يحظى بتأييد المجلس، الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين. كما ألمح خالد المشري في 13 نوفمبر الجاري، بأن تركيا وإيطاليا لا تؤيدان اجراء انتخابات تستند إلى قوانين معيبة قد تفضي إلى تقسيم البلاد، في إشارة إلى رفض البلدين فوز خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي. 

وعمد المشري في أعقاب عودته من تركيا منتصف نوفمبر الجاري إلى عقد اجتماعات مع عدد من قيادات الميليشيات المسلحة، لتحريضهم على العمل ضد مفوضية الانتخابات، وذلك عبر مهاجمة مقار المفوضية وإغلاق مكاتب الاقتراع.

وتزامن ذلك مع دعوة المفتي المعزول، المقيم بتركيا، الصادق الغرياني، والذي اشتهر بإصدار فتاوى داعمة لأنقرة وجماعة الإخوان، الميليشيات المسلحة في غرب ليبيا لحمل السلاح وعرقلة إجراء الانتخابات.

2- تهديد الميليشيات المسلحة بمنع إجراء الانتخابات: عمدت ميليشيات غرب ليبيا إلى التلويح بالعنف بعد إعلان ترشح سيف الإسلام القذافي والمشير خليفة حفتر، حيث لوحت هذه الميليشيات في عدة مدن رئيسية بغرب ليبيا بإشعال فتيل الحرب مرة أخرى حال السماح بترشحهما.  

وقامت هذه الميليشيات بإغلاق مقار مفوضية الانتخابات، وذلك في عدة مدن منها زليتن وغريان والزاوية وصبراته وصرمان وزوارة، وتتبع بعض هذه الميليشيات وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية.

وكذلك، عمدت هذه الميليشيات إلى الهجوم على المحكمة الابتدائية في سبها، والتي تشكل أحد المراكز الثلاثة لتقديم طلبات الترشح للرئاسيات، أو طلبات الطعون، حيث تم إجبار المحكمة على إغلاق أبوابها، بينما كان محامو سيف القذافي يستعدون لتقديم الطعن ضد قرار استبعاده.

3- لجوء الدبيبة للتظاهرات والمحكمة الدستورية: فشلت محاولات رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، في مساعيه للضغط على مجلس النواب لتغير المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية، والتي تعيق ترشحه للانتخابات. ولذلك لجأ إلى تحريض أنصاره في غرب ليبيا على التظاهر اعتراضاً على قانون الانتخابات. ومع ذلك، فقد عمد إلى التقدم بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية قبل موعد إغلاق باب الترشح بساعات قليلة في 22 نوفمبر الجاري.

وأعلن الدبيبة أن هذه القوانين قد تم تفصيلها لحساب أفراد بعينهم، في إشارة إلى حفتر. ويعول الدبيبة على إصدار المحكمة الدستورية العليا حكماً يقضي بوقف الانتخابات لعدم دستورية قوانينها، أو على الأقل إلغاء المادة 12 من قانون الانتخابات، والتي تمنعه من الترشح. فقد نصت المادة 12 على ضرورة تعليق شاغلي المناصب الحاليين وظائفهم بشكل مؤقت قبل موعد الاقتراع بنحو ثلاثة أشهر على الأقل، وهو ما لم يلتزم به الدبيبة.

ويبدو أن الخيار الثاني هو الأقرب، فعلى الرغم من استبعاد المفوضية العليا للانتخابات الليبية، 25 اسماً، بينهم نجل معمر القذافي، سيف الإسلام، من قائمة المرشحين للرئاسة، فإنها أبقت على رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة، في القائمة الأولية للمرشحين للرئاسة، وذلك بالمخالفة لنص المادة 12 من قانون الانتخابات، وهو ما يؤشر إلى وجود رغبة من المفوضية في عدم استبعاده. وتأكد هذا المعنى في رفض محكمة الاستئناف بطرابلس يوم 24 نوفمبر، الطعون المقدمة ضد ترشيح رئيس الحكومة، استناداً إلى نص المادة 12.

4- مفاضلة تركيا بين الدبيبة وعرقلة الانتخابات: تسعى أنقرة للتأثير على الانتخابات الليبية لضمان فوز أحد المرشحين المحسوبين على أو القريبين من الإخوان المسلمين، أو تأجيلها في حالة قدرت أنه سوف يترتب عليها فوز أحد المرشحين المناوئين لها. وانعكس ذلك التوجه في استضافة أنقرة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، مطلع نوفمبر الجاري.

وعقدت أنقرة لقاءات منفصلة معهما للتنسيق بشأن العملية الانتخابية. ومن المرجح أن تتجه تركيا لدعم الدبيبة، ووضع بدائل له حال تم استبعاده من الانتخابات، وربما تمثل أبرز الأسماء المطروحة في هذا الشأن هو وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا. وفي حالة رأت تركيا أن أي من هذين المرشحين لن ينجح في حسم هذه الانتخابات لصالحه، فإنها سوف تتجه لإثارة الفوضى. 

دلالات مهمة

في إطار المتغيرات التي شهدها الداخل الليبي خلال الفترة الأخيرة، يمكن الإشارة إلى جملة من الدلالات المهمة التي ترتبط بإجراء الانتخابات، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- استبعاد أنصار القذافي: أعلنت المفوضية في 25 نوفمبر الجاري عن قائمة أولية تضم 25 اسماً تم استبعادهم من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، وفي مقدمتهم سيف الإسلام القذافي، بالإضافة إلى كل من مدير مكتب القذافي السابق، بشير الشرقاوي، والوزير السابق في نظام معمر القذافي، محمد الشريف. ويعكس استبعاد هذه الأسماء الثلاثة دلالة مهمة بشأن استبعاد التيار الذي يمثل النظام السابق.

2- استمرار جهود إقصاء حفتر: تمارس جهود من أجل استبعاد حفتر من قائمة المرشحين، فقد أصدرت المحكمة العسكرية بمصراته في 25 نوفمبر الجري حكماً يقضي بإعدام حفتر، وحرمان عدد من قيادات الجيش الليبي من الحقوق المدنية، كما يطالب وكيل النيابة بمكتب المدعي العام العسكري في ليبيا المفوضية العليا باستبعاد حفتر من قائمة المرشحين. وتكشف هاتان المحاولتان عن رغبة الغرب الليبي في إقصاء أي قوى مؤثرة من الشرق من الترشح.

3- صراع أمريكي – روسي: لا يمكن الفصل بين استبعاد سيف الإسلام القذافي من سباق الانتخابات الرئاسية والرفض الأمريكي الواضح لهذه الخطوة، باعتبار أن سيف الإسلام يمثل بالأساس مرشح روسيا في هذه الانتخابات.

ووضح تفضيل موسكو لسيف الإسلام في تصريحات غينادي كوزمين، نائب ممثل موسكو الدائم لدى الأمم المتحدة، والتي عبّر خلالها عن أمله في نجاح الجنائية الدولية في تحسين سمعتها عبر الملف اليبي، بعد تولي البريطاني كريم خان، منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية خلفاً للجامبية فاتو بنسودا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن خان كان يتولى في السابق مسؤولية الدفاع عن سيف الإسلام أمام الجنائية الدولية، أي أن موسكو تأمل في تبرئة سيف الإسلام من التهم الموجهة إليه.

وفي المقابل، صرحت مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال جلسة مجلس الأمن بشأن إحاطة المدعي العام للجنائية الدولية، أنه يجب أن يمثل كل من سيف الإسلام القذافي وعبدالله السنوسي، مدير المخابرات في عهد القذافي، أمام العدالة، مطالبة حكومة الوحدة الوطنية الليبية بضرورة إلقاء القبض عليهما وتسليمهما للمحكمة الجنائية.

وتشير تقارير إلى أن الدبيبة ربما يكون المرشح الأكثر تفضيلاً، حتى الآن، لواشنطن وروما. وفي هذا السياق، أشار تقرير وكالة "نوفا" الإيطالية إلى أن المعطيات الراهنة تعكس وجود محاولات من قبل بعض القوى الخارجية لتمهيد الطريق أمام الدبيبة للترشح للانتخابات المقبلة.

4- استقالة المبعوث الأممي: قدم المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، يان كوبيتش، استقالته في 23 نوفمبر 2021 للأمين العام، أنطونيو غوتيريش، وذلك بعد يوم واحد من إغلاق باب الترشح للانتخابات الرئاسية، وقبل شهر من موعد هذه الانتخابات.

 وربما تعكس استقالة ياكوبيتش احتمالات وجود تصدعات غير معلنة في الموقف الدولي بشأن الانتخابات الليبية، وهو ما سيؤثر بالضرورة على إنجاز الانتخابات في موعدها، وبالتالي، فإن رحيل يانكوبيتش قد يكون مؤشراً على تأجيل الانتخابات الليبية.

وفي الختام، فإنه على الرغم من التحضيرات المستمرة لعملية الانتخابات الرئاسية في ليبيا، فإن سيناريو التأجيل يبقى قائماً، خاصة إذا ما تم استبعاد أي من المرشحين الرئاسيين ذات الثقل، سواء تمثل ذلك في حفتر، أو الدبيبة. وفي المقابل، فإنه حتى لو أجريت الانتخابات في موعدها، فإن الخروج على نتائجها يظل أمراً وارداً من قبل الميليشيات المسلحة، خاصة إذا ما أفضت إلى فوز مرشح ليس محسوباً على الغرب الليبي.