الجيل الخامس:

التطورات المستقبلية في تكنولوجيا الموبايل

04 January 2015


إعداد: باسم راشد


لا شك أن تطورات تكنولوجيا الموبايل المتلاحقة والمتسارعة، قد غيَّرت كثيراً من مفاهيم حياة المواطنين، بحيث أصبحت لا غنى عنها لأي شخص، وذلك لكونها تُقدم خدمات وتقنيات جديدة ومتطورة تواكب احتياجاتهم المتزايدة، فالتحول من تكنولوجيا الجيل الثاني “2G” على سبيل المثال إلى تكنولوجيا الجيل الثالث "G3" كان هدفه إضافة خدمة الإنترنت على الهواتف الشخصية، ثم التحول إلى تكنولوجيا "G3.5" والتي أحدثت، وقتها، طفرة هائلة لما استهدفته من توسيع خدمات الإنترنت وربطها بالهواتف الذكية وتطبيقاتها التي نراها في الوقت الحالي.

كذلك طوَّرت تقنيات الهاتف المحمول من استخدامات المواطنين، بدايةً من البريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي حتى وصلت إلى إمكانية التحكم في أجهزة المنزل من أي مكان في العالم، وهو ما يجعل متابعة التطورات الحادثة في هذا المجال أمراً ضرورياً، لما لها من تأثير على حياة الأشخاص والمجتمعات.

في هذا الصدد، نشرت الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول "GSMA"، تقريراً بعنوان: "فهم تقنية الجيل الخامس: وجهات نظر حول التطورات المستقبلية لتكنولوجيا الموبايل"، بهدف توضيح ماهية تقنية الجيل الخامس "5G" من المنظور التكنولوجي، وما يمكن أن تقدمه تلك التكنولوجيا الجديدة ومتطلباتها، بالإضافة إلى آثارها المتوقعة على مشغلي شبكات الموبايل، من حيث البنية الأساسية للشبكات وكذلك فرصها التجارية.

ما هي تقنية الجيل الخامس G5؟

يشير التقرير إلى أن التحول من خدمات G3.5 إلى G4 قد مكَّن المُستخدمين من نقل البيانات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. وقد أكدت التقارير على مستوى العالم أن معدل الاستخدام الشهري للبيانات الخاصة بمستخدمي خدمات G4 يُماثل ضعف استهلاك من لا يستخدمونها، خصوصاً فيما يتعلق بالاستهلاك المتزايد للفيديو. ومن ناحية أخرى، فقد تم اعتبار "إنترنت الأشياء" (Internet of Things) أحد العناصر المميزة لتقنية G4، وهو ما يجعل الإسهام الذي قد تضيفه تقنية 5G، أو نقطة الضعف التي ستحاول التغلب عليها، غير واضحة حتى الآن.

لذا تتنازع مدرستان فكريتان وجهتي نظر مختلفتين حول تقنية 5G المنتظرة، وما يمكن أن تقدمه للمستخدمين؛ المدرسة الأولى ترى أن التقنية ستكون عبارة عن مزيج بين التقنيات السابقة "2G, 3G, 4G" وخدمات "الواي فاي" وغيرها، يقوم بها مشغلو شبكات الموبايل بهدف توفير تغطية وإتاحة أكبر وأكثر كثافة للإنترنت على أجهزة الهاتف المحمول، بالإضافة إلى تمكين خدمات (Machine-to-Machine) – اختصارها (M2M) وتشير إلى التقنيات التي تتيح لكل من النظم السلكية واللاسكلية الاتصال بأنظمة أخرى لها نفس القدرة - وخدمات إنترنت الأشياء بشكل أكبر. كما يمكن أن تتضمن تلك التقنية، طبقاً للمدرسة الأولى، تكنولوجيا جديدة تُمكن الأجهزة منخفضة الطاقة والإنتاجية من الاستفادة من مميزاتها.

أما المدرسة الثانية فأكثر تقليدية في نظرتها لأجيال التكنولوجيا؛ إذ ترى أن تلك التقنية الجديدة يجب أن تتضمن أهدافاً محددة فيما يتعلق بمعدلات استخدام البيانات وتدفقها، بالاعتماد على نظم بث وتمكين جديدة يمكنها أن تكون عنصراً مميزاً ومختلفاً عن أي تقنية سابقة.

ويشير التقرير إلى أن كلتا وجهتي النظر على نفس القدر من الأهمية في تحقيق تقدم في صناعة تكنولوجيا الجيل الخامس، بل ويمكن الجمع بينهما فيما يتعلق برؤيتهما لما يمكن أن تقدمه تلك التقنية، لكن الأمر يصبح أكثر صعوبة حينما يتعلق بضرورة توافر متطلبات أخرى بعيدة عن فكرة أجيال التكنولوجيا المختلفة، وهي في الغالب متطلبات تقنية ومادية بالأساس ليس من السهل توفيرها.

الاستخدامات المحتملة لتقنية الجيل الخامس

هناك العديد من الاستخدامات لتقنية 5G، سواء على مستوى التسلية كالألعاب وغيرها، أو حتى على المستويات الأكثر عملية كالتصنيع أو الطب؛ فعلى سبيل المثال سيكون من الممكن إجراء عملية طبية عن طريق إنسان آلي "روبوت" مُتَحَكَم به من خلال جرَّاح في الجانب الآخر من العالم. ويتطلب هذا النوع من التكنولوجيا سعة عالية ومدى زمني أقل يتجاوز الإمكانيات الموجودة حالياً في التقنيات المتاحة مثل ( (LTE وهي اختصار لـ Long Term Evolution وتعد من أحدث معايير الاتصالات اللاسلكية ذات النطاق العريض، وهي مصممة لتدعم، وبشكل فعال، الاتصال المبني على حزم البيانات، وتم تطويرها لتكون من ضمن معايير الجيل الرابع G4. وهذا يمكن أن يكون العنصر المميز لشبكات الجيل الخامس 5G.

وقد أشار التقرير إلى أن ثمة استخدامات متوقعة لتقنية G5؛ لعلَّ أبرزها ما يلي:

1 ـ اتصال السيارات ببعضها وتقليل حوادث الطرق: فتمكين السيارات من التواصل مع العالم الخارجي سيؤدي إلى استخدام أكثر أمناً وكفاءةً لبنية الطرق الموجودة. وكلما كانت السيارات على الطريق متصلة بشبكة إنترنت ذات صلة بنظام إدارة المرور، كلما أدى ذلك إلى السفر بسرعات أعلى وبأقل خطورة ممكنة، فضلاً عن أنه سيتيح إمكانية القيادة المستقلة للسيارة، بما يقلل من الحوادث الناتجة عن الأخطاء البشرية.

2 ـ "المكتب اللاسلكي" والاتصال المرئي متعدد الأشخاص: فإذا توافرت سعة عالية للشبكات، فإن هذا من شأنه أن يجعل مفهوم "المكتب اللاسلكي wireless office" واقعاً ملموساً، بجانب وجود كميات هائلة من سعات تخزين البيانات تكون كافية لجعل هذا الأمر قابلاً للتطبيق. وينصرف الأمر أيضاً إلى الاتصالات متعددة الأطراف، إذ على الرغم من أن بعض تلك المتطلبات متاحة من خلال التقنيات الموجودة حالياً (G4)، فإنه عندما يزداد الطلب في المستقبل، وهذا سيحدث حتماً، فلن تستطيع تلك التقنية مواكبة ذلك الأمر، بما يستدعي ضرورة التفكير في تقنية G5 وما يمكن أن تقدمه في هذا الصدد.

3 ـ  اتصال الآلات ببعضها "M2M": فبرغم أن تلك التقنية مستخدمة على نطاق واسع في الوقت الحالي، بيد أن احتماليات استخدامها في العديد من المجالات لا تنتهي، ومن المتوقع أن اتصالات الآلات الخلوية "M2M" على مستوى العالم سيزداد من 250 مليون هذا العام، إلى ما بين مليار و2 مليار بحلول عام 2020، وهذا يتوقف على مدى قدرة تلك الصناعة على إنشاء أُطر العمل الضرورية للاستفادة الكاملة من تلك الأنظمة؛ حيث إن غالبيتها، في الوقت الحالي، تنقل مستويات ضعيفة جداً من البيانات وفي وقت طويل، لأن معظمها يعمل على شبكات G2، وهو ما سيختلف تماماً إذا ما عملت على شبكات G5.

تحديات تقنية G5 بالنسبة لمشغلي شبكات الموبايل

إن التقدم الذي تحقق جرَّاء الانتقال من شبكات G3 إلى تكنولوجيا ذات سعة عالية، قد نقل صناعة الشبكات والمجتمع على السواء إلى مستوى غير مسبوق من الابتكار. وإذا أصبحت تقنية G5 بمثابة تحول حقيقي في أجيال تكنولوجيا الشبكات، فإن هذا يعني الانتقال إلى مستوى أعلى من التواصل ونقل البيانات. إلا أن الوصول لهذا المستوى يستتبع بدوره بعض التأثيرات المحتملة ويفرض بعض التحديات التي يجب على مشغلي الخدمات التصدي لها والتغلب عليها، خصوصاً فيما يتعلق بنطاق التغطية و"طوبولوجيا Topologies " شبكات الإنترنت، سواء الطوبولوجيا المادية الفيزيائية المرتبطة بتصميم الشبكة من حيث الأجهزة والكابلات ومواضعها، أو الطوبولوجيا المنطقية، أي المتعلقة بكيفية انتقال البيانات فعلياً في الشبكة، بغض النظر عن الشكل المادي لها.

ويتمثل التحدي الأول في حجم ونطاق التغطية الذي تستهدفه تقنية الجيل الخامس، خصوصاً في ظل الاحتياج لموجات بث إذاعية عالية، وهو ما جعل المُشغلين والمُتخصصين من الأكاديميين في هذا المجال يعملون على توحيد الجهود من أجل اكتشاف حلول تقنية لما قد تنتجه شبكات G5 من تأثيرات، وذلك لأنها قد تستخدم ترددات أعلى من 6GHz، ويُقال إنها ستصل إلى 300GHz كحد أقصى، إلا أن السعة العالية للترددات تقلل، طبقاً للتقرير، من استخدام الخلايا الإذاعية، وبالتالي فإن استهداف تغطية واسعة النطاق باستخدام نموذج طوبولوجي تقليدي للشبكات سيكون تحدياً كبيراً.

ومن الشائع في هذا الصدد استخدام آليات تشكيل الإشعاعات أو ما يُعرف بـ"Beam-forming" بما يساعد على استخدام الموجات العالية المطلوبة 6GHz، إلا أن هذا يعني توجيه الإشعاع للمستخدم النهائي المتصل بالشبكة. وقد يجعل هذا الابتكار تقنية G5 غالية الثمن في حالة نشرها على نطاق واسع، لأنها ستتصل بكل هاتف خلوي موجود في الشبكة.

ويشير التقرير إلى أن هناك آليات أخرى لزيادة سعة الشبكات مثل ما يعرف بـ" Multi-Input, Multi-Output" والتي تختصر بـ"MIMO"، وكل هذه الأدوات في النهاية يتم دراستها لإدراجها ضمن تقنية 5G بحيث تصبح إضافة عما سبقها من تقنيات فيما يتعلق بحجم ونطاق التغطية المُستهدَفَة وسعة الترددات المُستخدَمَة.

أما التحدي الثاني، فيرتبط بسرعة نقل البيانات والمعلومات من خادم إلى آخر، وهو ما يُعد أحد المتطلبات الأساسية لتقنية 5G، والتي تستدعي بدورها ضرورة التفكير في كيفية عمل هيكل الشبكات نفسه لتجنب حدوث تأخير في عملية النقل، بل وأن تتجاوز سرعة تلك العملية السرعة المُتعارَف عليها، بالإضافة إلى ضخ مزيد من الاستثمار في البينة الأساسية التكنولوجية لتحقيق هذا الغرض.

وأخيراً، يشير التقرير إلى أنه تُجرى الآن العديد من النقاشات بين المتخصصين والأكاديميين ومشغلي الشبكات لوضع تعريف محدد وواضح لتقنية 5G، وبمجرد الوصول لهذا الأمر، فإن الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول  GSMAستقوم بدور هام في تشكيل البيئة الاستراتيجية والتجارية المستقبلية لتلك التقنية، وذلك بالتعاون مع شركائها على مستوى العالم لتطوير تطبيقات خاصة بتلك التقنية، بالإضافة إلى تحقيق أفضل استخدام للموارد والمصالح الحكومية، خصوصاً أن تلك التقنية، في حال إطلاقها وتفعيلها، ستفيد القطاعات الحكومية كثيراً. ولذلك فإن تقنية 5G تُمثل فرصة حقيقية لتطوير نموذج تشغيل أكثر استدامة من النماذج السابقة، فضلاً عن كونها تحقق استفادة غير مسبوقة لجميع مستخدميها من كافة القطاعات.

* عرض مُوجز لتقرير نشر تحت عنوان: "فهم تقنية الجيل الخامس: وجهات نظر حول التطورات المستقبلية لتكنولوجيا الموبايل"، والصادر في ديسمبر 2014، عن الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول "GSMA"، وهي جمعية تُعبر عن مصالح شركات الاتصالات المتنقلة في جميع أنحاء العالم، وتنتشر الجمعية في أكثر من 220 دولة، وتشمل ما يقرب من 800 شركة من مشغلي شبكات الهاتف النقال في العالم و250 شركة في مختصة في تكنولوجيا الهواتف المحمولة.