تغيير محتمل:

انعكاسات مشاركة القائمة العربية في الحكومة الإسرائيلية

04 July 2021


شهدت الحكومة الإسرائيلية الجديدة المعروفة بـ "حكومة التغيير" ائتلاف العديد من التيارات السياسية المتباينة، والتي اتفقت على تحقيق هدف واحد، وهو الإطاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.

وتمثل التطور البارز في تشكيل هذه الحكومة في مشاركة العنصر العربي فيها لأول مرة في تاريخ إسرائيل، بل وتمكنت "القائمة العربية الموحدة" الإسلامية، بقيادة منصور عباس، من لعب دور مهم في تمرير الحكومة الائتلافية بقيادة نفتالي بينيت، وهو ما جنَّب إسرائيل مأزق خوض انتخابات خامسة. وستكون لهذا التطور تداعياته المباشرة، سواء على صعيد وضع المكون العربي داخل إسرائيل، أو على الصعيد المجتمعي والسياسي بإسرائيل.

أزمات عرب إسرائيل: 

يمثل المكون العربي أكثر من 20% من سكان إسرائيل، ينتمي أكثر من 80% منهم إلى الدين الإسلامي، ونجحوا في الحصول على 10 مقاعد برلمانية بالكنيسيت، وفقاً لآخر انتخابات، غير أن الأحزاب العربية غير موحدة. وتعاني هذه الأقلية المشاكل التالية:

1- عمق الانقسامات المجتمعية: يتمتع عرب إسرائيل بحقوق وامتيازات تفوق تلك التي يتمتع بها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أن العديد منهم يعتبرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية. كما تواجه الحكومة الإسرائيلية اتهامات من المؤسسات الحقوقية بانتهاجها سياسات اضطهاد وتمييز عنصري ترقى إلى وصف ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين والأقلية العربية بإسرائيل.

كما أنه مع تصاعد سياسات الاستيطان الإسرائيلي وأحداث حي الشيخ جراح، وممارسات بعض المستوطنين المتطرفين واعتدائهم على الممتلكات العربية الخاصة، وكذلك الأماكن المقدسة، وصولاً إلى المواجهات العسكرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في مايو الماضي، اندلعت عمليات عنف متبادلة بين عرب ويهود إسرائيل، وهو ما كشف عن حجم الاحتقان الداخلي.

2- انقسام الولاءات: تواجه التيارات العربية والإسلامية داخل إسرائيل مأزقاً، فهي تفاضل إما بين الحصول على حقوقها المدنية عبر الاندماج في النظام السياسي والمجتمعي الإسرائيلي، أو أن تتمسك بالهوية العربية القومية لا الهوية المدنية في إطار الدولة الإسرائيلية. 

وتعجز الأحزاب والتيارات العربية الإسلامية بإسرائيل عن تكوين جبهة تتسق في موقفها بشأن المشاركة السياسية والتعامل مع النظام السياسي الإسرائيلي، فثمة تيار مؤيد للمشاركة السياسية، وثمة تيار فكري آخر ينادي بالمقاومة والجهاد ويُعادي الصهيونية وتأسيس الدولة الإسرائيلية. 

وانعكس ذلك الخلاف على الأحزاب العربية، وهو ما وضح في خوض القائمة العربية الموحدة والقائمة المشتركة الانتخابات بقائمتين منفصلتين، وهو ما ساهم في تفتيت أصواتها في الانتخابات الأخيرة وخسارة 5 مقاعد بالكنيست بعد انقسامها لفريقين هما القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس التي حصدت 4 مقاعد، والقائمة المشتركة التي تضم ثلاثة أحزاب عربية برئاسة أيمن عودة وحصلت على 6 مقاعد.

3- مدى دمج المكون العربي: يأتي ذلك في الوقت الذي يتعهد فيه رئيس الحكومة بينيت بتوحيد الأمة، إذ أشار خلال كلمته في الكنيسيت أثناء جلسة منح الثقة للحكومة إلى محورية دور منصور عباس والتعويل عليه لفتح صفحة جديدة مع المكون العربي. 

وللمرة الأولى، أسُندت حقيبة وزارية إلى وزير عربي وهي حقيبة التعاون الإقليمي، وكُلف بها عيساوي فريج من حزب ميرتس اليساري. ويؤمل أن يؤدي هذا التطور إلى تعزيز الاندماج السياسي والمجتمعي للمكون العربي والاعتراف بشرعيته، بما قد يؤدي على المدى الطويل إلى تحسن العلاقات بين العرب واليهود داخل إسرائيل.



تحدي القائمة العربية:

على الرغم من نجاح القائمة العربية الموحدة في أن تكون جزءاً من الائتلاف الحكومي في إسرائيل، فإنه من غير الواضح، ما إذا كانت ستنجح في الدفاع عن مصالح عرب إسرائيل أم لا بالنظر إلى العوامل التالية: 

1- صعود اليمين المتطرف داخل إسرائيل: يتنامى صعود اليمين المتطرف داخل إسرائيل، حتى مع رحيل نتنياهو عن رئاسة الحكومة، فهو لايزال يتزعم الليكود اليميني الذي يهيمن مع حلفائه على 59 مقعداً بالكنيسيت، وسيظل له دور مؤثر في صنع السياسات الإسرائيلية وفي تحريك الأغلبية المؤيدة له بالشارع الإسرائيلي.

كما أن رئيس الوزراء الحالي بينيت، المنشق عنه، ينتمي لليمين المتطرف أيضاً، وله سجل من التوجهات المتطرفة المعادية للمكون العربي، وإن كانت التقديرات تشير إلى إمكانية تحجيم بينيت لتلك التوجهات على المدى القصير على الأقل خشية تفكك الائتلاف الحاكم وإسقاط حكومته الوليدة.

2- محاولة تمرير قانون "لم الشمل": يأتي أول اختبار للعلاقات العربية – الإسرائيلية داخل الكنيسيت بعد أيام من تأسيس الائتلاف الجديد، حيث من المقرر مناقشة تمديد العمل بقانون "لم الشمل" لعام آخر. ويقضي هذا القانون المعمول به منذ عام 2003 بوقف عمليات لمّ شمل العائلات الفلسطينية التي يحمل أحد الزوجين فيها الهوية الإسرائيلية، في حين يحمل الآخر الهوية الفلسطينية، على العيش سوياً داخل مناطق الخط الأخضر والقدس.

وفي حين تؤيد الأحزاب اليمينية والوسطية المشاركة في الحكومة، فإن الأحزاب اليسارية والعربية ترفضها. ومن المتوقع أن يستغل الليكود بقيادة نتانياهو هذا القانون للمزايدة على بينيت، ودفع بعض أحزاب الائتلاف الحكومي للتصويت عليه بما يحدث انقساماً داخل الائتلاف الحكومي مع اليسار والتيار العربي الذي يقوده عباس، خاصة أن الليكود يصر على تحويل القانون إلى قانون دائم ويضغط للتصويت لصالحه.

3- مدى تحقيق المطالب العربية: أعلن عباس أنه لا يمانع التعاون مع أي تيار يحكم إسرائيل سواء من اليمين أو اليسار طالما سيحقق مطالب العرب بالحصول على المزيد من الدعم وتوفير الخدمات للمدن العربية الإسرائيلية، وهو الاتفاق الذي أنجزه مع بينيت، حيث حصل على وعود بتخصيص نحو 16 مليار دولار على مدى خمس سنوات لصالح خطط التنمية ومعالجة أزمة الإسكان ومكافحة العنف والجريمة المنظمة. ومن غير المعروف مدى وفاء حكومة بينيت بهذه المطالب.

سيناريوهات مستقبلية: 

بعد نجاح التيار العربي الإسلامي في الوجود بالائتلاف الحاكم في إسرائيل، يمكن تقدير سيناريوهين أساسيين لذلك التطور، والذي يتمثل في التالي:

1- تعزيز دمج عرب إسرائيل: يعتقد البعض أن إدماج حزب عربي في الحكومة الإسرائيلية سيكون له تأثير إيجابي طويل الأمد على الدولة الإسرائيلية واستقرارها وشرعيتها وتجانس مكوناتها عبر تعزيز فرص مشاركة عرب إسرائيل في الحكومة الإسرائيلية، ومن ثم تمكينهم من الدفاع عن حقوقهم، أو تحسين وضعهم داخل إسرائيل.

2- انسجام مؤقت: يرى آخرون أن الائتلاف الحكومي القائم سيكون مؤقتاً في ظل تصاعد اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة بينيت، بالإضافة إلى تعرضه للمزايدة من قبل الليكود، بما قد يمثله ذلك من قيد على الحكومة الإسرائيلية وتجاوبها مع المطالب العربية.  وفي هذا الإطار، يشير آخرون إلى أن المهمة الرئيسية للائتلاف الحكومي هي التخلص من نتانياهو، وفور تحقيق ذلك، من خلال محاكمته في قضايا فساد، على سبيل المثال، فإن إسرائيل قد تتجه لانتخابات مبكرة لإنتاج حكومة أكثر تجانساً من منظور أيديولوجي.

ولذا يبقى تبني الأطراف المعنية نهجاً برجماتياً، وتجاوز الملفات الخلافية، والتماهي مع بعض المطالب العربية المشروعة هي التي ستحدد وضع العرب في النظام السياسي الإسرائيلي، ومدى جدوى مشاركتهم من عدمها، كما يبقى التساؤل قائماً حول مستقبل مشاركتهم في الحكومة الإسرائيلية إذا غاب تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتانياهو.

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط