أسلحة "داعش":

عسكرة المياه في الصراع السوري والعراقي

21 February 2016


إعداد: وفاء ريحان


تنعكس الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية وما يصاحبها من موجات جفاف وندرة المياه، على الصراعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تحاول أطراف الصراعات استغلال ما ينتج عن هذه الظروف المناخية من اضطرابات وعدم استقرار سياسي، لتوظيفه في نزاعها مع الأطراف الأخرى.

وفي هذا الإطار، تأتي الدراسة الصادرة بعنوان: "عسكرة المياه في سوريا والعراق"، والتي أعدها "ماركوس كينج" Marcus King، الأستاذ المساعد في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، وتناول خلالها كيفية استغلال المياه في الصراعات كسلاح مؤثر، ودور تنظيم "داعش" في عسكرة المياه بكل من سوريا والعراق، مع عرض الاستراتيجية التي يتعين على الولايات المتحدة اتباعها لمواجهة تحديات "عسكرة المياه" في صراعات إقليم الشرق الأوسط.

الندرة المائية كمحفز للصراع

تشير الدراسة إلى أن ندرة المياه تلعب دوراً مهماً ومعقداً في خلق الظروف التي أدت إلى الاضطرابات السياسية والتمرد العنيف في سوريا منذ عام 2011،  وقد امتد هذا الدور بعد ذلك إلى العراق. وثمة دلالات واضحة على أن المشاكل الناجمة عن الجفاف في ظل تزايد عدد السكان، ساهمت في صعود التطرف بالمنطقة.

ففي سوريا، خلقت التأثيرات البيئية سياق من الحرمان، سمح لتنظيم "داعش" أن يُجند ما بين 60 و70% من مقاتليه محلياً، وهذا يعود في جزء منه إلى أن التنظيم يسيطر على الخدمات البلدية، وهذا الأمر يحدث كذلك في العراق.

وترجح التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، تزايد معدلات الجفاف خلال العقود المقبلة بمناطق البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، ومن ثم تزداد احتمالات استمرار الجماعات المتطرفة في تجنيد عناصرها وممارسة أنشطتها الأخرى، مستغلةً هذه الأوضاع.

استخدام المياه كسلاح

يشير الباحث إلى إمكانية اندلاع الصراعات على المياه ذاتها، أو نتيجة قيام أي من الفاعلين بالتلاعب في إمدادات المياه، لتحويلها لسلاح يُستخدم في صراع لا علاقة لها به، فيما يُعرف باسم "عسكرة المياه" weaponizing the water.

ويوضح الكاتب أن سوريا والعراق سجلتا حالات متكررة فيما يتعلق باستخدام المياه كسلاح. ومنذ يوليو 2015 تناقصت تدفقات المياه بنهري دجلة والفرات، بسبب الجفاف والتلاعب البيئي المتعمد من "داعش"، حيث سيطر التنظيم على الروافد العليا لنهر الفرات، مما مكَّنه من خفض تدفق المياه إلى منطقة الأهوار التي تعتبرها "داعش" منطقة معادية لها، حيث يقطنها أقلية شيعية.

وقام الباحث بتحليل كيفية استخدام المقاتلين للمياه في الصراعات الدائرة بسوريا والعراق منذ أغسطس 2012 وحتى يوليو 2015، وتوصل إلى وجود العديد من حوادث عسكرة بالمياه في فترة الدراسة. وصفنها في خمس فئات، اعتماداً على ما إذا كان استخدام سلاح المياه لأسباب سياسية أم عسكرية، وذلك كما هو واضح في الجدول التالي:



سورياالعراقالإجمالي
العسكرة الإستراتيجية91423
العسكرة التكتيكية6511
الإرهاب النفسي404
التحفيز022
العسكرة غير المقصودة617
أسباب غير محددة022

 1- العسكرة الاستراتيجية: هناك نوعان من العسكرة الاستراتيجية، يتمثل النوع الأول في استخدام المياه للسيطرة على مناطق واسعة من الأراضي لتحقيق السيادة، والثاني هو استخدامها كأصل لتمويل الأنشطة كشراء الأسلحة. وتشمل العسكرة الاستراتيجية أيضاً استهداف أو تدمير المراكز السكانية الكبيرة أو المنشآت الصناعية وغيرها من البنى التحتية، ويمثل تنظيم "داعش" أبرز الأمثلة في هذا الشأن.

2- العسكرة التكتيكية: يتجلى هذا النوع في استخدام المياه كسلاح في ساحة المعركة، لتوفير الدعم المباشر والفوري للعمليات العسكرية، أو استخدامه ضد أهداف ذات أهمية عسكرية كبيرة. ومثال على ذلك ما قامت به "داعش"، في سبتمبر 2014، من تحويل مياه النهر من منطقة حوض شروين بمحافظة ديالى العراقية، وذلك لإعاقة تقدم قوات الأمن العراقية، وإغراقها تسع قرى.

3- أداة للإرهاب النفسي: ينطوي هذا النوع من العسكرة على بث الخوف في صفوف غير المحاربين من خلال حرمانهم من الوصول إلى إمدادات المياه أو تلويثها. ويلجأ الفاعلون إلى ما يُطلق عليه "الإرهاب المائي"، سواء على المستوى الاستراتيجي أو التكتيكي، مثلما حدث في سوريا في يوليو 2015، حيث هدد "مجلس شورى مجاهدي وادي بردى" بقطع المياه عن عين فيجة، والتي تمد دمشق بماء الشرب.

4- أداة للابتزاز أو التحفيز: ينطوي هذا الشكل من العسكرة على استخدام المياه كسلاح لضمان شرعية السلطة الحاكمة، أو كمكافأة على الدعم المقدم من المواطنين. ففي يونيو 2014 عندما سيطر "داعش" على الموصل وتكريت، قام التنظيم بقطع المياه عن القرى المحيطة بها، وتم تعطيل تدفق المياه من محطة تنقية مياه الموصل إلى قرى الأقليات المسيحية في ضواحي الموصل، ما تسبب في إرغام السكان على شراء المياه بنحو 6.25 دولار لكل متر مكعب، وهذا ما لم يستطع معظم السكان تحمله.

5- العسكرة غير المقصودة: عندما يسبب استخدام سلاح المياه أضراراً جانبية على المدنيين أو البيئة الأيكولوجية، يُسمى ذلك بالعسكرة غير المقصودة. ويعد نزوح السكان غير المتعمد شكلاً متكرراً لهذه الأضرار الجانبية. على سبيل المثال، في ديسمبر 2014 أتلف المقاتلون 35% من مرافق معالجة المياه في سوريا، وهو ما نتج عنه تفشي تلوث مياه الشرب في البلاد.

تنظيم "داعش" وعسكرة المياه

حسب الدراسة، تُظهر البيانات المختلفة أن الحكومات تستخدم سلاح المياه بدرجة أقل كثيراً من الفاعلين من غير الدول، وربما يعزى ذلك إلى أن الدول تتقيد بالاتفاقيات الدولية التي تحظر استخدام البيئة كسلاح.

ويعتبر تنظيم "داعش" هو المسؤول عن معظم عمليات عسكرة المياه، وهذا تفسيره أن التوسع الإقليمي هو الهدف الرئيسي لـ"داعش"، ويعد استخدام المياه سلاحاً وسيلة فعَّالة لتوسيع السيطرة على الأراضي. وقد بلغت حوادث عسكرة المياه أعلى معدلاتها في ديسمبر 2014، وهي الفترة التي وصل فيها التنظيم لأقصى قدر من السيطرة على الأراضي في سوريا والعراق.

ويطرح الكاتب تساؤلاً مهماً حول ما إذا كان أطراف النزاع في سوريا والعراق لديهم استراتيجيات خاصة لعسكرة المياه؟ والحقيقة هي أن تنظيم "داعش" يبدو الفاعل الوحيد الذي يملك استراتيجية لهذا الغرض. وفي هذا الصدد، أشار الكاتب إلى ثلاث ملاحظات أساسية متعلقة باستخدام "داعش" سلاح المياه، وهي:

1- استخدام سلاح المياه كان عاملاً حاسماً في تنفيذ حملة "داعش" للاستيلاء على الأراضي في سوريا والعراق.

2- قدرة تنظيم "داعش" على استغلال سلاح المياه كعامل رئيسي في تحقيق الهدف السياسي المتعلق بكسب قلوب وعقول بعض العراقيين والسوريين.

3- على الرغم من أن استخدام المياه كسلاح في بلاد الرافدين له جذوره التاريخية، فإن قيام "داعش" بالاستخدام المنهجي والمستمر لعسكرة المياه لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراعات الحديثة.

وطبقاً للدراسة، يتعين النظر إلى هذه الملاحظات في ضوء تغير ظروف المناخ حالياً، والتي أدت إلى الجفاف وتدمير البنية التحتية المائية، وهذا يدفع إلى ضرورة التنسيق الإقليمي بشأن تنظيم بناء السدود لمنع النتائج السيئة على الأمن الإنساني، مع الأخذ في الاعتبار تأثير الفاعلين من غير الدول على ندرة المياه الإقليمية.

استراتيجية أمريكية مطلوبة

يرى الكاتب أن عسكرة المياه بواسطة الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق تتطلب استراتيجية أمريكية للتخفيف من حدة عدم الاستقرار في المنطقة، وبما يؤدي إلى حرمان الفاعلين من غير الدول من القدرة على شن هذا النوع من الحرب. ومثل هذه الاستراتيجية المطلوبة يجب أن تُوظف فيها كل أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، كالتالي:

1- سياسة دفاعية: يجب أن تلتزم واشنطن بقيادة التحالف الدولي لطرد "داعش" من الأراضي التي تسيطر عليها، على أن يتم ذلك بطريقة تقلل أو تمنع الإضرار بإمدادات المياه والبنية التحتية لها. كما يجب على الجيش الأمريكي، بما في ذلك القوات البرية، جمع كل المعلومات الاستخباراتية التي يمكن استخدامها لمنع عسكرة المياه من قِبل "داعش" وغيرها من الفاعلين من غير الدول.

2- سياسة تنموية: يرى الباحث أن الولايات المتحدة يجب أن تلعب دوراً قيادياً في ضمان الاستقرار في مرحلة ما بعد انتهاء الصراعات، وكذلك المساعدة في إعادة الإعمار بهذه الدول. ولتحقيق هذا الغرض، عليها أن تعمل مع المنظمات الدولية الأهلية ووكالات التنمية غير الحكومية والجهات المانحة، لإعادة إعمار البنية التحتية للمياه التي دُمرت. كما ينبغي أن تتبنى واشنطن في سياستها الخارجية ما يُسمى "الدبلوماسية المائية"، والتي لها دور مؤثر في التقليل مستقبلاً من عدم الاستقرار السياسي الذي تسببه ندرة المياه.

3- الاستفادة من القانون الدولي: يعتبر الكاتب أن أفضل رد دبلوماسي أمريكي على عسكرة المياه هو إضفاء الشرعية على سلطات الدول، ويتحقق ذلك من خلال دعم الاتفاقيات الدولية، وتسهيل التعاون بين حكومات العراق وتركيا، وربما سوريا اعتماداً على نتائج الحرب. كما يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها الدبلوماسي في الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى، من أجل دعم إنفاذ القانون الدولي الذي يحظر استخدام المياه كسلاح، حيث توجد اتفاقيات دولية تُصنف عسكرة المياه باعتبارها جريمة حرب.

ختاماً، تُحذر الدراسة من أن عدم استعداد الولايات المتحدة لاستخدام أدوات السياسة الخارجية لمواجهة التحديات ذات الصلة بالمياه الإقليمية، يُتيح الفرصة للفاعلين من غير الدول، بمن فيهم الجماعات المتطرفة العاملة في سوريا والعراق، لسد الفجوة الناجمة عن عدم قيام واشنطن بهذا الدور.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "عسكرة المياه في سوريا والعراق"، والمنشورة في دورية "واشنطن الفصلية" The Washington Quarterly، في عدد شتاء 2016.

المصدر:

Marcus King, The Weaponization of Water in Syria and Iraq, The Washington Quarterly, Vol.38, No.4 (Washington: The Elliott School of International Affairs, Winter 2016) PP 153-169.