رسائل طهران:

حدود الاستفادة الإيرانية من الاتفاق مع الصين

01 April 2021


تكشف اتفاقية الشراكة الاقتصادية التي تم توقيعها بين إيران والصين في مارس 2021، عن خطة تنموية تقوم على ضخ الصين لـ400 مليار دولار في كافة قطاعات الاقتصاد الإيراني، بما يمنح طهران فرصة إلى حد ما  لتعزيز الضغوط المفروضة على الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة التي عقدتها مع دول (5+1) في عام 2015، ومواجهة التهديدات المحيطة بها على المستوى الإقليمي، فضلًا عن تخفيف حدة الضغوط الداخلية من خلال تحسين مستوى معيشة المواطن الإيراني.

نصوص الاتفاقية:

رغم عدم إعلان كلا الطرفين الإيراني والصيني عن المضمون الكامل للاتفاقية، إلا أنه كشفت البنود المسربة منها عن أن مجالات التعاون بين البلدين ستشمل قطاع الطاقة، ولا سيما فيما يتعلق بالنفط الخام (الاستخراج والنقل والتكرير)، والطاقة النووية والبتروكمياويات. أما فيما يخص البنية التحتية، فستقوم الصين بالاستثمار في قطاع النقل وتطوير السكك الحديدية، والمطارات والموانئ. كما سيركز التعاون في إطار الاتفاقية على تطوير القطاع المصرفي واستخدام العملة الوطنية، فضلًا عن مكافحة غسيل الأموال والجريمة المنظمة.

وأكدت الدولتان على أن هذا الاتفاق سيكون منصة رئيسية للتعاون في مجالات أخرى، مثل: التكنولوجيا، والسياحة، والعلوم، وتبادل الخبرات التدريبية فيما يتعلق بالقوى العاملة والتفاعل بين وكالات القطاع العام والخاص بما يؤدي لتحسين مستوى المعيشة ومكافحة الفقر. ومن هنا، يمكن لهذه الصفقة أن تساهم في تعزيز مصالح طهران المالية والاستراتيجية في آسيا، وتحقيق هدفها بالانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، وبالتالي اعتبارها جزءًا رئيسيًا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. 

تعزيز هامش المناورة: 

ربما تهدف إيران من خلال عقد هذه الاتفاقية في هذا التوقيت لتكثيف الضغوط على الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة "جو بايدن"، ولا سيما فيما يتعلق بتقديم أقل قدر ممكن من التنازلات خلال أية تفاهمات نووية قادمة مع واشنطن. ففي الوقت الذي تُصر فيه الولايات المتحدة الأمريكية على توسيع هامش التفاوض ليشمل بعض الملفات الجديدة، مثل: برنامج الصواريخ الباليستية، والنفوذ الإيراني في المنطقة، تعتبر إيران هذه الأمور بمثابة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها. 

ويمكن لهذه الاتفاقية أن تساهم في إجبار واشنطن على التخلي عن مُقاربة "الخطوة الإيرانية أولًا"، وهو ما تَمثل في تأكيد مسؤول أمريكي رفيع المستوى على ذلك في أواخر مارس الفائت، قائلًا: "إن مسألة الطرف الذي يجب عليه أن يتخذ الخطوة الأولى لاستئناف الالتزام بالاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 ليست مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة"، الأمر الذي يمكن فهمه في إطار الرغبة الأمريكية في إبداء بعض المرونة فيما يتعلق بالتفاوض حول الصفقة النووية مع إيران.

ومن المحتمل أن تقف هذه الاتفاقية كحجر عثرة أمام التضامن الأمريكي-الأوروبي–الإسرائيلي في مواجهة إيران، ولا سيما في ظل إصرار بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا على إشراك دول الخليج في المحادثات النووية القادمة مع إيران، وهو ما رفضته هذه الأخيرة بشكل نهائي، مؤكدة على أن أية ترتيبات مستقبلية بشأن برنامجها النووي يجب أن تقتصر على الدول الموقعة على خطة العمل المشتركة لعام 2015. وعليه، من المتوقع أن تؤدي هذه الاتفاقية لعرقلة التفاهمات النووية بين واشنطن وطهران، ولا سيما في ظل التنبؤات التي تشير إلى إمكانية فوز مرشح محافظ خلال انتخابات الرئاسة الإيرانية المزمع عقدها في 18 يونيو لعام 2021، بالتوازي مع حالة التنافس الاقتصادي المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. 

نفوذ طهران الإقليمي: 

يمكن أن تساعد هذه الاتفاقية على دعم طهران لنفوذها الإقليمي بعض الشيء، وخاصة في ظل التهديدات التي قد لا تبدو هينة الموجهة من قبل إسرائيل. فإلى جانب حرب السفن الدائرة بين طهران وتل أبيب والتي تهدف من خلالها الأخيرة إلى منع إيران من الالتفاف على العقوبات الأمريكية، والحصول على مئات الملايين من الدولارات الناتجة عن بيع النفط الإيراني إلى سوريا، ساهمت الهجمات الإسرائيلية المكثفة على المواقع العسكرية التابعة للمليشيات الإيرانية في العراق وسوريا في إجبار طهران على إعادة التموضع واتباع استراتيجيات جديدة تفوق تكلفتها طاقة إيران التمويلية، ولا سيما في ظل العقوبات الاقتصادية المشددة المفروضة عليها. 

ويتوازى ذلك مع تفاقم التحديات المتصاعدة في معاقل النفوذ الإيراني بالمنطقة؛ حيث تشهد العراق كل فترة ليست بالطويلة تظاهرات مناهضة للوجود الإيراني، ولا سيما في ظل سياسات رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" الهادفة لإحداث تقارب مع بعض الدول العربية، وتعزيز السيطرة الأمنية على كافة مفاصل الدولة من خلال تضمين بعض المليشيات الإيرانية للجهاز الأمني الرسمي وقوات خدمة مكافحة الإرهاب في العراق (CTS)، وخاصة في ظل انتماء عدد كبير من الألوية التابعة للحشد الشعبي إلى الجماعات المسلحة التي كانت موجودة قبل تأسيس الحشد في عام 2014، والتي قدمت الولاء الكامل للحرس الثورى الإيراني فيما بعد.

أما فيما يتعلق بسوريا، فرغم الولاء الملحوظ الذي تحظى به إيران من قبل الرئيس بشار الأسد، إلا أنها تواجه مزاحمة دولية من قبل كل من تركيا وروسيا، وهي ما اتضحت أبرز معالمها في استبعاد طهران من محادثات الدوحة، مما يشير إلى الرغبة الروسية–التركية في التخلي عن إيران، على خلفية حالة التذبذب التي تشوب العلاقات الإيرانية-الأمريكية، وحاجة موسكو لمشاركة واشنطن في عملية إعادة الإعمار داخل سوريا لاحقًا. 

وفي لبنان، تواجه جماعة "حزب الله" المدعومة إيرانيًا تحديات بارزة على الصعيدين الداخلي والخارجي، بداية من دعوات تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل غالبية القوى الدولية وصولًا لحالة الصراع المستمرة مع الفصائل السياسية اللبنانية. ورغم محاولة جماعة الحوثي خدمة المصالح الإيرانية من خلال حملات التصعيد الممنهجة على كافة المستويات، لكن قيامها بدعم الإرهاب أدى إلى عدم تحقيق ذلك، لذا، من المتوقع أن يؤدي عقد إيران لاتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل مع الصين إلى الحد من تداعيات هذه التهديدات من خلال تخفيف التأثيرات السلبية للعقوبات الأمريكية، وبالتالي حصول إيران على الأموال اللازمة لاستعادة نفوذها في هذه الدول. 

التأثيرات على الداخل الإيراني:

ربما يمكن لهذه الاتفاقية أن تساهم في تحسين الوضع المعيشي بالداخل الإيراني، بما يتضمن حل المشكلات الاقتصادية التي تتمثل في تصاعد معدلات البطالة والتضخم، فضلًا عن ارتفاع الأسعار والنقص في بعض المنتجات المشمولة بالعقوبات وخاصًة الطبية منها، ولا سيما في ظل تفشي الموجة الرابعة من فيروس كورونا في إيران. واللافت للانتباه في هذا السياق، هو أنه من غير المتوقع أن تتحول إيران إلى مستودع للسلع الاستهلاكية الصينية رديئة الجودة؛ حيث طرأت بعض التحولات الهامة -المدفوعة جزئيًا بالعقوبات الأمريكية- على أنماط التجارة الإيرانية خلال العقد الماضي، وركزت من خلالها طهران بشكل أكبر على بناء القدرات المحلية لتحصين اقتصادها ضد الصدمات الخارجية، مما أدى لأن تصبح حوالي 70٪ من الواردات الإيرانية بمثابة "سلع وسيطة"، مما يكشف عن اعتماد إيران خلال الفترة القادمة على الإنتاج المحلي والقيمة المضافة.

يتوافق ما سبق مع النهج الذي يطالب المرشد الأعلى "علي خامنئي" باتباعه، والذي يقوم على تحويل التأثيرات السلبية الناتجة عن العقوبات الاقتصادية إلى فرص يمكن من خلالها العمل على تنويع مصادر الدخل القومي الإيراني بعيدًا عن صادرات الطاقة، ومنح الأولوية للإنتاج المحلي. وبالتالي، تصبح العقوبات الأمريكية أقل تأثيرًا بمرور الوقت، فضلًا عن تنشيط التعاون الاقتصادي مع الدول التي تعارض الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي مثل الصين وروسيا. وفي النهاية، يمكن اعتبار اتفاقية الـ25 عامًا مع بكين تحقيقًا منطقيًا لهذه الأهداف.

ومن ناحية أخرى، يمكن اعتبار هذه الاتفاقية بمثابة فرصة للتيار المعتدل في إيران لاستعادة نفوذه في مواجهة المحافظين التقليديين، فإلى جانب توقيع هذه الوثيقة في عهد روحاني، عين خامنئي مستشاره علي لاريجاني -وأحد المرشحين المحتملين عن التيار المعتدل خلال الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران- كمنسق عام مع الصين بشأن هذه الاتفاقية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز من فرص هذا الفصيل السياسي للفوز. 

مستقبل الاتفاقية:

لا تقتصر هذه الاتفاقية بالنسبة لإيران على التعاون الاقتصادي فحسب، فإلى جانب أن الصين ليست عدوًا ولا تمثل تهديدًا عسكريًّا لإيران، لكن أهم ما يميز بكين هو قيام استراتيجيتها العامة على الفصل بين الجانب السياسي والاقتصادي، وهو ما يرتبط بتصريح خامنئي، قائلًا: "تسعى إيران حكومةً وشعبًا، لتوسيع علاقاتها مع دول جديرة بالثقة ومستقلة مثل الصين"، الأمر الذي افتقدته إيران في حالة التعاون مع واشنطن. 

وتشير بعض التقديرات إلى أن هذه الاتفاقية يمكنها أن تعزز أوجه التعاون المشترك بين طهران وبكين فيما يتعلق بالاستراتيجية الخاصة بكل منهما في المنطقة، ولا سيما من خلال علاقة إيران القوية بكل من العراق وسوريا. ففي الوقت الذي ترغب فيه إيران في أن تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة، تهدف الصين إلى الوصول بسهولة لمياه البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الحضور الإيراني في بعض أجزاء المنطقة. 

وبالتالي، ربما تكون هذه الاتفاقية واحدة من آليات تعزيز العلاقة بين إيران والصين، ونقلها لمستوى أعلى، ولا سيما أن بكين لا تطالب بإحداث أية تغييرات في سياسة إيران الداخلية أو الإقليمية أو حتى فيما يتعلق بالحد من تطوير برنامجها الصاروخي، كما ترغب بروكسل وواشنطن دائمًا.