تفاؤل حذر:

هل تحفز مبادرات دافوس مسار التعافي العالمي؟

01 February 2021


قمة المنتدى الاقتصادي العالمي أو قمة دافوس، هي حدث سنوي يُقام في دافوس في سويسرا، وتشهد هذه القمة مشاركة أهم قادة العالم والسياسيين والاقتصاديين ورجال الأعمال. وتأتي أهمية القمة الحادية والخمسين لمنتدى دافوس والتي تم عقدها خلال الفترة من 24-29 يناير الجاري، ليس فقط بسبب كونها القمة الأولى التي يتم عقدها عبر تقنية الفيديو كونفرانس بسبب جائحة كورونا، ولكن لكونها أيضًا تأتي في ظل وضع اقتصادي واجتماعي بل وسياسي معقد للغاية على المستوى العالمي نتيجة انهيار الأنظمة الصحية، وشبح الكساد الاقتصادي، والتوترات الاجتماعية، فضلًا عن الدعوات لمراجعة النهج العالمي تجاه قضايا مثل التغير المناخي والعولمة.

أجندة عام 2021:

صرح كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي، بأن هدف الاجتماع هذا العام سيكون العمل على "إعادة بناء الثقة" . أي إن الهدف الرئيسي من عقد قمة دافوس لهذا العام هو مناقشة كيفية بناء إطار عمل عالمي يتسم بقدر كبير من المرونة والتعاون بين دول العالم في حقبة ما بعد الجائحة، وكذلك التوصل إلى حلول مبتكرة لدفع عجلة التعافي الاقتصادي. 

وفي هذا السياق، تضمنت أجندة دافوس إطلاق مبادرة إعادة تشغيل العالم- Great Reset Initiative" أملًا في العودة للوضع السابق على الجائحة. وفي إطار هذه المبادرة سيتباحث قادة الدول والشخصيات العامة ورجال الأعمال حول كيفية تعزيز وتكثيف التعاون بين القطاعين العام والخاص في بعض القضايا العالمية الحاسمة، مثل التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد، وتغير المناخ.

وقد تضمنت هذه المبادرة خمسة مجالات، تم خلال أيام وجلسات المنتدى مناقشتها والتباحث حولها، فخلال الجلسة الأولى للمنتدى التي عُقدت في 25 يناير تم النقاش حول تصميم أنظمة اقتصادية متماسكة ومستدامة ومرنة. وفي اليوم الثاني، 26 يناير، تم التباحث حول دفع التحول والنمو الصناعي. أما الجلسة التي عقدت في 27 يناير فشهدت التباحث حول تعزيز الإشراف على الأوضاع العالمية.

كما تم التباحث حول الاستفادة القصوى من تقنيات الثورة التكنولوجية في الجلسة التي عقدت في 28 يناير. أما الجلسة الختامية للمنتدى يوم 29 يناير، فتم خلالها مناقشة سبل دفع التعاون العالمي والإقليمي.

قضايا بارزة:

شارك في المنتدى ما يزيد على 1500 من القادة ورجال الأعمال ورؤساء منظمات المجتمع المدني من أكثر من 70 دولة ومؤسسة دولية وإقليمية. وفيما يلي عرض لأهم ما قام أهم القادة بطرحه ومناقشته خلال كلماتهم ومداخلاتهم في جلسات المنتدى المختلفة: 

1- الحرب البادرة الجديدة: رغم أن الرئيس الصيني تشي جين بينغ لم يذكر الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه بشكل مباشر؛ إلا أن "بينغ" أطلق ما يمكن اعتباره تحذيرًا لبايدن من أنه حال استمرار دول العالم في اتّباع النهج الحمائي وفرض العقوبات والعمل على اضطراب سلاسل التوريد؛ فإن ذلك سيدفع العالم برمته إلى حرب باردة جديدة قد تتطور إلى مواجهات بين عدد من الدول.

بمعنى أن "بينغ" كان يوجه رسالة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة من أنه لن يكون هناك أي جدوى من الاستمرار في اتباع نفس الآليات التي اعتمد عليها دونالد ترامب.

واستمر "بينغ" في توجيه الانتقادات المستترة إلى واشنطن، حيث قال الرئيس الصيني إن "الاختلاف في حد ذاته ليس مدعاة للقلق. في حين أن ما يدق ناقوس الخطر هو الغطرسة والتحيز والكراهية، والتي تعد محاولة من البعض لفرض تاريخهم وثقافتهم ونظامهم الاجتماعي على الآخرين"، وهو ما يُعتبر انتقادًا لسياسات واشنطن التي تراها بكين أنها دائمًا ما تسعى إلى فرض نظامها السياسي والاجتماعي على باقي الدول، خاصة فيما يتعلق بالانتقاد الأمريكي الدائم للسجل الصيني لحقوق الإنسان، لا سيما خلال عام 2020، حيث أوضح "بينغ" أن بلاده لن ترضخ لأى ضغوط أو انتقادات حيال وضع حقوق الإنسان في هونج كونج أو تجاه أقلية الإيغور . 

2- تعزيز الترابط بعد الجائحة: وهي تعد القضية الأبرز التي ركز عليها عدد كبير من القادة، حيث قال الرئيس الصيني: "يجب علينا بناء اقتصاد عالمي مفتوح، ودعم النظام التجاري متعدد الأطراف، والتخلي عن المعايير والقواعد والأنظمة التمييزية والإقصائية، وإزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمار والتبادلات التكنولوجية" . كما أشار الرئيس الصيني أيضًا إلى أنه "لا ينبغي استخدام الوباء كذريعة للتخلي عن نهج العولمة والاعتماد على نهج (الانفصال والعزلة) بين الدول".

وفي السياق ذاته، صرح كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي، بأن الجائحة قد أثبتت الحاجة الماسة إلى استمرار نهج الاعتماد المتبادل بين الدول والشركات.

3- الأداء الاقتصادي العالمي: لا يزال العالم يكافح جائحة أودت بحياة أكثر من مليوني شخص، وتسببت في خسارة 225 مليون وظيفة وفقًا لمنظمة العمل الدولية، في حين زادت ثروات الأشخاص الأكثر ثراءً في العالم، وفق منظمة أوكسفام الخيرية. فضلًا عن تزايد التخوفات بسبب فعالية اللقاحات تجاه السلالات المتحورة من الفيروس، بالإضافة إلى الصعوبات اللوجستية والمالية التي ترافق عمليات التلقيح. 

ورغم إقرار كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، بهذه الحقائق، وبأن النهوض الاقتصادي العالمي قد يتأخر؛ إلا أنها أبدت ثقتها في أن عام 2021 سيكون «عام النهوض» الاقتصادي، وأنه يجب أن تتضافر الجهود لكي لا يتم تعطيل جهود التعافي الاقتصادي، خاصة في أوروبا التي تواجه موجة ثانية أشرس من الفيروس .

وتبنّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نبرة التفاؤل الحذرة نفسها، حيث قال إن السبيل الوحيد للتعافي الاقتصادي بعد الجائحة يأتي من خلال إرساء دعائم اقتصاد يتميز بالمساواة بين كافة الطبقات، وأن التحدي الأكبر الذي يواجه العالم بعد الجائحة هو مكافحة كافة صور عدم المساواة.

4- لقاحات الإنعاش الاقتصادي: حيث أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الاقتصاد العالمي لا يمكن أن ينتعش ويبدأ في التعافي من دون تضافر الجهود لتصنيع وتوزيع اللقاحات. ولفت النظر إلى أن عملية تطوير وتوزيع اللقاحات حتى الآن لا تتسم بالعدالة والمساواة، فالدول المتقدمة تحصل على عدد جرعات أكبر من الدول النامية .وفي السياق ذاته، أعرب الرئيس الجنوب إفريقي عن ضرورة النظر لعملية توفير اللقاحات على أنها عملية عالمية وليست عملية وطنية تخص كل دولة على حدة.

4- تنامي نفوذ الشركات التكنولوجية: صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال كلمته أمام المنتدى بأن هذه الشركات أصبحت بمثابة عملاق اقتصادي ينافس الحكومات المنتخبة في نفوذها، حيث قال بوتين إن هذه الشركات تعمل على التأثير على ملايين من البشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وطرح بوتين تساؤلًا حول مدى ارتباط وسائل التواصل الاجتماعي بتحقيق المنفعة العامة، ولم يقم بوتين بالإشارة إلى شركة بعينها، إلا أن الخبراء يؤكدون أنه كان يقصد الشركات التكنولوجية الغربية بشكل عام، خاصة موقعي فيسبوك وتويتر، وذلك بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها بوتين، سواء من المسؤولين الغربيين أو على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب اعتقال المعارض الروسي أليكس نافالني منذ بضعة أيام، واستمرار التظاهرات المناهضة لذلك في موسكو. 

كما حذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، من "القوة الهائلة" لشركات التكنولوجيا، ودعت إلى المزيد من التقنين لنشاط هذه الشركات، وأعربت عن قلقها من "أن الاعتماد على المنصات الإلكترونية لا يؤثر فقط على مدى نزاهة المنافسات، بل يؤثر على أمن المعلومات، ويؤثر على الديمقراطيات أيضًا". 

5- التغير المناخي: والذي يعد من أهم القضايا التي استحوذت على اهتمام عدد كبير من القادة، حيث وصفت بعض الصحف ووسائل الإعلام الغربية أن قمة دافوس قد تحولت إلى مؤتمر للحديث عن قضية التغير المناخي.

فقد وعد جون كيري، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي حول قضية التغير المناخي، بأن بلاده ستبذل قصارى جهدها لتعويض السنوات الأربع (فترة رئاسة دونالد ترامب) التي غابت فيها الولايات المتحدة عن مساندة الجهود العالمية لمكافحة المناخ. كما أعلن كيري التزام بلاده ببذل مزيدٍ من الجهود لمواجهة آثار التغير المناخي، خاصة في ضوء وجود رئيس أمريكي لن يدخر جهدًا لدعم هذه القضية. 

وفي السياق ذاته، أكد رئيس الوزراء الهولندي مارك روته أن بلاده التي يقع ثلث أراضيها تحت مستوى سطح البحر، لديها خبرة تعود إلى قرون في حماية اليابسة من المياه، وأضاف: "إذا لم نتعلم كيف نتعامل مع العواقب، وإذا لم نتمكن من التكيف، فسيكون تأثير الاحتباس الحراري كارثيًا". وأكد أنه بالتعاون مع عدد من قادة العالم فسيتم إطلاق خطة مفصلة لمجابهة آثار التغير المناخي. 

كما تعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خلال القمة بدعم الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي. 

5- أزمة الغذاء العالمي: تم التطرق إلى الآثار الاقتصادية والإنسانية واسعة المدى للتغير المناخي، حيث أشار ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إلى أن عدد الأشخاص المعرضين للمجاعات على مستوى العالم قد تضاعف من 135 مليونًا إلى 270 مليونًا بسبب الجائحة وبسبب التغير المناخي، وقد دعا "بيزلي" إلى اضطلاع القطاع الخاص بدور أكبر لنشر تقنيات الحفاظ على المياه أثناء الزراعة، وكذلك تقنيات تقليل الهدر في الطعام والمواد الغذائية، وذلك لضمان وجود نظام غذائي عالمي يستطيع أن يوفر الغذاء لـ10 مليارات شخص بحلول عام 2050.  وقد أشار رئيس الوزراء الهولندي إلى أن الأمم المتحدة عليها أن تقود الجهود العالمية لمكافحة شبح المجاعات العالمية .

6- وضع معايير أخلاقية للذكاء الاصطناعي: أطلق أكثر من 100 شركة وحكومة ومنظمة غير ربحية مبادرة عالمية لجعل الذكاء الاصطناعي أكثر أخلاقية وشفافية، ومن المزمع أن تعمل هذه المبادرة على تحديد الأدوات وأفضل الممارسات لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وأخلاقي. وستكون هناك لجنة للإشراف على عمل التحالف برئاسة آرفيند كريشنا، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة IBM، وفيلاس دار، رئيس مؤسسة Patrick J. McGovern.  وتجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع أن يساهم مجال الذكاء الاصطناعي بأكثر من 14 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2035.

مخرجات "دافوس":

من أهم النتائج التي أسفرت عنها قمة دافوس كانت حشد التزام دولي، سواء على مستوى الحكومات أو من خلال التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لمجابهة التهديدات التي يفرضها التغير المناخي وأزمة الغذاء العالمية، وكذلك توزيع وتوفير اللقاح، فالفشل في تضافر الجهود لحل هذه الأزمات سيؤثر بشكل خطير على البيئة وعلى حياة البشر، ومن ثم سيكون له تأثير سلبي على جهود التعافي الاقتصادي العالمي بعد الجائحة.

وبالتالي فقد التزم عدد كبير من الشركات بحماية الطبيعة والتنوع البيولوجي، معترفةً بأهمية مكافحة التغير المناخي للحفاظ على استقرار سلاسل التوريد والتجارة الخاصة بهذه الشركات. وفي الوقت ذاته، قام مجموعة من المستثمرين يُطلق عليهم اسم (تحالف الانبعاثات الكربونية الصفرية- Net-Zero-Asset Owner Alliance) بالإعراب عن التزامهم بامتلاك محفظة مشروعات وسلاسل توريد خالية من الانبعاثات بقيمة تزيد على 4 تريليونات دولار بحلول عام 2050. 

وفي السياق ذاته، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عن إطلاق المبادرة الدولية لـ"تحالف العمل من أجل التكيف المناخي" التي تضم بريطانيا ومصر وبنجلادش وملاوي وهولندا وسانتا لوتشيا والأمم المتحدة. وصرح بوريس بأن هذه المبادرة تأتي في إطار إدراك العالم للتأثيرات المدمرة لتغير المناخ على نمط حياة البشر والأنشطة الاقتصادية، وقال: "يجب أن نتكيف مع مناخنا المتغير، وعلينا أن نفعل ذلك الآن". وقد دعا جونسون مزيدًا من الدول والشركات ومنظمات المجتمع المدني للاصطفاف وراء هذه المبادرة التي تهدف إلى أن تقوم الحكومات والشركات والمستثمرون بوضع التغير المناخي وتأثيراته على قمة أولوياتها قبل اتخاذ أي قرار وإقامة أي مشروع قد يؤثر سلبًا على درجة التدهور المناخي في العالم . 

أما النتيجة الثانية فكانت انضمام شركتي تكنولوجيا المعلومات الهنديتين (Tata Consultancy Services وInfosys NSE) إلى تحالف يضم كبرى شركات العالمية مثل: (جوجل، مايكروسوفت، جونسون، نستلة، PayPal)، بالإضافة إلى بنك أمريكا، وذلك بهدف معالجة وتعزيز العدالة العرقية والإثنية في مكان العمل، والتي تدهورت بسبب الجائحة؛ حيث أصبحت الأقليات والنساء من أكثر الفئات المتضررة من فقدان الوظائف وتخفيض الأجور.

ختامًا، تَمَثَّل الهدف الأساسي لمنتدى دافوس هذا العام في حشد قادة العالم من أجل تشكيل المبادئ والسياسات والشراكات اللازمة في السياق الجديد المليء بالتحديات التي فرضتها الجائحة. في حين أن النتيجة الأبرز كانت التأكيد على أهمية التضافر العالمي من أجل تحقيق مستقبل أكثر شمولية وتماسكًا واستدامة في أقرب وقت ممكن في عام 2021. وتجدر الإشارة إلى أنه من المزمع أن يتم عقد اجتماع سنوي خاص في سنغافورة في الفترة من 25 إلى 28 مايو 2021 وذلك لتكثيف النقاشات والمباحثات حول سبل التعافي من الجائحة.