حسابات متداخلة:

لماذا تُكثِّف قوى "8 آذار" ضغوطها على الحريري؟

18 January 2021


رفعت الأطراف الرئيسية في تيار 8 آذار من مستوى ضغوطها على رئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري، من أجل الموافقة على الشروط التي تضعها في هذا الإطار، والتي تتيح تشكيل حكومة على غرار حكومة حسان دياب، توفر لها السيطرة الفعلية على العمل الحكومي. وقد دفع جمود المشهد السياسي في الوقت الحالي البطريرك الماروني بشارة الراعي، في 17 يناير الجاري، إلى تجديد دعوته لـ"المصالحة بين الرئيس ميشال عون والحريري"، معتبراً أن "لبنان بات في حالة تقويض لم نكن ننتظرها في مناسبة احتفاله بمئويته الأولى". وقد تمثلت أبرز تحركات قوى 8 آذار لممارسة ضغوط على الحريري في:

1- إطلاق دعوات لتغيير النظام السياسي: وهو ما انعكس في مطالبة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، في 10 يناير الجاري، بتأسيس نظام جديد في لبنان، من خلال إجراء حوار وطني ينتج عنه تصور مشترك لهذا النظام يضمن الاستقرار بالبلد، لافتاً إلى أن الحل البديل الذي يطرحه التيار هو الدولة المدنية مع اللامركزية الواسعة. وتبع ذلك دعوة المفتى الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في 15 من الشهر نفسه، إلى "ضرورة تطوير الصيغة السياسية للوطن"، لأن أزمة لبنان تتجذر بهويته الطائفية. ويشار في هذا الصدد إلى أن تلك الدعوات تأتي بعد طرح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في أغسطس 2020، لأهمية تطوير النظام السياسي، ويذكر في هذ االصدد أن ذلك الطرح يعد تقويضاً لجهود الحريري في تشكيل حكومته، نظراً للتجاذبات الناتجة عن هذا الطرح في الأجل المنظور.

2- دفع الحريري للاعتذار: شهدت الفترة الاخيرة شللاً في عملية تشكيل الحكومة، وذلك عبر رفض رئيس الجمهورية ميشال عون أى طروحات يتقدم بها رئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري لصيغة الحكومة المقبلة. وفي هذا السياق، أشارت بعض وسائل الإعلام اللبنانية إلى محاولات عون لسحب التكليف من الحريري، أو دفعه للاعتذار، وهو ما قُوبل بحملة من مناصري تيار المستقبل تؤكد أن الحريري لن يعتذر، منها تأكيد عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار بأن "الرئيس الحريري يتمسّك بعدم الاعتذار عن تشكيل الحكومة، حرصاً على مصلحة لبنان واللبنانيين، التي تقوم على ضرورة تشكيلها من اختصاصيين غير حزبيين".

3- مواقف غامضة: وقد تجّلت في عدم تحرك رئيس مجلس النواب نبيه بري للوساطة بين عون والحريري كما جرت العادة، في محاولة للخروج بصيغة يتوافق عليها الطرفان بشأن تشكيل الحكومة. وقد حاول محمد خواجة النائب في كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها بري أن يبرر غياب الأخير بأنه "لا يدخل في مبادرة إن لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من النجاح".

وفي الوقت نفسه من الواضح أن حزب الله يدعم عون بشكل غير معلن للإصرار على موقفه، بشأن الحفاظ على نفوذ التيار العوني في الحكومة المقبلة، بغض النظر عن الضغوط الدولية، لاسيما الفرنسية، لتطبيق المبادرة التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون والتي تقوم على تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبية.

تحركات موازية:

تأتي الضغوط الأخيرة على الحريري لتدارك محاولاته الرامية للحصول على دعم خارجي يتوازى مع الدعم الإيراني لقوى 8 آذار، عبر دفعه إما للاعتذار أو للإسراع بتشكيل حكومة بشروط الأخيرة، تضع أساساً جديداً لتثبيت نفوذ إيران في لبنان. واللافت في هذا السياق، أن تلك الضغوط تتزامن مع إشارة بعض المصادر إلى نية الحريري القيام بزيارات إلى دول عربية وغربية في الفترة المقبلة، الأمر الذي يؤكد مسعاه للحصول على دعم خارجي في مواجهة الضغوط التي تواجهه داخلياً، والتي لا تتمثل في قوى 8 آذار فحسب، بل في بعض حلفاءه الذين سحبوا دعمهم له، حيث نصحه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالاعتذار عن تشكيل الحكومة على خلفية أنه لا أمل في تشكيلها، كما أن حزبى القوات والكتائب اللبنانيين لا يباركان تحركاته، فضلاً عن تحفظ العديد من الحركات المستقلة (مثل حزب "سبعة") عن الانخراط في المشهد السياسي الحالي، والذي يمثل الحريري طرفاً رئيسياً فيه. 

تسوية محتملة:

أضفى تعقد المشهد الداخلي الحالي في لبنان أهمية خاصة على الدعوة التي وجهتها قوى عديدة إلى ضرورة الوصول إلى تسوية بين أطراف الأزمة داخلياً بدعم خارجي، وهو ما قد يفسر زيارات الحريري المحتملة خلال الفترة المقبلة لدول عربية وغربية (منها فرنسا)، والتي قد تشير إلى رغبته  في الحصول على دعم لتشكيل حكومة لا تخصم من نفوذ قوى 8 آذار. إلا أن موافقة الأطراف الخارجية تظل محل جدل، خاصة وأنها قد تحرج تلك الدول. فضلاً عن أن ذلك سوف يرتبط بالتغيرات المحتملة التي قد تشهدها السياسة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، والتي ربما تستغرق وقتاً في ظل منحه الأولوية للملفات الداخلية التي فرضت نفسها في المرحلة الحالية.

ختاماً، تأتي الضغوط المتبادلة بين سعد الحريري وقوى 8 آذار في إطار الصراع على النفوذ داخلياً، وهو النمط المتكرر في المشهد اللبناني، والذي يتبعه، وفق العديد من الشواهد، الوصول إلى تسوية توفر حداً أدنى من التوافق بين أطراف الصراع، لضمان عدم الدفع بالدولة نحو الانهيار، خاصة في ظل تطورات إقليمية ودولية غير معروف تبعاتها على الداخل اللبناني، وبالتالي من المرجح أن يستمر تنامي الضغوط في الفترة المقبلة بين القوى المختلفة حتى الوصول إلى مرحلة تدفع إلى تحقيق تسوية يتم بمقتضاها تشكيل حكومة وحدة وطنية تتلافى أى اعتراضات داخلية أو خارجية، وهى مهمة لا تبدو سهلة، في ظل تشابك وتعقد مصالح وحسابات القوى المعنية بالتطورات السياسية التي تشهدها الساحة اللبنانية.