سياسات مزدوجة:

كيف تتعامل تركيا مع التصعيد الغربي ضدها؟

15 December 2020


صعّدت الدول الغربية من ضغوطها على تركيا بسبب سياستها الخارجية، سواء تجاه إقليم شرق المتوسط أو حتى بسبب تقاربها مع روسيا، حيث قرر زعماء الاتحاد الأوروبي في القمة الأخيرة التي عُقدت في بروكسل يومى 10 و11 ديسمبر الجاري، توسيع قائمة العقوبات الفردية ضد تركيا على خلفية أعمال التنقيب التي تنفذها في شرق المتوسط، بالتوازي مع التأكيد على أن الاتحاد يتجه إلى تنسيق خطواته وإجراءاته إزاء تركيا والوضع في المتوسط مع الولايات المتحدة الأمريكية. 

كما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 11 ديسمبر الجاري، عقوبات ضد تركيا على خلفية شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي "S-400"، وفق قانون "معاقبة الدول المتعاونة مع خصوم الولايات المتحدة الأمريكية" المعروف بـ"كاتسا".

تحركات متناقضة:

كان لافتاً أن تركيا أبدت حرصاً على عدم التصعيد ضد القرار الأمريكي، على نحو انعكس في تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان التي قال فيها أن "شراء تركيا لأنظمة دفاع روسية لا يتعارض مع الشراكة في حلف الناتو"، وأن "استخدام الولايات المتحدة الأمريكية قانون كاتسا ضد تركيا هو إساءة لشريك هام في الحلف"، موضحاً أن أنقرة ستتحلى بالصبر وترى الاتجاه الذي سيظهر بعد تولي الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها الشهر المقبل، بهدف تقييم السياسة الجديدة بشكل أفضل عقب تسليم السلطة.

في حين جاء الموقف التركي تجاه الإجراءات الأوروبية هجومياً، حيث ذكرت وزارة الخارجية التركية في بيان لها أن "القرار الأوروبي متحيز وغير قانوني"، وطالبت الاتحاد بالتخلي عن موقفه الأخير "من أجل إيجاد حل عادل ودائم لقضية قبرص على أساس الحقائق الخاصة بالجزيرة"، كما تمت الإشارة إلى أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي لا تتبنى تلك المواقف، أى توسيع العقوبات ضد أنقرة.

مواجهة العقوبات:

تشير مواقف تركيا تجاه التصعيد الغربي الأخير ضدها إلى اتجاهها نحو اتباع سياسة خارجية مرنة لتقليص الضغوط المتوقعة من ذلك التصعيد، تتضمن ما يلي:

1- توظيف التباينات: ترى أنقرة أن لديها حلفاء داخل الاتحاد الأوروبي لن يوافقوا على التصعيد ضدها، بما يعني أنها سوف تسعى إلى توظيف ذلك من أجل توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع تلك الضغوط. وتعتبر اتجاهات تركية أن ثمة مؤشرات عديدة في هذا السياق، منها تأكيد رئيس الوزراء الأسباني بيدرو سانشيز، في 10 ديسمبر الجاري، على أن بلاده تدعم الحوار البناء بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، خاصة وأن أنقرة شريك استراتيجي للاتحاد وحلف الناتو، وقبلها دعوة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي للاتحاد الأوروبي (قبل انعقاد القمة) بعدم زيادة حدة التوتر مع تركيا لأنه "لا يصب في مصلحة أوروبا".

2- تهدئة ضرورية: تسعى تركيا إلى التهدئة مع الإدارة الأمريكية الجديدة لعدد من الأسباب، على رأسها إدراكها أن الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، سوف تحاول جاهدة تنسيق المواقف مع تلك الإدارة بهدف ممارسة ضغوط أقوى على أنقرة، وذلك لرأب الصدع الذي شهدته العلاقات الأمريكية- الأوروبية في عهد الرئيس دونالد ترامب، وبالتالي ستحاول الالتقاء في عدة ملفات منها وقف التمدد التركي في شرق المتوسط والشرق الأوسط يشكل عام. 

ومن جهة أخرى، ترى أنقرة أن الرئيس بايدن سوف يحاول تجاوز العقبات التي يمكن أن تفرضها بعض الإجراءات التي تتخذها الإدارة الأمريكية الحالية، على نحو يمكن أن يوفر فرصة لأنقرة للتهدئة معه، وهو ما برز في تصريحات أردوغان بأن "أنقرة ستنتظر لتقييم توجهات الإدارة الجديدة".

3- التوجه شرقاً: تضع أنقرة العديد من مسارات الحركة لديها في حالة تأزم العلاقات مع الدول الغربية، على رأسها الاعتماد على الشريك الصيني، على نحو يبدو جلياً في انطلاق أول قطار شحن بضائع من تركيا إلى الصين في 4 ديسمبر الجاري، والذي يمر عبر جورجيا، ومنها إلى أذربيجان وطريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين وكازاخستان قبل دخول مقاطعة شيان الصينية، وهو ما سيزيد حجم التبادل التجاري بين البلدين. 

وترى أنقرة أن ذلك سيحولها إلى نقطة انطلاق لعبور البضائع الصينية إلى أوروبا، ويشار في هذا الصدد إلى أن خط السكة الحديد الدولي الجديد قد يمثل متغيراً مهماً في تحسين العلاقات التركية- الأوروبية، خاصة وأنه يقع ضمن شبكة طرق مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي ستمثل همزة وصل مهمة بين الشرق والغرب.

4- تعزيز الدور: تُعوِّل تركيا بشكل كبير على موقعها في حلف الناتو، الذي يمكن أن يكون وسيطاً بينها وبين الاتحاد الأوروبي، ويُشار في هذا الصدد إلى دعوة الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ للاتحاد الأوروبي قبل عقد قمته الأخيرة، لانتهاج موقف إيجابي خلال المحادثات المتعلقة بتركيا في القمة، منوهاً بأن تركيا جزء من الحلف، خاصة وأنها تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين.

ختاماً، تسعى تركيا إلى توظيف إمكاناتها وعلاقاتها السياسية مع دول العالم من أجل احتواء أى تصعيد ضدها، أو على أقل تقدير، تقليص التأثيرات الناتجة عن ذلك التصعيد، ويُشار في هذا السياق إلى أن العقوبات التي تم إقرارها مؤخراً ضد أنقرة، والتي تأتي في إطار الرسائل التحذيرية من جانب الدول الأوروبية لعدم التمادي في تحركاتها العدائية، قد لا تدفعها بالضرورة إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية بشكل جذري، ولكنها قد تسهم في عرقلة دورها في بعض الملفات لحين احتواء تلك التحركات أو تهميشها، مما يجعل ملف العلاقات التركية- الغربية من الملفات المعقدة غير القابلة للحسم في المرحلة القادمة.