ظهير هش:

هل تصمد حكومة تونس الجديدة أمام التحديات المتصاعدة؟

11 March 2020


بعد مخاضٍ عسيرٍ استمر قرابة أربعة أشهر، تمكنت تونس أخيرًا من الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة "إلياس الفخفاخ"، وحصولها على ثقة مجلس نواب الشعب. وتأتي تلك الحكومة بعد فترة طويلة من الغياب، حيث تُعد هي الثانية التي تُعرض على البرلمان لنيل الثقة، سبقتها حكومة "الحبيب الجملي" مرشح حركة "النهضة"، والتي لم تتمكن من نيل ثقة البرلمان في العاشر من يناير الماضي، الأمر الذي أعاد العملية برمتها إلى المربع رقم صفر. فوفقًا للدستور، أصبح من حق الرئيس التونسي "قيس سعيد" تكليف الشخصية التي يراها الأقدر على تشكيل الحكومة، بعيدًا عن حزب الأكثرية.

ويُعد "الفخفاخ" الذي أدى اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية خلال موكب رسمي في القصر الرئاسي بقرطاج، يوم 27 فبراير 2020، أعقبه تسلم مهامه على رأس السلطة التنفيذية بحكومة مشكّلة من 32 وزيرًا؛ هو ثامن رئيس وزراء لتونس بعد 2011، ليخلف بذلك "يوسف الشاهد" الذي شغل المنصب منذ أغسطس 2016. ويسعى هذا التحليل لاستعراض التحديات التي تواجه تشكيل الحكومة الجديدة.

سياقات تشكيل الحكومة:

لم يكن الوصول إلى صيغة تشكيل الحكومة الحالية من البساطة بأي حال من الأحوال، حيث جاءت في سياق معقد يمكن الإشارة إليه فيما يلي:

1- إخفاق حكومة "الجملي": جاء اختيار "الفخفاخ" في لحظة حاسمة من تاريخ الدولة التونسية، فقد فشلت حكومة "الحبيب الجملي"، الذي تم ترشيحه من قبل حركة "النهضة" باعتبارها حزب الأكثرية، في الحصول على ثقة البرلمان، وذلك بسبب حالة الاستقطاب ومحاولات السيطرة التي سعت من خلالها الحركة لفرض عناصرها على التشكيل الحكومي، الأمر الذي انتهى بفشل التوافق مع الأحزاب، وإسقاط حكومة "الجملي". ومن ثم انتقلت -وفقًا للدستور- صلاحية اختيار المكلف بتشكيل الحكومة بالتشاور مع الأحزاب إلى الرئيس "قيس سعيد"، الذي طلب من الأحزاب مقترحات مكتوبة بشأن الشخصيات التي يرونها الأقدر على تشكيل الحكومة، مع بيان أسباب ومعايير الاختيار.

وقد شملت الأسماء الأكثر ترشيحًا من قبل الأحزاب، كلًّا من "إلياس الفخفاخ" (وزير المالية في حكومة "علي العريض")، و"الفاضل عبدالكافي" (وزير الاستثمار والتعاون الدولي في حكومة "يوسف الشاهد" الأولى)، و"حكيم بن حمودة" (وزير الاقتصاد والمالية في حكومة "مهدي جمعة")، إلى جانب كلٍّ من "المنجي مرزوق" (وزير الطاقة والمناجم في حكومة "الحبيب الصيد")، و"رضا بن مصباح" (السفير الحالي لتونس ببروكسل).

وانتهت تلك المشاورات بإعلان الرئيس التونسي، في 20 يناير الماضي، تكليف "الفخفاخ" بمهمة تشكيل الحكومة. الأمر الذي أثار حالةً من الجدل بين الأحزاب، ففي الوقت الذي رأى فيه عدد من الأحزاب -على رأسها حزبا: الكتلة الديمقراطية، وتحيا تونس، اللذان اقترحا اسمه- أنه يُعد شخصية ذات خبرة إدارية واقتصادية، وله تاريخ معروف، حيث إن "الفخفاخ" الحاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة من المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، قد مارس العمل السياسي منذ عام 2011، وذلك بعد التحاقه بحزب التكتل الديمقراطي، ثم تولى وزارة السياحة ثم المالية، أعقب ذلك ترشحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الأخيرة في 2019؛ إلا أن آخرين رأوا أنّه ينتمي إلى حزب غير ممثَّل بأي مقعد في البرلمان، وهو حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وأن بعض الشخصيات الأخرى التي اقترحتها الأحزاب كانت ستحظى بدعم أوسع يُمكّنها من الحصول على ثقة البرلمان بسهولة أكبر.

2- أُسس تشكيل الحكومة: ففي حين أعلن "الفخفاخ" بمجرد تكليفه بتشكيل الحكومة، أن حكومته ستفتح المجال لأوسع حزام سياسي ممكن بعيدًا عن أي إقصاء أو محاصصة حزبية، مع الوفاء بتوجه الأغلبية الذي عبّر عنه التونسيون في انتخابات مجلس نواب الشعب؛ فإن المشاورات التي جرت بعد ذلك شملت إقصاء حزب أساسي وهو "قلب تونس" وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان، الأمر الذي استغلته "النهضة" فيما بعد للتلويح بعدم منح الثقة لحكومة "الفخفاخ" بسبب عدم التزامها باحترام تمثيل أحزاب الأكثرية في البرلمان، كما أنه خلق مناخًا لإثارة التأويلات حول أسباب ذلك الاستبعاد، وربطه بالرغبة في اختيار تحالفه السياسي من الأحزاب التي قامت بالتصويت لصالح الرئيس "قيس سعيد"، بل ومحاولة تأليب القواعد الشعبية الداعمة لتلك الأحزاب باعتبار أن استبعادها من التشكيل الحكومي هو إغفال لأصواتهم الانتخابية.

3- تجاوز المأزق الدستوري: يمكن القول إن التوافق الذي حدث جاء مدفوعًا برغبة جميع الأطراف في تفادي المأزق الدستوري، حيث إنه كان مقررًا في حال فشل حكومة "الفخفاخ" في الحصول على ثقة البرلمان، أن يقوم الرئيس التونسي بحل البرلمان، والدعوة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو ما هدد به الرئيس "سعيد" فعليًّا، الأمر الذي دفع إلى تدخل قادة النقابات وقطاع الأعمال التونسيين، حيث نظموا مجموعة من اللقاءات الدبلوماسية المكوكية في محاولة لحث الأحزاب المتنافسة على الوصول إلى حل وسط بما يدعم استقرار الدولة التونسية، ويوفر عليها تكلفة الدخول في انتخابات جديدة.

4- محاولات عرقلة التشكيل: حيث سعت حركة "النهضة" -من خلال عدة إجراءات- نسجَ خيوط تشابكات تستهدف من خلالها عرقلة مسألة تشكيل الحكومة الجديدة. فقبل أيام من طرح حكومة الفخفاخ نفسها على البرلمان للحصول على ثقته، أقدمت حركة "النهضة" على طرح إمكانية سحب الثقة من رئيس حكومة تصريف الأعمال "يوسف الشاهد"، مستغلة في ذلك محاولة تأويل النص الدستوري في الفصل 89، المتعلق بتشكيل الحكومة في ظل عدم وجود محكمة دستورية تكون هي المرجع. إلا أن تلك المحاولة عُدَّت بمثابة مناورة سياسية لسحب الثقة من "الشاهد" واختيار بديل له من جانب الحركة، وذلك في محاولة لوقف توجه الرئيس "سعيد" بحل المجلس، في حال غلق جميع الأبواب أمام "الفخفاخ". إلا أن رد فعل الرئيس التونسي "قيس سعيد" جاء حاسمًا.

وأكد أن "المناورات تحت عباءة الدستور لا يمكن أن تمر"، وأنه سيقف حجر عثرة أمام المؤامرات التي تقودها بعض الأطراف السياسية. حيث إن تلك الخطوة المقترحة من قبل "النهضة" غير دستورية، نتيجة لأن حكومة "الشاهد" كانت حكومة تصريف أعمال، ومن ثم فهي لا تستمد شرعيتها من البرلمان الحالي. كما أنها تُعبّر عن حالة من توازي الإجراءات في ظل المشاورات الختامية لحكومة "الفخفاخ".

وتزامن مع ما سبق إعلان حركة "النهضة" انسحابها من تشكيل حكومة "الفخفاخ"، وهو الأمر الذي كان يعني بوضوح تعثر عمليات تشكيل الفريق الوزاري. حيث جاء ذلك الانسحاب كرد فعل من الحركة على عدم ضم "قلب تونس" إلى الحكومة والخلافات حول بعض المناصب الوزارية، إلا أنه سرعان ما تراجعت الحركة عن هذا التهديد.

5- مناورات حزب "النهضة": ففي الوقت الذي لطالما هددت فيه "النهضة" بعدم التصويت للحكومة الجديدة في حال عدم مشاركة حزب "قلب تونس" فيها، وفي ظل فشل محاولتها لعرقلة تشكيل الحكومة وطرح بديل دستوري آخر؛ فقد رضخت أخيرًا لإملاءات الواقع، وقبلت بحكومة "الفخفاخ" كما هي خالية من الحزب الليبرالي. ومن ثمّ، يُعد دخول "النهضة" لحكومة "الفخفاخ" دون الحصول على شروطها المتمثلة في مشاركة حزب "قلب تونس" والحصول على الوزارات السيادية؛ هو من قبيل إغلاق الطريق أمام فرضية حل البرلمان وما يعنيه ذلك من الحفاظ على مكانة رئيسها "الغنوشي" على رأس البرلمان، مع استمرار البحث عن وسائل أخرى لفرض إرادتها.

تحديات حكومة "الفخفاخ":

تواجه حكومة "الفخفاخ" الجديدة عددًا من التحديات التي يمكن الإشارة إليها فيما يلي:

1- هشاشة الظهير الحزبي: حيث يرى كثيرون أن تلك الحكومة ذات تناقضات حادة لتشكُّلها من أعضاء ينتمون لأحزاب يسارية وليبرالية وإسلامية، بالإضافة إلى المستقلين، ومن ثم فإنهم يمتلكون أيديولوجيات ورؤى مختلفة، كما أن درجة الثقة بينهم ضئيلة، خاصة بين "التيار الديمقراطي" وحركة "الشعب" و"تحيا تونس" من جهة، و"النهضة" من جهة أخرى، وهو ما عبّرت عنه حركة "الشعب" صراحة بتصريحها بأن "الالتقاء مع حركة النهضة في حكومة واحدة لا يعني التحالف السياسي والالتقاء على أرضية فكرية واحدة"؛ الأمر الذي سيجعل من عمل الحكومة الجديدة أمرًا صعبًا وشديد التعقيد، وقد ينعكس بشكل أو بآخر على قدرتها على الإنجاز والوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها. فالأمر سيتوقف على هامش المناورة الذي يمكن لأعضاء تلك الحكومة العمل من خلاله لفرض رؤيتها وتنفيذ البرنامج الذي يتوافق مع الرؤية الحزبية التي ينتمي لها كل عضو.

ويجد المتفحص لتشكيلة الحكومة الجديدة، أنها جلبت أحزابًا من أطياف سياسية مختلفة، مُنحت فيها الحقائب السيادية لشخصيات مستقلة، فيما جرى توزيع بقية الوزارات بين التكنوقراط والأحزاب. وقد جاء توزيع الأحزاب كالتالي: حركة "النهضة" بـ7 وزراء، وحزب التيار الديمقراطي ذو التوجه الاجتماعي بثلاث حقائب، وحركة "الشعب" القومية بحقيبتين، ومثلها لحركة "تحيا تونس". كما سجلت الحكومة أيضًا حضورًا لحزب "البديل" برئاسة رئيس الحكومة الأسبق "مهدي جمعة"، وحركة "نداء تونس". هذا في ظل غياب أحزاب أخرى أساسية من أهمها حزب "قلب تونس". ومن ثمّ، فإن الأضلاع المكونة للحكومة لا تُنبئ بانسجام حكومي وتوافقات قادرة على الاستمرار. فوجود أطياف سياسية مختلفة لا تمتلك رؤية موحدة لمواجهة أزمات البلاد سيصعب من مهمة عمل الحكومة الجديدة، وقد يؤدي في ظل ضغوط المعارضة إلى انهيار التشكيل الحكومي سريعًا.

كما إن انتماء "الفخفاخ" لحزب التكتل الديمقراطي الذي لا يمتلك أي مقعد في البرلمان، ثم إعلانه في وقت لاحق عن استقالته من كافة المسئوليات الحزبية بالحزب؛ يترك رئيس الوزراء الجديد في حالة من غياب الدعم الحزبي اللازم داخل البرلمان، الأمر الذي من المتوقع أن تنعكس آثاره على مسار الحكومة الجديدة. وإذا أضفنا إلى ذلك المشهد الذي استمر قرابة 15 ساعة داخل البرلمان خلال جلسة منح الثقة، وما تخللتها من مداخلات للنواب من مختلف الكتل النيابية لطرح آرائهم حول الحكومة وبرنامجها، لاكتشفنا على الفور مدى المعاناة التي ستواجهها الحكومة الجديدة، والمسار المتوقع للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

2- التحالفات الحزبية المضادة: على الرغم من موافقة حزب "النهضة" على الانضمام لحكومة "الفخفاخ"؛ إلا أنها موافقة مؤقتة، وجاءت استجابة للحظة الراهنة التي استدعت تجاوز الأمر تجنبًا لحل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة. غير أنه من المتوقع أن تضغط "النهضة" على الحكومة الجديدة، مستغلة في ذلك سيطرتها على عدد لا بأس به من المقاعد في البرلمان. وإذا أضفنا إلى ذلك أن حزب "قلب تونس"، وهو ثاني أكبر حزب في المجلس، قد تم تغييبه عن التشكيل الحالي للحكومة، فإن ذلك سيدفعه إلى تزعم قوى المعارضة، والبحث عن خارطة تحالفات جديدة قد تضم كلًّا من: الحزب الدستوري الحر (17 مقعدًا)، وكتلة الإصلاح (15 مقعدًا)، الأمر الذي ستنعكس آثاره بشكل كبير على قدرة الحكومة الجديدة على تمرير خططها. 

3- التحدي الاقتصادي- الاجتماعي: أعلن "الفخفاخ" أن الحكومة الجديدة تضع في مقدمة أولوياتها التصدي للجريمة، والإرهاب، ومكافحة ارتفاع الأسعار، والفقر، والفساد، وإنعاش الاقتصاد. وقد عبر عن ذلك من خلال طرح سبع أولويات اقتصادية واجتماعية رئيسية لتتصدر خطة عمل حكومته، حيث تهدف تلك الأولويات بشكل أساسي إلى معالجة أوجه القصور التي تعتري القطاعات الاقتصادية في ظل عظم التحديات التي يواجهها الاقتصاد بعد سنوات من تدني معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة، والعجز الحكومي، وتراكم الديون المتزايدة، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور الخدمات العامة.

 وستعمد الحكومة إلى التعامل مع ملف الاحتكار الاقتصادي. أما الأولوية الثانية، فتشمل تقديم الدعم العاجل للمؤسسات التي تشكل ركيزة الاقتصاد التونسي، والوقوف إلى جانب المستثمرين والمصدرين من خلال تشجيعهم ودعمهم، بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات والتعقيدات الإدارية. تليها ضرورة صياغة استجابة حكومية لمواجهة الفساد، ومعالجة جميع أنواع العبث بالأموال العامة. أما الأولوية الرابعة، فتشمل عمل الحكومة على اكتساب الثقة الدولية للعمل على تعبئة الموارد المالية.

ويرتبط بالأولوية السابقة أهمية الحاجة إلى الحفاظ على قيمة العملة الوطنية، وخفض معدل التضخم لتجنب الحلول النقدية التي تضر بالنمو الاقتصادي. وتباعًا تأتي الأولوية السادسة التي تركز على التعامل مع ملف الثروات التعدينية والفوسفات. وأخيرًا، تأتي أهمية إيجاد حلول للملفات المعلقة، التي تسببت في معاناة كبيرة للعديد من الفئات الاجتماعية. ومن ثم، فإن الحكومة تواجه تحديًا كبيرًا مدفوعًا بالزخم بل وتصارع أولويات العمل المطروحة.

4- حكومة إنقاذ عاجلة: حيث يحتاج الاقتصاد التونسي إلى حكومة إنقاذ عاجلة في ظل بطء الحركة العامة للاقتصاد التونسي. وفي حين حسّنت وكالة التصنيف الدولية "موديز" من تصنيف تونس السيادي من "سلبي" إلى "مستقر" مع الإبقاء عليه في مستوى "B2"، إلا أنها أوضحت أنّه رغم نجاح السياسات في مجال دعم الميزانية واستقرار الأسعار، فإنّ الهشاشة الخارجية لا تزال مهمة، وذلك نتيجة لتراكم الديون. كما أن معدلات النّمو لا تزال غير كافية لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب المخاطر الاجتماعية والبيئية التي تواجهها تونس.

5- تأمين الموارد المالية: ستحتاج الحكومة الجديدة أيضًا إلى تأمين تمويل خارجي جديد بقيمة 3 مليارات دولار بعد انتهاء برنامج قروض صندوق النقد الدولي الذي انطلق في 2016، مع عدم وجود دعم جديد متفق عليه بعد أبريل 2020. الأمر الذي يجعل أمام الحكومة الجديدة طريقًا صعبًا لخوض طريق المفاوضات مرة أخرى واستئناف الحوار مع المانحين الدوليين، وأولهم صندوق النقد الدولي ذاته في سبيل الحصول على دعم مالي يُمكّنها من الاستجابة للاحتياجات المجتمعية، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المتوقعة. هذا إلى جانب إعداد خطة للتواجد في الأسواق العالمية.

6- ارتفاع سقف التوقعات: حيث إن طول الفترة الانتقالية التي استغرقتها عملية تشكيل الحكومة الجديدة، قد أدى إلى تراكم توقعات الشارع التونسي، سواء من الرئيس أو الحكومة الجديدة، بأن يسهم كل منهما في معالجة العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلاد. وهو الأمر الذي ينبغي أن تهتم له القوى السياسية، حيث إن المراهنة على الصبر الشعبي قد لا يكون في محله.

ختامًا، يُمكن القول إن تعثر طريق تشكل الحكومات التونسية في أعقاب انتخابات أكتوبر 2019، ما هو إلا انعكاس لعمق الأزمة السياسية التي تواجهها تونس في ظل ما أسفرت عنه الانتخابات من مجلس يضم مجموعة من الأحزاب المنقسمة على ذاتها، وغياب حزب أو توجه سياسي بعينه يملك الأكثرية التي تمكّنه من إدارة دفة الأمور. وأخيرًا، فإن حصول حكومة "الفخفاخ" على ثقة البرلمان في ظل سياق مشحون، يضعها على مقدمة طريق مليء بالتحديات، سواء تلك الداخلية المتعلقة بمدى قدرة الحكومة -ذات التركيبة المتناقضة- على الاتفاق على توجه حكومي واضح الملامح، خاصة فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، أو على مستوى التحديات الخارجية المتمثلة في حجم المعارضة التي من المتوقع أن تواجهها من جانب الأحزاب الأخرى وضغوط الشارع التونسي، وهو ما يدفع بارتفاع احتمالية تفكك تلك الحكومة، أو على أقل تقدير عدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين.