اضطراب جيوسياسي:

المخاطر الخمسة الأكثر تهديدا للاقتصاد العالمي في 2020

20 January 2020


عرض: شيماء ميدان

صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي النسخة الـ15 من تقرير المخاطر العالمية، وقد شارك في إعداده شركة "مارش آند ماكلينان"، ومجموعة "زيروخ للتأمين"، وأكاديميون من كلٍّ من جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة أكسفورد ومركز "وارتون لعمليات إدارة المخاطر واتخاذ القرارات". ويعد التقرير جزءًا من مبادرة المخاطر العالمية التي تجمع الأطراف المعنية لإيجاد حلول مستدامة للتحديات التي يواجهها العالم.

بدايةً، عرّف التقرير مصطلح "مخاطر عالمية" بأنه "ظرف أو أزمة متوقع حدوثها وستؤثر سلبًا، في حال حدوثها، على العديد من البلدان والصناعات على مدى السنوات العشر القادمة". واستعرض التقرير نتائج مسح أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي في الفترة من 5 سبتمبر إلى 22 أكتوبر 2019، حول مجموعة القضايا التي تُنذر بمستقبل كارثي. وتتمثل تلك القضايا في: (١) ضعف الاستقرار الاقتصادي والترابط الاجتماعي، (٢) التغيّر المناخي، (٣) فقدان التنوع البيولوجي، (٤) عدم تكافؤ فرص الولوج إلى الإنترنت، (٥) الضغوط الجديدة التي تواجهها أنظمة الرعاية الصحية. 

وقد طُلب من المشاركين في الدراسة تقييم احتمال حدوث أحد تلك المخاطر العالمية على مدار السنوات العشر القادمة، وحدّة أثر تلك المخاطر على الصعيد العالمي في حال حدوثها.

معضلة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي 

يشير التقرير إلى أنه خلال معظم فترة ما بعد الحرب الباردة، كانت كافة المجتمعات، باستثناء قلة منها، تتطلع إلى تحقيق التنمية المستدامة في إطار قواعد وضعتها مؤسسات متعددة الأطراف. وعليه سعت تلك المؤسسات التعاونية على مدى السنوات العشرين المنصرمة لمجابهة التحديات الجيوسياسية، بدايةً من النزاعات الحدودية وحتى الهجمات الإرهابية، ولتعزيز الاقتصاد العالمي. لكن الديناميات الجديدة دفعت دول العالم إلى إعادة تقييم مدى توافق نهجها مع الجغرافيا السياسية، وجعلت القوى الصاعدة تسعى لفرض هيمنتها على دول العالم الصغرى. 

ومع تكشُّف تلك الاتجاهات، تغيّرت الأفكار أيضًا؛ فتحول العمل الجماعي إلى فردي، وتحوّل التعاون إلى منافسة. وشكّلت القوى الاقتصادية والديموغرافية والتكنولوجية البارزة ميزانًا جديدًا للقوة، ما خلق بيئة جيوسياسية غير مستقرة، تنظر فيها الدول إلى الفرص والتحديات من منظور أحادي الجانب، وساء فيها تقدير التحديات القائمة.

وقد خلق هذا الاضطراب الجيوسياسي حالة من التخبط بشأن من هم الحلفاء، ومن هم الفائزون والخاسرون في نهاية المطاف، بل جعل بعض الدول ترى المؤسسات متعددة الأطراف كعقبة وليست أداة لتعزيز مصالحها. وهنا أشار التقرير إلى أنه ما لم تتكيف الأطراف المعنية مع التحول التاريخي في موازين القوة في عصرنا الحالي ومع الاضطرابات الجيوسياسية، فستتلاشى فرص مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية الأكثر إلحاحًا. ما يعني أنه على قادة العالم العمل مع كافة قطاعات المجتمع لإصلاح أنظمة التعاون وتفعيلها، ليس لغرض تحقيق استفادة قصيرة الأمد، بل لمجابهة كافة أشكال التحديات التي قد تقوّض الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في العالم.

ومع زيادة النزعة القومية للسياسات، ما عادت الدول تسعى لخفض الحواجز أمام المبادلات التجارية والاستثمارات العالمية القوية، التي تعتبر من أهم ركائز النمو الاقتصادي. وفي أوقات الأزمات الاقتصادية، تنامى استياء المواطنين من الأنظمة التي فشلت في تعزيز التنمية والتطور، وأثارت الطرق العقيمة التي انتهجتها الحكومات لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية احتجاجات عنيفة في كافة أنحاء العالم. وفي ظل غياب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، عجزت الحكومات بالطبع عن اتخاذ إجراءات حاسمة في أوقات الانكماش الاقتصادي، وعن تأمين رأس المال السياسي، وعن تقديم الدعم الاجتماعي اللازم لمواجهة المخاطر العالمية الرئيسية. ولعل ما ولّد حالة من الريبة بشأن مدى نجاح السياسات المستخدمة راهنًا لمواجهة الركود الاقتصادي هو أن هوامش الحوافز المالية باتت أقلّ مما كانت عليه قبل الأزمة المالية العالمية خلال عام 2008، والأمور قد تزداد سوءًا يومًا بعد يوم بسبب التغير المناخي.

وبحسب التقرير، تحولت التجارة بين الدول من كونها أداة لتعزيز النمو إلى أداة للتنافس. وبحسب منظمة التجارة العالمية، تباطأ نمو تجارة البضائع إلى 1.2% في عام 2019، في حين كانت 3.0% في عام 2018. وسبق أن حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن التصعيد في النزاعات التجارية سيقوّض الثقة والاستثمارات والنمو في كافة أنحاء العالم.

وحينما طُلب من 800 خبير وصانع قرار على مستوى العالم وضع ترتيب لأكثر التهديدات التي تشغل فكرهم من حيث احتمال حدوثها على المدى القريب، توقّع 78% منهم تصاعد الاستقطاب السياسي وتردّي الوضع الاقتصادي العالمي في عام 2020. وإذا حدث وتحقق ذلك، فستعجز الدول لا محالة عن مجابهة تحديات خطيرة بما فيها أزمة تغير المناخ. 

أزمة تغير المناخ

أضحى التغير المناخي -بحسب التقرير- أقوى وأسرع مما توقع الكثيرون؛ إذ سجّلت السنوات الخمس المنصرمة أعلى درجات حرارة على الإطلاق، واستشرت إثر ذلك حرائق الغابات، وتسارع ذوبان الجليد في القطب الشمالي بدرجة فاقت التوقعات، ناهيك عن أنه ثمة توقعات بارتفاع الحرارة ثلاث درجات على الأقل بحلول نهاية القرن الحالي، وهو ضعف ما حذّر منه خبراء الطقس بوصفه الحد الأقصى لتلافي أشد العواقب البيئية والاقتصادية والاجتماعية. وبحسب التقرير، من المتوقع أن تغمر المياه المناطق الجغرافية المنخفضة بحلول عام 2050 بسبب سرعة ذوبان الجليد.

 علاوة على ذلك، تزايدت الكوارث الطبيعية الخطيرة تزايدًا ملحوظًا، وشهد العالم ظواهر مناخية غير عادية في العام المنصرم، ما ينذر بحالة طوارئ ستسود العالم وستخلف اضطرابات اجتماعية وجيوسياسية واقتصادية. 

ويُذكر أن أكثر من 20 مليون شخص نزحوا من بلدانهم ما بين عامي 2008 و2016 بسبب الفيضانات والعواصف ودرجات الحرارة المرتفعة وحرائق الغابات. ففي مارس 2019، شرّد إعصار إيداي 150 ألف شخص تقريبًا.

وفي أواخر عام 2019، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريس" من التأثيرات المدمرة للاحتباس الحراري، وقال: "باتت نقطة اللا عودة أمامنا وتتجه بسرعة نحونا". وقد سبق أن حذّرت الأمم المتحدة من أن البلدان انحرفت عن مسارها فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس بشأن تغير المناخ.

وفيما يتعلق بالآثار الاقتصادية للتغير المناخي، أوضح التقرير أن الكوارث الطبيعية التي شهدها عام 2018 خلّفت خسائر بـ165 مليار دولار، ووفقًا لتوقعات الوكالات الفيدرالية، قد تبلغ نسبة الضرر الاقتصادي المرتبط بالمناخ في الولايات المتحدة وحدها 10% من إجمالي الناتج المحلي بحلول نهاية القرن. وتنبأت أكثر من 200 شركة كبرى في العالم بأن يكبّدهم تغير المناخ ما يقرب من تريليون دولار ما لم يتم التدخل سريعًا لاحتواء الأمر. ويتوقع أن يشكل ارتفاع درجات الحرارة وكثافة الأمطار ضغطًا كبيرًا على الاقتصادات التي تعتمد على الإنتاج الزراعي، وأن يؤثرا سلبًا على حجم الأيدي العاملة.

ويرى أغلب من شملتهم الدراسة أن الفشل في احتواء التغير المناخي والتكيف معه يعد الخطر الأول من حيث التأثير والثاني من حيث احتمالية الحدوث على مدى السنوات العشر المقبلة. لذا حض التقرير دول العالم على الالتزام بأهداف اتفاق باريس المعني بتغير المناخ، والسعي لخفض انبعاثات الكربون إلى صفر، والاستثمار في الطاقة النظيفة. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يمكن أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 1% سنويًا حتى عام 2050 إذا جرى استخدام مصادر الطاقة المتجددة بدلًا من المصادر الأخرى التي تضر البيئة.

فقدان التنوع البيولوجي

يُعد معدّل فقدان التنوع البيولوجي ثاني المخاطر تأثيرًا والثالث من ناحية احتمالية الحدوث خلال العقد المقبل، ولا سيما مع التوسع العمراني والصناعي، واقتلاع الأشجار، وصيد الأسماك، وإلقاء النفايات السامة في البحر. ورغم أن سكان العالم يمثلون 0.01% فقط من إجمالي الكائنات الحية على كوكب الأرض، تسبب البشر في فقدان 83% من الثدييات البرية ونصف النباتات. ووفقًا لبعض التقديرات، يحدث ما بين 200 و2000 انقراض كل عام على أقل تقدير، فيما يحدث ما بين 10 آلاف و100 ألف انقراض كل عام على أقصى تقدير. فالطريقة التي نزرع بها، وننتج بها الطاقة، ونتخلص بها من النفايات؛ تدمر التوازن الطبيعي للهواء والماء ولحياة الكائنات الحية التي تعتمد عليهما من أجل البقاء.

وقد أثّر النمو السكاني وأشكال التحضر أيضًا على التنوع البيولوجي؛ فتزايد السكان يستدعي استصلاح المزيد من الأراضي لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء. وللأسف يستخدم الإنسان الأسمدة والمبيدات الحشرية عند الزراعة، ما يؤدي بدوره إلى أن تهديد البيئة والكائنات والنباتات إلى حد خطير. ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الغذاء بحلول عام 2050، وتلبية هذا الطلب ستتطلب استصلاح مليار هكتار إضافية، ما من شأنه أن يقوّض التنوع البيولوجي.

وفيما يتعلق بالحشرات، أفادت دراسة حديثة بأن عدد الحشرات قلّ بنسبة 40% في العقود الأخيرة، وأن ثلثها معرّض للخطر، وأرجعت السبب في ذلك إلى انتشار استخدام المبيدات في الزراعة. وتعتبر الحشرات أكبر ملقّحات في العالم؛ فـ75% من المحاصيل الغذائية عالية القيمة الغذائية، بما فيها الفواكه والمكسرات والكاكاو والقهوة، تعتمد في زراعتها على التلقيح بواسطة الحشرات. ومع تضاؤل عدد الحشرت، سيضطر المزارعون إما إلى البحث عن وسائل بديلة للتلقيح، أو إلى زراعة المحاصيل الأساسية التي لا تعتمد على التلقيحات، مثل الأرز والذرة والبطاطا والقمح، وفي تلك الحالة سترتفع معدلات السمنة بين البشر بسبب ارتفاع السعرات الحرارية في هذا النوع من المحاصيل.

وبحسب التقرير، ستحدث خسائر في الأرواح بين البشر أيضًا، ولكن بدرجات متفاوتة؛ فالنساء والأطفال وكبار السن يكونون أكثر عرضة للموت خلال الكوارث الطبيعية عن الشباب من الرجال. 

تحديات الولوج إلى الإنترنت

رغم الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للتكنولوجيا الرقمية، تشكّل قضايا (مثل: عدم تكافؤ فرص الولوج إلى الإنترنت، والافتقار إلى إطار عالمي لإدارة التكنولوجيا، وانعدام الأمن السيبراني) مخاطر جمّة. وبحسب التقرير، يتمتع ما يزيد عن 50٪ من سكان العالم بشبكة الإنترنت، ويتصفح حوالي مليون شخص تقريبًا الشبكة العنكبوتية لأول مرة كل يوم، ويمتلك نحو ثلثي سكان العالم هواتف محمولة. وتهدد تجزئة الفضاء الإلكتروني بحرمان الجيل القادم من الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا الرقمية، وبانخفاض الإنتاجية، وزيادة تكاليف المعاملات التجارية، وتقوّض الاستثمارات.

وبقدر ما يسّرت شبكة الإنترنت حياة الإنسان، فإنها هددت خصوصيته بسبب تصاعد الهجمات السيبرانية وسرقة البيانات، بل كانت سببًا في حدوث انقسامات داخل المجتمعات. وصُنّفت الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية ضمن أعلى مخاطر 2020، وتوقع 76% من المشاركين في الدراسة تنامي هجمات الفضاء الإلكتروني في الفترة المقبلة.

ولن يكون الإغلاق التام لشبكة الإنترنت هو الحل الأمثل لحماية الخصوصية والأمن القومي، فمن شأن ذلك أن يُفضي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.9% يوميًّا في البلدان ذات الاتصال القوي بالإنترنت، و0.4% في البلدان ذات الاتصال الضعيف به، وفقًا للتقرير. وكما قالت رئيسة صندوق النقد الدولي "كريستين لاجارد"، يمكن أن يوفر تطوير الفضاء السيبراني منفعة اجتماعية، ولكن هذا يتطلب "أن نكون مستعدين لمواجهة أية أنشطة إجرامية وأية تهديدات للخصوصية وللمال العام، وأن نوجّه التكنولوجيا لخدمة الصالح العام".

أنظمة الرعاية الصحية

تشكل أنظمة الرعاية الصحية جزءًا من البنية التحتية للبلدان، فمن مهامها الحفاظ على النمو السكاني، ودعم الصحة الإنجابية، وتوفير الرعاية الطبية والعقاقير المضادة للفيروسات، ومساعدة البلدان على مواجهة الأوبئة والحد من انتشارها. وعندما تفشل تلك الأنظمة في التقليل من مواطن الضعف والتكيف مع السياقات المتغيرة، ترتفع احتمالات حدوث أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية.

وبحسب التقرير، من المزمع أن تصبح الأنظمة الصحية العالمية غير صالحة في المستقبل بسبب ضعف الموارد المالية، وظهور أوبئة جديدة مقاومة للعقاقير، وضعف فعالية المضادات الحيوية الموجودة راهنًا، وارتفاع أسعار العقاقير. ناهيك عن أن الأنظمة الصحية ما زالت غير مؤهلة لمواجهة تفشي أمراض معدية مثل السارس وزيكا، وما زالت بحاجة إلى بنية تحتية جديدة وكفاءات. ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يمكن أن تؤدي مقاومة مضادات الميكروبات إلى وفاة 10 ملايين شخص بحلول عام 2050، وقد تصل حالات الوفيات بين متوسطي ومنخفضي الدخل إلى 52 مليونًا بحلول 2030.

ومع تحوّل الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض العقلية إلى سبب رئيسي للوفاة، ازدادت التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لمعالجة الأمراض المزمنة، ما وضع أنظمة الرعاية الصحية في العديد من البلدان تحت ضغط كبير.

وترى منظمة الصحة العالمية أن تغير المناخ يشكل أكبر تهديد للصحة العالمية في القرن الحادي والعشرين، لأنه يؤثر على نوعية الهواء الذي يتنفسه الإنسان، والماء الذي يشربه، وعلى الطعام الذي يأكله. كما أن الأحوال الجوية القاسية تعرّض السكان حول العالم لمخاطر انعدام الأمن الغذائي والمائي. وبحلول عام 2080، قد يُفضي الاحتباس الحراري إلى إصابة مليار شخص بأمراض ينقلها البعوض.

وتتمثل أعلى خمسة مخاطر من حيث احتمالية الحدوث على مدار السنوات العشر المقبلة، حسبما توقع المشاركون في المسح التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي في: الطقس السيئ، والفشل في التخفيف من حدة آثار التغير المناخي والتكيف معه، وكوارث طبيعية، وفقدان التنوع التكنولوجي، وكوارث بيئية من صنع الإنسان.

أما أعلى خمسة مخاطر من حيث شدة الأثر على مدى السنوات العشر المقبلة، فتتمثل في: الفشل في التخفيف من حدة آثار التغير المناخي والتكيف معه، وأسلحة الدمار الشامل، وفقدان التنوع البيولوجي، والطقس السيئ، وأزمات المياه.

وفي الختام، حض التقرير دول العالم على التدخل سريعًا لإنقاذ النظام العالمي، واستغلال الفرص السانحة لمواجهة التحديات المُلحّة، واحتواء الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية والبيئية والصحية والتكنولوجية قبل تفاقمها.

المصدر: 

The Global Risks Report 2020, World Economic Forum, 15 January 2020.