مضيق هرمز و«الوجود الدولي»

29 July 2019


لا تريد إيران أن تفقد التمايز الأوروبي عن الموقف الأميركي، لكنها تسعى إلى التلاعب به، فلا تراقب سلوكها تجاه الأوروبيين بل تدفعهم شيئاً فشيئاً نحو واشنطن. من جهة تعبث بمصير الاتفاق النووي حين تخفّض التزاماتها ردّاً على العقوبات الأميركية، ومن جهة أخرى تريد فرض قرصنتها للسفن والناقلات ونزع الصفة الدولية عن مضيق هرمز كممر بحري أن يبقى آمناً ولا يعرقل تدفق النفط ومسار التجارة. هذه سياسة لا يمكن أن يتعايش معها الأوروبيون، سواء اقتربوا من السياسة الأميركية أو ظلّوا يتجنّبونها. وعندما ردّت لندن على احتجاز «الحرس الثوري» لناقلة بريطانية بالدعوة إلى تشكيل قوة أمنية بحرية، فإنها حرصت على أن تكون «بقيادة أوروبية»، لكن هذا كان عشية التغيير الحكومي الذي جاء برئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون، والأخير قد يأخذ بهذا الاقتراح موقتاً، نظراً إلى أن الرأي العام يراقب تقاربه مع الرئيس الأميركي ويخشى تكرار تجربة توني بلير مع جورج بوش الابن وما كان من غزوٍ واحتلال للعراق.

من المتوقّع أن تنجح الوساطات ولو بصعوبة في ترتيب مقايضة الإفراج عن الناقلة الإيرانية «غريس 1» والناقلة السويدية «ستينا امبيرو» التي ترفع علماً بريطانياً. فالوضع القانوني للثانية غير معقّد لأن الحجج الإيرانية لاحتجازها واهية خصوصاً عندما تنفي بشدة أنها لم تفعل ذلك ثأراً لاحتجاز الأولى في ميناء جبل طارق البريطاني. وإذ سبق لوزيري الخارجية البريطاني والإيراني أن ناقشا حلّاً لـ«غريس 1»، فإن طهران أخفقت في تحديد الوجهة التالية لها، ولذلك أمر المرشد «الحرس» بالمضي في خطة الثأر أو الردّ بالمثل. لكن لندن لا تزال متمسّكة بمنع النفط الإيراني من الوصول إلى سوريا، تفعيلاً لعقوبات أوروبية وكذلك أميركية على النظام السوري، وفي ظنّها أنها بذلك تفصل الواقعة عن الأزمة الأميركية - الإيرانية. ليس أمام طهران سوى أن تتنازل لتستعيد ناقلتها وربما تتغاضى واشنطن عن بيع حمولتها النفطية باستثناء خاص. في أي حال، قد لا تتشدّد إيران في شروط المقايضة بغية استخدامها في مسار تمييع الموقف الأوروبي، تحديداً في مساعي إنشاء تحالف بحري لتأمين الملاحة في مضيق هرمز. 

يُستدل من الاتصالات الأميركية والأوروبية أن هناك تقاطعاً في توصيف المهمة المطلوبة وتباعداً في تحديد وسائلها، كذلك التعريف بهدفها، أهو «حماية» و«ردع» كما يفكّر الأميركيون، أم «متابعة ومراقبة للأمن البحري في الخليج» كما حدّدها وزير الخارجية الفرنسي الذي زاد أن «هذه المهمة ليست عسكرية». وإذا كان رئيس هيئة الأركان الأميركية «جوزف دانفورد» تحدّث عن تكامل المهمّتين في «تبادل المعلومات الاستخبارية وتعزيز نظام المراقبة»، إلا أن فرنسا وألمانيا لا تبدوان متحمّستين لإشارته إلى «سفن مرافقة» لا بد أن تكون حربية، أو لتأكيده أهمية «وجود دولي لضمان قوة ردع» ضد أي هجمات إيرانية، فيما تؤيّد بريطانيا مثل هذا الوجود الدولي. ورغم إدراك باريس وبرلين أن إجراءات «الحرس» الإيراني عسكرية بحتة، إلّا أنهما تتخوّفان من أن تشكّل أي إجراءات ذات طابع عسكري «استفزازاً» لإيران، ولا تملكان بدائل عملية لتأمين الملاحة وحمايتها. فـ «الوساطة» الفرنسية لخفض التصعيد وإيجاد مناخ ملائم للتفاوض لم تحقق أي تقدّم أميركياً ولا حصلت على قوة دفع إيرانية، وإنْ كانت طهران توحي بأنها مهتمّة بها.

كان مفهوماً أن المواقف الأخيرة للرئيس حسن روحاني تواكب الاتصالات الجارية مع أميركا في شأن التفاوض الذي لا تريد طهران أن يبدو «استسلاماً»، ما يعني أن الشروط الأميركية لم تتحرّك، وأن دخول السيناتور «راند بول» على الخطّ لم يؤثّر بعد في تليينها. أما حسين دهقان، مستشار المرشد، فخصّص تصريحاته للتصويب على «التحالف البحري»، لافتاً إلى أن أي تغيير للوضع في المضيق سيؤدّي إلى «مواجهة خطيرة». والواضح في هذه المواقف أن طهران مقتنعة بأن واشنطن، حتى لو تقدّمت الاتصالات من أجل التفاوض، لن تتخلّى عن منظومة الضغط عليها من خلال «التحالف البحري الدولي» الذي تواصل العمل على بنائه ولو استغرق وقتاً. لا شك أن الصعوبات التي تواجهها واشنطن في حشد هذا التحالف دفعتها إلى خفض وظائفه، لكن أي صيغة لـ «وجود دولي» في مياه الخليج ستغيّر الواقع الحالي في مضيق هرمز.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد