بؤرة مشتعلة:

لماذا يحاول تنظيم "داعش" السيطرة على مخيم الهول؟

23 April 2019


لا يبدو أن التهديدات التي يفرضها نشاط تنظيم "داعش" في سوريا تتراجع، حتى بعد خروجه من آخر الجيوب التي كان يتواجد فيها وتمسك بها لفترة في الباغوز. إذ بدأت اتجاهات عديدة في إطلاق تحذيرات من احتمال تحول مخيم "الهول"، الذي يقع في محافظة الحسكة السورية ويضم أعدادًا كبيرة من نساء وأطفال التنظيم إلى جانب اللاجئين الذين خرجوا من الباغوز، إلى إحدى البؤر التي يحاول السيطرة عليها فكريًا وتنظيميًا، على نحو قد يفرض معضلة أمام الدول التي ينتمي إليها عناصر التنظيم وعائلاتهم واللاجئون، وتحديدًا من غير السوريين والعراقيين. 

وتكشف تقارير عديدة عن أن التنظيم بات يستغل تواجد بعض كوادره داخل المخيم من أجل تجميع عناصره والتنسيق فيما بينهم من جديد، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول العوامل التي ساعدت التنظيم على التمدد داخل المخيم وتعزيز قدرته في السيطرة عليه بدرجة كبيرة.

أسباب متعددة:

يمكن القول إن هناك مجموعة من المتغيرات التي ساعدت تنظيم "داعش" في تعزيز نشاطه داخل مخيم الهول، يتمثل أبرزها في:

1- تأثير التوجهات المتطرفة: وفقًا لتقديرات عديدة، يضم مخيم الهول، الذي يفترض أنه يستوعب نحو 11 ألف شخص فقط، ما لا يقل عن 72 ألف شخص، بما فيهم بعض نساء وأطفال الإرهابيين التابعين لتنظيم "داعش". وقد كشفت اللقاءات التليفزيونية المتعددة التي أجرتها العديد من وسائل الإعلام مع بعضهن داخل المخيم عن مدى تمسكهن بالأفكار والتوجهات التي يروج لها التنظيم، حيث يعتبرن أن التنظيم قادر على العودة من جديد رغم الهزائم العسكرية التي تعرض لها، وأن مرحلة التراجع التي يمر بها حاليًا مؤقتة إلى حين استعادة القدرة على توسيع نطاق نشاطه مرة أخرى سواء في المناطق التي سبق أن سيطر عليها أو في المناطق الأخرى التي انتقل إليها بعد ذلك. 

وقد بدأت بعض نساء التنظيم في محاولة الترويج لأفكاره داخل المخيم والتأثير على العناصر الأخرى غير "الداعشية" الموجودة فيه. وهنا، فإن الجهود التي تبذل من أجل محاربة أفكار التنظيم يمكن أن تواجه عقبات جديدة في حالة ما إذا لم يتم وقف الأنشطة التي تقوم بها عناصر "داعش" داخل المخيم.

واللافت في هذا السياق، هو أن بعضهن استخدمن آليات تتراوح بين الترغيب والترهيب، وذلك عبر الإيحاء بأن الأوضاع المأساوية التي وصلن إليها كانت نتيجة العمليات العسكرية المتعددة التي شنتها القوى الدولية المعنية بالحرب ضد تنظيم "داعش" وأدت إلى هزيمته في النهاية، والتحذير في الوقت نفسه من عواقب عدم الالتزام بتوجهات التنظيم أو الخروج عليها، لدرجة دفعت تقارير عديدة للإشارة إلى وجود ما يشبه "مافيا داعشية" داخل المخيم.

2- تراجع الخدمات: على غرار ما كان يقوم به التنظيم في المناطق التي سبق أن ظهر فيها وسيطر عليها، مثل الموصل ودير الزور والرقة، فإن عناصره تحاول استغلال تردي الأوضاع المعيشية داخل المخيم وتراجع الخدمات التي تقدم فيها من أجل تعزيز قدرتها على استقطاب مزيد من العناصر لتأييد أفكاره والاستعداد لمرحلة جديدة من التحرك على الأرض.

وقد بدأت منظمات دولية في التحذير من هذا النشاط، على غرار اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي قال رئيس بعثتها في سوريا فيليب شبوري، في 3 مارس 2019، أن "تدفق سيل من الوافدين الجدد إلى مخيم الهول أدى إلى تحميله فوق طاقته"، في إشارة إلى أن ضم مزيد من العناصر إلى المخيم يضعف من القدرة على تقديم الخدمات المختلفة وقد يؤدي ذلك إلى حدوث انهيار كامل وانتشار الفوضى داخل المخيم. 

وقد كشفت تقارير عديدة عن انتشار أمراض مثل الملاريا والحصبة والفشل الكلوي والجفاف لدى الأطفال. وفي هذا السياق أيضًا، حذر فيكتور كوبشيشين رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، في 9 إبريل 2019، من أن المخيم يواجه وضعًا كارثيًا انعكس في وفاة 235 طفلاً، وهو عدد مرشح للزيادة في ضوء العقبات التي تحول دون تقديم هذه الخدمات بشكل أكثر فاعلية.

3- استغلال اللاجئين: حاول بعض عناصر "داعش" الاندساس وسط صفوف اللاجئين داخل المخيم، مستغلين في هذا السياق عدم وجود قاعدة معلومات دقيقة تدل على هوياتهم، لا سيما بعد تعمد إتلاف الوثائق في الفترة التي اندلعت فيها المواجهات العسكرية بين التنظيم والأطراف المعنية بالحرب ضده، وهو ما قد يساعد "داعش" في تأسيس "خلايا نائمة" داخل المخيم، يمكن الاعتماد عليها في السيطرة تنظيميًا وفكريًا عليه.

4- صعوبة العزل: تضع الأعداد الكبيرة من اللاجئين والإرهابيين الموجودين في المخيم عقبات عديدة تحول دون تفعيل سياسات "العزل الفكري" بين العناصر التي ما زالت تتمسك بانتمائها للتنظيم وتلك التي تحاول الانشقاق عنه، وهو ما يساعد التنظيم على مواصلة نشاطه من أجل الحفاظ على تماسكه التنظيمي وتوجهاته الفكرية واستقطاب عناصر جديدة داخل المخيم.

5- تجنيد الأطفال: قد يحاول التنظيم استغلال عدم وضوح مواقف النساء الأجنبيات وأطفالهن المتواجدين في المخيم، لا سيما في ظل الغموض الذي ما زالت تتسم به السياسات التي تتبناها الدول الغربية في التعامل مع هذا الملف تحديدًا حتى الآن، حيث أن ذلك يوفر فرصة للتنظيم من أجل تجنيد بعض هؤلاء الأطفال وضمهم إليه بعد ذلك.

ومن هنا، يمكن تفسير التحذيرات المتكررة التي أطلقتها اتجاهات عديدة من أن بقاء الوضع على ما هو عليه داخل المخيم يقدم خدمات مجانية للتنظيم، الذي يحاول استغلال الأوضاع الداخلية والمواقف المتضاربة التي تتبناها الأطراف المعنية بهذه القضية، من أجل تعزيز قدرته على مواصلة نشاطه في المرحلة القادمة.