جدل متصاعد:

لماذا لم تتراجع بعض "الداعشيات الأوروبيات" عن أفكار التنظيم؟

07 April 2019


كشف مخيم "الهول"، الذي يقع شرقى محافظة الحسكة في سوريا، وأصبح ملاذًا للفارين والمعتقلين من تنظيم "داعش"، خاصة النساء والأطفال، عن أن بعض عناصر التنظيم ما زالت مصرة على التمسك بأفكاره وتوجهاته الإرهابية رغم الهزائم والضربات التي تعرض لها وإخفاقه في تحقيق أهدافه. إذ بدا لافتًا في العديد من المقابلات التليفزيونية واللقاءات الصحفية التي تم إجراءها مع بعض "الداعشيات الأوروبيات"، تمسكهن بأفكار التنظيم ودفاعهن عن محاولاته تنفيذ مشروعه المزعوم، فضلاً عن اعتقادهن بأنه سيعود من جديد.

دلالات عديدة:

طرحت الهزائم الكبيرة التي منى بها تنظيم "داعش" خلال الفترة الماضية، لا سيما في سوريا، دلالات عديدة، يتمثل أبرزها في وجود عدد ليس قليلاً من الأوروبيات اللاتي انخرطن في صفوفه، بشكل أثار مخاوف عديدة لدى الدول الأوروبية من التداعيات التي يمكن أن تفرضها عودتهن المحتملة إلى أراضيها، خاصة في ظل تمسكهن بالأفكار التي تبناها التنظيم.

وقد رفضت بعض "الداعشيات الأوروبيات"، وفقًا لتقارير عديدة، التخلي عن النقاب والاتهامات التي توجه لأزواجهن من عناصر التنظيم بأنهم "إرهابيين"، فضلاً عن إصرارهن على اعتبار الحياة في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم "نموذجًا مصغرًا لمشروع إسلامي حقيقي". كما لم يخفن تطلعهن إلى العودة من جديد إلى تلك المناطق في حالة ما إذا أتيحت لهن الفرصة مرة أخرى، وهى ليست بعيدة في رؤية بعضهن.

وقد بدأت دول أوروبية عديدة في دراسة التحديات القانونية والأمنية فضلاً عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتعامل مع التداعيات التي يمكن أن تفرضها العودة المحتملة لـ"الداعشيات" إلى أراضيها، لكنها في النهاية لم تتوافق على سياسات محددة، حيث أبدى وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد رفضه عودة هؤلاء إلى بريطانيا من جديد، في حين أشارت السلطات الفرنسية إلى إمكانية دراسة كل حالة على حدى، حيث سيرتبط قرارها في هذا السياق باعتبارات ومتغيرات تختلف من حالة إلى أخرى.

ومع ذلك، لا يبدو أن هذا الموقف الفرنسي سوف يكون نهائيًا، في ظل وجود اعتراضات من جانب مسئولين آخرين على فكرة عودة "الدواعش" إلى فرنسا، على غرار وزير الخارجية جان ايف لودريان، الذي قال، في 31 مارس 2019، أن "الداعشيات الفرنسيات اللواتي ذهبن إلى العراق وسوريا مقاتلات وينبغي معاملتهن على هذا الأساس".

ومن دون شك، فإن ثمة متغيرًا آخر لا يقل أهمية سوف يؤثر في النهاية على القرارات التي سوف تتخذها الدول الأوروبية في هذا الصدد، وهو مرتبط بأطفال "الداعشيات"، فطبقًا لتقديرات وزير الدولة الفرنسي للداخلية لوران نونيز، فإن "هناك 500 طفل من أهل فرنسيين موجودون بين سوريا والعراق"، مضيفًا أن "نحو 100 منهم عادوا منذ عام 2015، وعدد منهم محتجزون وبعضهم توفى، أما الآخرون والبالغ عددهم ما بين 200 إلى 300 طفل فلا نعرف تمامًا أين هم".

وقد تحولت هذه القضية تحديدًا إلى محور لجدل متواصل داخل بعض الدول الأوروبية، على غرار بلجيكا، خاصة بعد أن قامت "داعشيتان" بمقاضاة الحكومة البلجيكية لإعادة أطفالهن إلى بلجيكا، حيث حصلتا على حكم في 26 ديسمبر 2018 أصدره قاضي الأمور المستعجلة في محكمة بروكسل، قضى بأنه "من أجل مصلحة الأولاد على الحكومة البلجيكية أن تتخذ كل التدابير الممكنة لإعادتهم من مخيم الهول في سوريا"، وهو ما اعترضت عليه الحكومة البلجيكية التي استأنفت الحكم وحصلت على حكم آخر من محكمة الاستئناف في 28 فبراير 2019، بإلغاء الحكم السابق، حيث قالت المحكمة أنه "لا يمكن أن يفرض على الدولة البلجيكية إعادة أى شخص".

وتزايد الجدل حول تلك القضية مع الإعلان عن وفاة ابن البريطانية شاميما بيجوم، التي غادرت لندن في عام 2015 لتنضم إلى التنظيم وتسمى بـ"عروس داعش"، في مخيم "الهول"، والتي تصاعدت الخلافات حول عودتها إلى بريطانيا من جديد.

أسباب مختلفة:

أشارت اتجاهات عديدة إلى أن إصرار بعض "الداعشيات" على التمسك بتوجهات التنظيم رغم كل الهزائم التي تعرض لها، يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- ترسيخ الفكر "الداعشي": تعتبر الثقافة الدينية لمعظم النساء الأوروبيات اللاتي التحقن بتنظيم "داعش"، محدودة، في رؤية تلك الاتجاهات، على نحو سمح بترسيخ التوجهات الإرهابية لتنظيم "داعش"، الذي روج لهن بأن التمسك بها ومحاولة تنفيذها على الأرض هو الآلية الوحيدة لتطبيق المشروع الذي تبناه التنظيم من البداية، وربما هذا ما يفسر الشعارات التي كانت ترفعها بعض "الداعشيات" في وجه الإعلاميين ومقاتلي ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية. 

2- صعوبة التراجع: تعتقد بعض "الداعشيات" أن ما قمن به من أدوار لخدمة الأهداف التي سعى التنظيم إلى تحقيقها في الأعوام الخمسة الأخيرة، لا يمكن التراجع عنها بسهولة، خاصة بعد أن فرض التحاقهن بـ"داعش" تداعيات اجتماعية، حيث تزوجن من مقاتلي التنظيم وأنجبن أطفالاً، على نحو سوف يؤثر على توجهاتهن المستقبلية.

3- احتمال العودة: لا تستبعد بعض "الداعشيات" احتمال تمكن التنظيم من العودة مرة أخرى إلى المناطق التي سبق أن سيطر عليها قبل أن يتعرض لهزائم عسكرية كبيرة فيها، على نحو يدفع بعضهن إلى الإصرار على التمسك بتلك التوجهات استعدًادًا لتبني الخطوة نفسها، وهى العودة إلى المناطق السابقة التي خرجن منها.

4- الخوف من العقاب: رغم أن نفوذ "داعش" تراجع بشكل كبير داخل العراق وسوريا، إلا أن ذلك لا ينفي أنه ما زال حريصًا على محاولة الاحتفاظ بقسم من قدراته البشرية، حتى بالنسبة للعناصر التي يتم احتجازها داخل المخيمات التي أقامتها الأطراف المناوئة له، حيث يستخدم في هذا السياق أدوات عديدة، منها الاستناد إلى وجود بعض "الداعشيات" من جنسيات أخرى لإقناع "الداعشيات الأوروبيات" بعدم الابتعاد عن أفكاره وتوجهاته، وربما تهديدهن بالتعرض للعنف في حالة ما إذا حدث ذلك، على نحو قد يكون له تأثير في رفض بعضهن، على الأقل حتى الآن، التخلي عن تلك الأفكار والتوجهات.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن قضية "الداعشيات الأوروبيات" سوف تتحول إلى محور مهم في التفاعلات التي تجري بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، أو داخل الدول الأوروبية التي يبدو أنها ستمنح تلك القضية أهمية خاصة خلال المرحلة القادمة، في ظل التداعيات السياسية والأمنية التي باتت تفرضها.