ضغوط كردية:

دلالات زيارة مسعود بارزاني إلى واشنطن

10 May 2015


في الوقت الذي يحتدم فيه المشهد السياسي والأمني في العراق، بدءاً من تعطيل مشروع قانون الحرس الوطني، الذي يتيح المجال أمام تشكيل فصائل من العشائر وتسليحها للدفاع عن محافظاتها، امتداداً للاستعدادات الجادة لعملية تحرير الموصل من قبضة تنظيم "داعش"، وصولاً إلى موافقة لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي على مشروع قانون يسمح للحكومة الأمريكية بتقديم المساعدات العسكرية بشكل مباشر لقوات البيشمركة الكردية والعشائر السنية التي تقاتل تنظيم "داعش"؛ قام رئيس إقليم كردستان العراق بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الرابع من الشهر الجاري، وهي الزيارة التي استمرت لمدة أسبوع كامل.

التقى بارزاني خلال زيارته بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، ونائبه بايدن، وبعدد من المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوي، وهي الزيارة التي أعقبت زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. كما جاءت الزيارة بعد أن قامت الولايات المتحدة برفع كل من الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني من قائمتها للمنظمات الإرهابية.

لقد فتحت هذه الزيارة المجال أمام العديد من التساؤلات حول أبعادها، وما تحمله من دلالات ومعان علنية وأخرى ضمنية، وكذلك توقيتها وما له من أبعاد على المشهد العراقي من ناحية، وعلى التطورات الإقليمية من ناحية أخرى، وذلك بعد أن لعبت قوات البيشمركة دوراً جوهرياً في منع تنظيم "داعش" من السيطرة على مدينة كوباني (عين العرب) الكردية في سوريا.

دلالات وأبعاد الزيارة.. بين المعلن والباطن

جاءت زيارة مسعود بارزاني إلى واشنطن لتحمل العديد من الملفات والقضايا الاستراتيجية المهمة، لعل أهمها قضية تسليح الأكراد بشكل مباشر، خاصة بعد إدراك المجتمع الدولي بشكل عام، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، طبيعة وحقيقة الدور المركزي الذي قامت به قوات البيشمركة الكردية في العراق لصد ومنع تمدد تنظيم "داعش" في المحافظات والمدن العراقية منذ 10 يونيو الماضي، وهو ما أشار اليه المستشار الإعلامي لمكتب رئيس إقليم كردستان، كفاح محمود، بأن قوات البيشمركة مازالت تحتاج إلى أسلحة ثقيلة كالدبابات والمدرعات وأسلحة بعيدة المدى في حربها ضد "داعش"، وهو الملف الذي يعتبر ضمن الملفات العلنية للمحادثات أثناء الزيارة، في ظل الاستعداد لعملية تحرير الموصل واعتبارها محطة فاصلة للقضاء علي تنظيم "داعش" في العراق.

أما عن الناحية الضمنية، أو ما يمكن تسميته بالوجه الباطن لهذا الملف، فهو امتداد التشاورات والمحادثات إلى مرحلة ما بعد تحرير الموصل ومستقبل الإقليم، وكذلك القضايا العالقة بين بغداد وأربيل حول كركوك والمناطق الحدودية مع محافظة الموصل، في ظل تمسك الأكراد بحقهم في هذه المناطق من خلال إصرارهم على تطبيق المادة (140) من الدستور العراقي، وهو ما يعد ملفاً آخر مسكوتاً عنه في العلاقات بين المركز والإقليم في مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "داعش"، ورغبة الجانب الكردي في الحصول على مباركة ومساندة أمريكية في هذا الملف في الفترة القادمة.

وفيما يتعلق بالملف الآخر، والذي يعد في صلب الزيارة أو الملف القديم الحديث الممتد، فهو ما يتعلق بطرح قضية استقلال الإقليم بعد أن أصبحت هذه القضية جوهرية ومطلباً جماهيرياً من مواطني الإقليم، وسعى الجانب الكردي إلى الحصول على دعم أمريكي أيضاً في هذا الملف، ومحاولة رئيس الإقليم مسعود بارزاني استغلال مشروع القانون الأمريكي حول تقديم مساعدات عسكرية للبيشمركة، واعتباره مباركة ضمنية لعملية استقلال الإقليم، في ظل استمرار تعنت حكومة حيدر العبادي في تنفيذ التزاماتها تجاه الإقليم في عدد من القضايا مثل النفط، ومصير محافظة كركوك، وتسليح البيشمركة، وكذلك استغلال نجاحات الكرد في مواجهة "داعش" واعتبار مطلب الاستقلال هو ثمن تضحيات البيشمركة لعرقلة تقدم التنظيم.

وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها أكراد العراق توجههم للانفصال، فإنه يبدو أن هذا التوقيت هو الأمر المختلف، في ظل ما تمر به العراق من تدهور أمني وتجاذبات سياسية داخلية، وتدخلات إقليمية واضحة، ودور بارز وفعال لقوات البيشمركة على صعيد الملف الأمني في العراق وسوريا، مما يضع العديد من علامات الاستفهام حول رد فعل الجانب الأمريكي لهذا المطلب، مع إدراك واشنطن ضرورة تأجيل هذا الطرح على الأقل في الوقت الراهن، وإعطاء الأولوية في تلك المرحلة لعملية مكافحة الإرهاب.

ضغط كردي متعدد الأبعاد

تحمل زيارة بارزاني إلى واشنطن بعض الاستنتاجات الأساسية التي تدور جميعها في فلك محاولة أكراد العراق تعزيز مواقفهم الداخلية بالعراق، وكذلك الإقليمية فيما يخص رؤيتهم لقضايا المنطقة، فضلاً عن ترتيبات تخص البيت الكردي من الداخل.

وفي هذا يمكن الإشارة إلى عدد من الملحوظات، من أبرزها: 

الملحوظة الأولى: على الرغم من التحسن الملحوظ في العلاقات بين أكراد العراق والولايات المتحدة الامريكية منذ عام 2003، فإن ذلك لا ينفي اتسام الموقف الكردي من الإدارة الأمريكية بالحذر خاصة فيما يتعلق بمطلب الاستقلال، في ظل إصرار الولايات المتحدة على بقاء العراق موحداً وديمقراطياً على أساس النظام الفيدرالي كما هو منصوص عليه في الدستور العراقي، واعتبار قانون الكونجرس الأخير في التعامل مع المكون الكردي والسني بعيداً عن الحكومة المركزية لا يأتي إلا في إطار الحرب على تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة التي انتشرت في المنطقة في مرحلة ما بعد الثورات العربية، وعدم تفسيره بأنه موافقة ضمنية على إعلان الانفصال والاستقلال.

من ناحية أخرى، لدى الجانب الكردي الكثير من المعوقات الحالية أمام طرح الاستقلال في ظل الوضع الاقتصادي للإقليم، ورفض الحكومة المركزية لهذا المطلب، فضلاً عن مواقف القوى الإقليمية خاصة تركيا وإيران، وعدم إمكانية تقبل المجتمع الدولي لأزمات جديدة يمكن أن تفجر صراعاً إقليمياً موسعاً يزيد من تهديدات أمن منطقة الشرق الأوسط، وكذلك المصالح الغربية في المنطقة في تلك المرحلة.

الملحوظة الثانية: عدم اقتصار الزيارة فقط للتباحث في الحرب ضد تنظيم "داعش" أو طرح فكرة الاستقلال، بل ربما أثار بارزاني هناك إمكانية مسألة التجديد له لرئاسة إقليم كردستان للمرة الثالثة على الجانب الأمريكي ومدى إمكانية مساندة ودعم واشنطن له في هذا الطرح، في ظل تمسك بعض الأطراف السياسية الكردية خاصة كتلة التغيير بالإطار القانوني لفترة رئاسة الإقليم التي حددها دستور الإقليم بفترتين، حيث ستنتهي رئاسة بارزاني للإقليم في 19 أغسطس 2015، وذلك بعد أن اتفق الحزبان الرئيسيان (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) في عام 2013 على تمديد رئاسة بارزاني للإقليم لمدة سنتين غير قابلة للتجديد، وهو ما يعني صعوبة التجديد لبارزاني بعد انتهاء فترة رئاسته، وفقاً لتقرير خلية مناقشة الأزمات التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية في كردستان العراق.

وما يؤكد هذا الأمر قيام مسعود بارزاني بزيارة للرئيس العراقي السابق جلال طالباني في السليمانية قبل زيارته إلى الولايات المتحدة للتباحث في هذا الملف، وما له من تداعيات على وحدة واستقرار إقليم كردستان في المرحلة المقبلة.

الملحوظة الثالثة: تتجه معظم المؤشرات إلى أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تغييرات سياسية وهيكلية واسعة، مما يمكن أن يفرز خريطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط، في ظل استعصاء الأزمة السورية عن الحل، وتفجر الأوضاع في اليمن، وإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب ينتج عنه دور إيراني إقليمي جديد، وما يمكن أن يحصل عليه أكراد المنطقة خاصة في العراق من فرص لإعلان دولتهم المستقلة، والتغلب على ممانعة دول الجوار والدول الإقليمية.

وعلى الرغم من معرفة الجانب الكردي بمعوقات الاستقلال في تلك المرحلة؛ فإنهم يستخدمون هذه الورقة للضغط المباشر على الحكومة المركزية في العراق لتنفيذ العديد من الالتزامات تجاه الإقليم، وهو ما تدركه الإدارة الأمريكية في تلك المرحلة، في ظل تحفظاتها على الكثير من ممارسات الحكومة العراقية وقلقها الواضح من تمدد النفوذ الإيراني في العراق، الأمر الذي يدفع نحو المزيد من التنسيق مع الجانب الكردي في معارك استعادة الموصل وغيرها من المدن العراقية، من أجل تحييد وتقليص دور الميليشيات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، فكل هذه العوامل تضفي المزيد من الأهمية على زيارة رئيس الإقليم مسعود بارزاني للولايات المتحدة في هذا التوقيت وفي ظل هذه التطورات.