طموحات العودة:

كيف يحاول "داعش" تفعيل نشاطه مجددًا في العراق؟

06 December 2018


رغم إعلان رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، في 9 ديسمبر 2017، الانتصار على تنظيم "داعش"، إلا أن ذلك لم يقلص من احتمالات ظهور مجموعات تنتمي للأخير مرة أخرى أو محاولته العودة إلى المناطق التي سبق أن سيطر عليها، لا سيما في الموصل، أو تنفيذ بعض العمليات الإرهابية في أنحاء مختلفة من العراق، بشكل يطرح تساؤلات عديدة عن الآليات التي يستخدمها من أجل تحقيق ذلك. وقد اكتسبت هذه القضية تحديدًا اهتمامًا خاصًا من جانب الأطراف المعنية بالحرب ضد التنظيم، وهو الاهتمام الذي توازى مع قيام الأمم المتحدة برصد الانتهاكات التي ارتكبها "داعش" خلال الفترة الماضية داخل العراق، حيث ستبدأ التحقيقات التي سوف تجريها المنظمة الدولية حول تلك الانتهاكات في مطلع عام 2019، وستعتمد على تقارير فريق التحقيق الأممي الذي بدأ منذ منتصف العام الجاري في جمع أدلة حول وقوع مجازر عديدة في تلك المناطق.

نشاط متصاعد:

  حاول تنظيم "داعش"، خلال الشهور التي تلت إعلان الانتصار عليه، إثبات حضوره على الساحة العراقية، حيث وسَّع من نطاق عملياته الإرهابية، وبدا أنه، حسب اتجاهات عديدة، لم يفشل تمامًا في استقطاب عناصر جديدة للانضمام إليه، وهو ما دفع تلك الاتجاهات إلى التحذير من أن ذلك يشكل خطورة على أمن واستقرار العراق، باعتبار أن بعض هذه العناصر ليست معروفة لدى أجهزة الأمن أو ربما لم تنخرط في عمليات إرهابية سابقة، فضلاً عن أن البعض الآخر يقوم بتقديم خدمات لوجيستية ومعلوماتية بهدف تعزيز قدرة التنظيم على تفعيل نشاطه من جديد.

وقد انعكس ذلك في تزايد عدد العمليات التي يقوم بها التنظيم، حيث تكشف دراسة أعدها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، في بداية ديسمبر الجاري، أن التنظيم يقوم بشن نحو 75 هجومًا في الشهر على أنحاء مختلفة من العراق، رغم تقلص مساحة المناطق التي يتواجد بها بشكل كبير.

خطوات عديدة:

  يسعى "داعش" إلى توسيع نطاق نشاطه داخل العراق مجددًا عبر بعض الآليات الرئيسية، التي يتمثل أبرزها في:

1- تفعيل نشاط "الخلايا النائمة": على غرار المناطق الأخرى التي ظهر فيها التنظيم وحاول السيطرة عليها، حرص "داعش" على الاحتفاظ بخلايا نائمة داخل العراق عقب الإعلان عن الانتصار عليه، كما أنه، حسب اتجاهات عديدة، راهن على بعض عناصره من السكان المحليين الذين تركهم قبل أن ينتقل إلى دول ومناطق أخرى، حيث أن العديد منهم غير معروف لدى الجهات الأمنية، خاصة أنهم حرصوا على إخفاء هويتهم وعاشوا في مناطق أخرى بشخصيات مختلفة، يوجد بها من يقدم لهم الدعم سواء لاعتبارات تنظيمية أو عائلية أو قبلية. وقد دفع تزايد تهديدات تلك الخلايا الحكومة العراقية إلى شن حملة عسكرية في محافظة ديالي، في 16 أغسطس 2018، خاصة قرى الجنوب إلى تحولت إلى "ملاذ خصب للتنظيمات الإرهابية" حسب تصريحات المتحدث باسم قيادة شرطة المحافظة العقيد غالب العطية.

2- تصعيد الهجمات الانتحارية: اعتمد "داعش"، خلال الفترة الأخيرة، بشكل ملحوظ على الهجمات الانتحارية، خاصة أن فرص تنفيذها تبقى أكبر من الأنماط الأخرى للعمليات الإرهابية، فضلاً عن أنها تسفر، في كثير من الأحيان، عن وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى، وهو ما بدا جليًا في الهجوم الانتحاري بسيارة ملغومة، والذي استهدف إحدى نقاط التفتيش الأمنية في غرب العراق، في 14 أغسطس 2018، وأسفر عن سقوط 28 قتيلاً وإصابة 16 آخرين من بينهم 6 من عناصر الأمن.

3- تكريس حرب العصابات: حاول التنظيم استغلال دراية بعض عناصره المحلية بالطبيعة الجغرافية للمناطق التى يتواجدون فيها، فضلاً عن التركيبة السكانية وأنماط العلاقات الاجتماعية والقبلية، لتعزيز نشاطه في بعض المناطق، حيث استند إلى نمط حرب العصابات لشن هجمات سريعة ومباغتة اعتمدت على سرعة تنقل عناصره ووجود أماكن إيواء مختلفة يمكن اللجوء إليها بعد الانتهاء من تنفيذ العملية الإرهابية.

4- تعزيز الخلايا العنقودية: يستخدم "داعش" في العديد من المناطق نمط "الخلايا العنقودية"، التي تعمل بطريقة لا مركزية، وذلك لتجنب سقوط كل المجموعات بمجرد تفكيك إحداها من قبل الأجهزة الأمنية، حيث تتكون كل خلية من عناصر عديدة، ويتم التواصل مع المجموعات الاخرى بطريقة محددة وغير معروفة على نطاق واسعٍ، وربما يفسر ذلك أسباب بقاء بعض مجموعات وخلايا التنظيم إلى الآن رغم كل الجهود التي بذلت من قبل الحكومة العراقية لإنهاء تواجد التنظيم على الأراضي العراقية بشكل حقيقي.

5- إخفاء المعلومات: تعمد قادة التنظيم التخلص من كل الوثائق الخاصة به قبيل خروجهم من المناطق التي سيطر عليها في الفترة الماضية، وذلك من أجل منع السلطات الأمنية من الحصول على معلومات هامة يمكن أن تساعدها في تعقب الخلايا النائمة أو العنقودية التي يعتمد عليها التنظيم في تفعيل نشاطه من جديد.

متغيرات غير تقليدية:

اللافت في هذا السياق، هو أن بعض المنظمات الدولية، على غرار الأمم المتحدة، بدأت في توجيه تحذيرات من أن ثمة اعتبارات غير تقليدية قد تتحول، خلال المرحلة القادمة، إلى متغير مهم يساعد "داعش" على تفعيل نشاطه مرة أخرى داخل العراق، وفي مقدمتها العوامل البيئية مثل الجفاف. إذ أوضحت دراسة رفعت إلى مجلس الأمن، في 1 ديسمبر الجاري، أنه في حالة ما إذا لم تتخذ إجراءات فورية لتقليص آثار التغيرات المناخية، فإن ذلك سيزيد من احتمالات استعادة التنظيم زخمه من جديد داخل العراق.

وهنا، يمكن القول إن الاهتمام بتحسين البنية التحتية وإعادة الإعمار والتعامل بشكل جدي مع المشكلات العديدة التي فرضها تنظيم "داعش" في المناطق التي سبق أن سيطر عليها، يمثل المدخل الأساسي الذي يمكن من خلاله منع التنظيم من العمل على رفع مستوى نشاطه الإرهابي من جديد داخل العراق خلال المرحلة القادمة.