ضربات قوية:

تداعيات العمليات العسكرية ضد تنظيم "القاعدة" في مالي

03 December 2018


يواجه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ضغوطًا قوية خلال المرحلة الحالية، لا سيما مع تصاعد حدة العمليات العسكرية التي تشنها الأطراف المنخرطة في الحرب ضده، وكان آخرها العملية المشتركة التي قامت بها القوات المالية والفرنسية في منطقة موبتي وسط مالي، في 22 نوفمبر 2018، وأسفرت عن مقتل 30 مسلحًا من بينهم قائد جبهة "تحرير ماسينا" أمادو كوفا، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف التنظيم، خاصة أن كوفا من أبرز القيادات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل الإفريقي، فضلاً عن كونه زعيم جبهة "تحرير ماسينا".

ويعد كوفا، الذي اتهمته السلطات المالية بتأجيج الصراع الطائفي وتنفيذ عمليات إرهابية عديدة، القيادي الثاني في جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي أعلن عنها في مارس 2017، وتعبر عن أكبر تحالف "قاعدي" في المنطقة، نظرًا لأنها تكونت نتيجة تحالف كل من مجموعة "إمارة منطقة الصحراء الكبرى" وتنظيم "المرابطون"، وهما من أهم الأجنحة الرئيسية لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إضافة إلى كل من جماعة "أنصار الدين" التي تعبر عن قبائل الطوارق، ويتزعمها اياد أغ غالى الذي يتولى حاليًا قيادة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وجبهة "تحرير ماسينا" التي تعبر عن عرقية الفولاني، والتي كان يقودها كوفا.

توقيت لافت:

تشير العملية الأخيرة إلى أن القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب في تلك المنطقة تبذل جهودًا حثيثة من أجل تحجيم نفوذ تنظيم "القاعدة" بمجموعاته المختلفة، خاصة في ظل التحالفات المتعددة التي توصل إليها التنظيم وسمحت له بالتمدد والانتشار بشكل لافت للنظر، على نحو مكنه، في بعض الأحيان، من تصعيد هجماته ضد القوات الدولية والمالية، وكان آخرها الهجوم على مقر بعثة الأمم المتحدة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي "ميونيسما" في شمال مالي، في 27 أكتوبر 2018، والذي أدى إلى مصرع جنديين وإصابة 11 آخرين تابعين للبعثة، والذي سبقه هجوم آخر استهدف مقر القوة العسكرية في وسط مالي، في 30 يونيو 2018، وأسفر عن مقتل 6 أشخاص.

وقد دفع ذلك بعض القوى الدولية إلى اتخاذ خطوات عديدة من أجل محاصرة نشاط التنظيم، على غرار إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، في 6 سبتمبر 2018، عن إدراج جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مؤكدة على أن ذلك يهدف إلى حرمانها من الموارد اللازمة لتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية.

كما جاءت العملية التي أدت إلى مقتل كوفا عقب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 27 أغسطس 2018، عزمه شن عمليات عسكرية بالتعاون مع القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل (موريتانيا ومالي وبوركينافاسو وتشاد والنيجر) خلال الأشهر المقبلة، لمواجهة التنظيمات "القاعدية" في منطقة الساحل والصحراء، والتي أصبحت تمثل خطرًا يهدد المنطقة بأكملها.

تأثيرات مختلفة:

يمكن القول إن هذه النوعية من العمليات العسكرية التي تشنها العديد من القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب سوف تفرض تداعيات عديدة على أكثر من مستوى خلال المرحلة القادمة، يتمثل أبرزها في:

1- ارتباك مؤقت: رغم أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي نفذت عمليات إرهابية عديدة داخل كل من مالي وبوركينافاسو في الفترة الماضية، تضم العديد من القيادات البارزة التي تمتلك خبرات تنظيمية وعسكرية كبيرة نتيجة مشاركتها في عمليات إرهابية عديدة، إلا أن مقتل كوفا ربما يؤدي إلى حدوث حالة من الارتباك التنظيمي داخلها حتى لو لفترة محدودة، نظرًا لأن الأخير كان يحظى بمكانة كبيرة في أوساط عرقية الفولاني، وهو ما منح الجماعة نفوذًا في المناطق التي تقطنها تلك العرقية، بما يعني أن غيابه عن المشهد سوف يساهم في إضعاف هذا النفوذ، لا سيما إذا لم تتمكن الجماعة من إيجاد قيادة بديلة من داخل "جبهة تحرير ماسينا" تستطيع ملء الفراغ الناتج عن غيابه.

2- هجمات انتقامية: تكشف دراسة طريقة تعامل تنظيم "القاعدة"، بمجموعاته المختلفة، مع العمليات العسكرية التي تستهدف قياداته وكوادره عن أن التنظيم يسعى دائمًا إلى الرد عليها بآليات مختلفة، خاصة أن عزوفه عن تبني تلك الخطوة قد يؤثر على تماسكه الداخلي، وبالتالي يضعف من قدرته على التمدد في تلك المنطقة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح احتمال اتجاه التنظيم إلى محاولة شن عمليات إرهابية جديدة خلال المرحلة القادمة، باستخدام أدوات مختلفة على غرار الهجمات الانتحارية التي يهدف من خلالها إلى رفع مستوى الخسائر المادية والبشرية التي يمكن أن تنتج عنها. وربما تكتسب بعض تلك الهجمات المحتملة طابعًا عرقيًا، في ظل الدعم الذي تحظى به جبهة "تحرير ماسينا" من جانب عرقية الفولاني، بشكل قد يؤثر على الاستقرار الأمني في مالي خلال المرحلة القادمة.

3- تصاعد التهديدات: سعى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" خلال الفترة الماضية إلى توسيع نطاق نفوذه بشكل واضح في منطقة الساحل والصحراء، مستغلاً في هذا السياق التحالفات التي توصل إليها مع بعض المجموعات الإرهابية الأخرى وحرصه في الوقت نفسه على الاحتفاظ بظهير عرقي يمثل مصدرًا رئيسيًا للعناصر الإرهابية التي يمكن أن تنضم إليه وتعوض قسمًا من الخسائر التي يتعرض لها بسبب العمليات العسكرية التي تشن ضده، وهو ما سوف يفرض تهديدات مباشرة لأمن واستقرار دول تلك المنطقة وسيزيد من المهام الموكلة للقوة العسكرية التي تم تشكيلها من أجل مواجهته والتعامل مع عملياته الإرهابية. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن تلك العمليات العسكرية الأخيرة التي استهدفت بعض قيادات وكوادر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تمثل مؤشرات تكشف عن بداية مرحلة جديدة من الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء التي باتت تحظى بأهمية خاصة من جانب العديد من القوى الدولية والإقليمية الساعية إلى محاصرة نفوذ التنظيمات الإرهابية.