ارتدادات متشابكة:

كيف يستفيد النظام السوري من الأزمات الأخرى؟

10 October 2018


فرضت بعض الأزمات الطارئة على الساحة الإقليمية ارتدادات مباشرة على صراعات قائمة بالفعل. ورغم أن ذلك قد لا يعبر عن اتجاه جديد في التفاعلات الإقليمية، في ظل تشابك وتعقد الأزمات الإقليمية المختلفة وتقاطع مصالح القوى المنخرطة فيها، إلا أنه بات يكتسب أهمية خاصة في بعض الحالات، مثل الصراع السوري، بسبب تأثيراته المباشرة على توازنات القوى بين أطرافه الرئيسية. ومع ذلك، فإن هذه الارتدادات ربما لا تنتج تداعيات مباشرة في النهاية على المسارات المحتملة للصراع، الذي لا يبدو أنه قريب من مرحلة التسوية، في ظل استمرار تصاعد الخلافات بين القوى المعنية به.

إس-300:

كان لافتًا أن النظام السوري حرص على التدخل في التوتر الذي اندلع بين روسيا وإسرائيل على خلفية إسقاط الطائرة الروسية "إيلوشين 200" في 17 سبتمبر 2018، الذي أدى إلى مقتل 15 ضابطًا وجنديًا روسيًا، حيث أيد موقف موسكو التي أكدت أن إسقاط الدفاعات الجوية السورية لا ينفي أن إسرائيل "مُلامة" بسبب تعمدها خلق وضع خطير بالقرب من مدينة اللاذقية القريبة من إحدى القواعد الجوية الروسية التي كانت الطائرة تستعد للهبوط فيها، وذلك بعد الغارات التي قام بها الطيران الإسرائيلي قبيل إسقاطها.

ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن اتجاه روسيا إلى تعزيز قدرات الدفاعات الأرضية السورية وذلك من خلال تزويد النظام السوري بأنظمة صواريخ "إس-300"، وهى الخطوة التي اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، في 8 أكتوبر 2018، أنها "ستساهم في تغيير توازنات القوى في سوريا لصالح من يعتقدون أنه يجب ألا تكون هناك أعمال عدائية في سوريا".

لكن رغم ذلك، ما زالت إسرائيل حريصة على الاحتفاظ بقنوات التواصل القائمة مع روسيا لمواصلة التنسيق معها فيما يتعلق بالتطورات الميدانية في سوريا، وهو ما انعكس في إعلان تل أبيب، في اليوم ذاته، عن زيارة قريبة من المحتمل أن يقوم بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى روسيا.

صواريخ إيران:

أيد النظام السوري الضربات الصاروخية التي قامت إيران بتوجيهها إلى بعض المواقع في مدينة البوكمال السورية، في أول أكتوبر الجاري، حيث اعتبر أنها تأتي في "إطار مكافحة الإرهاب"، وهو ما لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن تدخلات إيران كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية.

واللافت في هذا السياق، أن الحرس الثوري أكد أن الصواريخ التي أطلقت في الهجوم باليستية "أرض-أرض" متوسطة المدى من طراز "ذو الفقار" الذي يصل مداه إلى 700 كيلو متر و"قيام" الذي يبلغ مداه 800 كيلو متر. في حين أنها كانت تحتاج إلى تغطية مسافة 570 كيلو متر فقط حتى تصل إلى الهدف فى منطقة "هجين" بالبوكمال، وبالتالي فإن الهدف الأساسي يكمن في استعراض إيران لقوتها الصاروخية وتأكيد أنها يمكن أن تستهدف الوجود الأمريكي شرق الفرات بشكل مباشر.

لكن مقاربة العلاقة بين طبيعة الضربة وتلك الرسائل تظهر أيضًا أنه على الرغم من أن القدرات الصاروخية الإيرانية تشكل تهديدًا إقليميًا، وهو ما أشار إليه جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، إلا أن ثمة شكوكًا لا يمكن تجاهلها في فعالية الأداء وفقًا لتقييم النتائج. فعلى سبيل المثال، تم الإعلان رسميًا في بيان الحرس الثوري أنه تم إطلاق 6 صواريخ، في حين أن تقارير عديدة أشارت إلى أن الصواريخ أصابت هدفين فقط، وكانت نتائجها محدودة، بل إن النتائج المعلنة رسميًا في ظهران تكشف عن مقتل قياديين في التنظيم وعدد من العناصر، لكن هناك قدرًا عاليًا من الشكوك لا سيما على

مستوى عدد الصواريخ التي نجحت بالفعل في الوصول إلى المواقع المحددة.

فشل استخباراتي:

ووفقًا للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمى، فإن الضربة استهدفت موقع الإرهابيين الذين يقفون وراء عملية الأحواز، في تلميح مكرر من جانب طهران بأن بعض الأطراف الدولية دعمت "داعش" ووظفته في العملية الأخيرة. لكن فى هذا الصدد هناك أيضًا مؤشرين مهمين يجب التطرق إليهما: ينصرف الأول، إلى صعوبة وصول إيران إلى معلومات عن مواقع لـ"داعش" واستهدافها قبل أن تصل إليها القوات المشتركة من القوة الأمريكية وميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وهو ما أشارت إليه اتجاهات عديدة اعتبرت أنه من الصعب تقدير نتائج الهجوم الإيراني وتخيل أن الأجهزة الإيرانية كان

لديها معلومات دقيقة عن مواقع الإرهابيين أكثر من الأطراف الأخرى.

ويتعلق الثاني، بازدواجية الضربة، إذ أن هناك صواريخ تم إطلاقها على مواقع في الأحواز، وأشار بيان الحرس الثوري إلى أنه استهدف "زعماء الإرهاب في تلك المنطقة" بما يكشف عن أن إيران لم تحدد بشكل دقيق الجهة المسئولة عن العملية وأنها أرادت شن الضربات فى المواقع المحتملة لخصومها لتوجيه رسائل مباشرة ترتبط بالتصعيد في ملفات خلافية أخرى.

ردود فعل متباينة:

وقد تباينت ردود فعل القوى المعنية بتطورات الصراع في سوريا، حيث أكد المتحدث باسم قوات التحالف الدولي شون ريان أن "تلك القوات ليست في خطر"، مشيرًا إلى أن إيران لم تقدم أى إنذار لضرباتها الصاروخية على الجيب الذي يتحصن فيه تنظيم "داعش" بريف البوكمال. لكن تقديرات أمريكية عديدة توضح أن الحادث يكشف عن التهديدات المحتملة من جهة وعن الثغرات الدفاعية التى تواجه القوات الأمريكية في انتشارها شرق الفرات من جهة أخرى.

إلى جانب ذلك، فإن مسار الصواريخ يعنى عبور الأجواء العراقية للمرة الثانية، وبالتالي فإن عدم وجود آليات اعتراضية يعنى استمرار هذا التهديد مقابل تعزيز موسكو لدفاعات النظام السوري بمده بمنظومة "إس-300"، في حين توقعت اتجاهات عديدة أن تلجأ واشنطن لزيادة استخدام مقاتلات "F-22" (الشبح) و"F-16CJ" المضادة للرادار، للقيام بعمليات جوية فى سوريا. لكن تحليلات أخرى أشارت إلى أن إسرائيل قد تحتاج إلى المغامرة باستخدام "F-35" للتحايل على المنظومة فى حال التنسيق مع واشنطن للقيام بذلك.

وتستبعد اتجاهات عديدة أن تكون طهران قد نسقت مع روسيا، وإن جاءت التصريحات الروسية فى سياق أنها فى إطار مكافحة الإرهاب، حيث تعتبر روسيا الوجود الأجنبي عمومًا، ومنه الوجود الأمريكي فى سوريا، غير شرعي وبالتالي فإنها لن تعارض، في الغالب، توجيه إيران ضربات مماثلة فى العمق السوري ضد بعض الأطراف الدولية والمحلية كقوات "قسد". وربما لا يمكن استبعاد احتمال أنها تهدف إلى نقل المعركة إلى شرق الفرات حيث تعزز الولايات المتحدة من وجودها العسكري هناك.

ومع ذلك، فإن هذه التطورات في مجملها لن تفرض معطيات جديدة يمكن أن تؤثر على المسارات المحتملة للأزمة السورية، حيث ما زالت بعض القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، مُصرة على أن توازنات القوى التي أنتجها الصراع لا تعني العودة إلى مرحلة ما قبل نشوبه، خاصة فيما يتعلق ببقاء النظام السوري في السلطة.