تحركات عاجلة:

كيف يمكن أن تتخطى العراق أزمة الكهرباء؟

02 August 2018


تصاعدت أزمة نقص الكهرباء بالعراق في الآونة الأخيرة، وبما تسبب في اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في مختلف المدن في يوليو الماضي. ومنذ سنوات عدة، تعاني العراق من فجوة كبيرة بين الطلب والعرض للقدرة الكهربائية للبلاد، ويعود ذلك إلى تدمير البنية التحتية على مدار العقود الماضية، وزيادة التسرب الكهربائي وعدم جدوى الخطة الاستثمارية للبلاد، بجانب وقف إيران صادراتها من الكهرباء للعراق مؤخرًا. ويبدو أن العراق بحاجة لخطة تمويلية عاجلة لإعادة تأهيل محطاتها الكهربائية وتزويدها بالوقود اللازم وستحتاج فيها بالتأكيد لمساعدة المجتمع الدولي ودول الجوار لتوفير الأموال اللازمة لذلك.

أزمة مزمنة:

شهدت العراق احتجاجات شعبية واسعة بداية من 8 يوليو الماضي، انطلاقًا من محافظة البصرة على خلفية تردي الخدمات الأساسية بها من مياه وكهرباء وغيرها. ولم تلبث أن امتدت لكافة المحافظات بما فيها العاصمة بغداد. ولا تنفصل الاحتجاجات السابقة عن السياق العام للبلاد، حيث تردت الأوضاع الأمنية والاقتصادية بشكل عام تزامنًا مع الحرب التي نشبت بين القوات العراقية وتنظيم "داعش" على مدار أكثر من ثلاث سنوات، في الوقت الذي تفتقر فيه إدارة البلاد أيضًا للشفافية والنزاهة المالية بحسب التقييمات الدولية.

وتعاني البلاد منذ عقدين تقريبًا من أزمة ممتدة بقطاع الكهرباء نتيجة نمو الطلب عليها سنويًا بمعدل لا يقل عن 10%، وهو ما نجم عنه فجوة كبيرة بين العرض والطلب على القدرة الكهربائية. وفي حين توفر الشبكة الكهربائية بالعراق نحو 15 ألف ميجاوات، تتجاوز الاحتياجات، في بعض الأحيان، 21 ألف ميجاوات. 

وفي ظل تلك الفجوة، لم تستطع الحكومة تقديم الخدمات الكهربائية للمواطنين على مدار الساعات الأربعة والعشرين، وبالتالي شهدت المدن انقطاعًا مستمرًا في التيار الكهربائي، خاصة في فصل الصيف عندما تشتد درجة الحرارة، وهو ما اضطر كثيرًا من المواطنين للاعتماد على مولدات خاصة تعمل بالديزل لتسيير أنشطتهم اليومية وأعمالهم وبطاقة توليد تصل في بعض الأحيان إلى 1 جيجاوات (أي ما يوازي 6.6% من القدرة الكهربائية الكلية القائمة حاليًا).

أسباب متعددة:

يعود تراجع قدرة الطاقة الكهربائية للعراق عن الوفاء بالاحتياجات اليومية للسكان إلى عوامل عدة: يتمثل أولها، في تضرر البنية التحتية على مدار العقود الماضية نتيجة الحروب التي خاضتها وآخرها مع تنظيم "داعش"، وبما تسبب في تهالك المنظومة الكهربائية وإخفاقها في تلبية احتياجات الأفراد والشركات على حد سواء.

ووفق تقدير وزارة الكهرباء، تسبب تنظيم "داعش" في خسائر أولية لقطاع الكهرباء بنحو 5.9 مليار دولار، وتضمن ذلك تدمير العديد من المحطات الكهربائية كليًا أو جزئيًا، لا سيما في المحافظات الشمالية. ومن بين أبرز الأصول المتضررة المحطة الكهربائية لسد الموصل الواقع على نهر دجلة شمال مدينة الموصل، حيث تسببت العمليات القتالية بالمدينة في تعرض بنية السد لضعف كبير أدى بدوره إلى انخفاض قدرته على توليد الكهرباء إلى 700 ميجاوات مقارنة بـ 1100 ميجاوات في السابق.

ويرتبط ثانيها، بإقدام إيران على وقف تصدير الكهرباء للعراق، وبما تسبب في نقص بالشبكة الكهربائية بقدرة 1000 ميجاوات، على نحو أثر سلبًا على إمدادات الكهرباء في عدة مدن جنوبية مثل البصرة والناصرية والعمارة. ويعود ذلك إلى تراكم مديونيات مدفوعات واردات الكهرباء للحكومة الإيرانية، التي تستعد بدورها إلى توفير احتياطيات آمنة من الخدمات والسلع الحيوية لمواجهة العقوبات الأمريكية التي ستطبق بداية من أغسطس الجاري.

وينصرف ثالثها، إلى ضعف عوائد الخطة الاستثمارية لقطاع الكهرباء. فعلى الرغم من تخصيص أكثر من 40 مليار دولار بحسب بعض التقديرات كنفقات لدعم وتأهيل المحطات الكهربائية، إلا أنها لم تكن كافية لعلاج الأزمة الكهربائية، ويعود ذلك لأسباب تتعلق ببطء عمليات تنفيذ بناء المحطات والصعوبات السياسية وإهدار الأموال العامة.

وعلى سبيل المثال، قامت الحكومة، في عام 2008، بشراء 74 توربين للمحطات الكهربائية بسعة إجمالية قدرها 10.2 جيجاوات وفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، لكنها لم تحرز أى تقدم في تركيبها حتى عام 2016 بسبب مشكلات تتعلق بقواعد الميزانية والتعاقدات والصعوبات السياسية.

ويتعلق رابعها، بارتفاع خسائر نقل وتوزيع الكهرباء، والتي تصل، في بعض الأحيان، إلى أكثر من 30% من الإنتاج اليومي، وهو معدل يتجاوز كثيرًا المعدل العالمي الذي لا يزيد عن 10% على الأكثر.

أما خامسها، فيتصل بنقص الوقود المنتج محليًا واللازم لتشغيل المحطات الكهربائية، وهو ما يجعلها تعتمد على استيراد الديزل من الخارج في الوقت التي تعاني فيه من ضغوط مالية وشح في النقد الأجنبي نتيجة ضعف قيمة صادرات النفط الخام، في الوقت الذي يوجد فيه تباطؤ أيضًا في تحول المحطات نحو استخدام الغاز المتوفر بكميات كبيرة في البلاد لكن يتم حرق أكثر من 60% من الإنتاج اليومي نتيجة عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنية التحتية لنقله وتخزينه للاستهلاك اليومي.

وقد تسببت افتقار العراق إلى إمدادات الكهرباء اللازمة لتحفيز المزيد من النشاط الاقتصادي في إهدار فرص اقتصادية سنوية مباشرة وغير مباشرة تقدر بحوالي 40 مليار دولار سنويًا وفق بعض التقديرات. وبالنسبة لقطاع الصناعة، فقد كان الأكثر تضررًا على مدار العشرين عامًا الماضية، حيث أدت أزمة الكهرباء إلى إغلاق حوالي 35 ألف مصنع، وهو ما يعني خسائر كبيرة في الناتج المحلي وتراجع معدلات التشغيل.

جهود متواصلة:

لا شك أن استمرار الأوضاع الحالية لقطاع الكهرباء يعني تكبد الاقتصاد العراقي مزيد من الخسائر في المستقبل، فضلاً عن تزايد احتمال تصاعد الاضطرابات الاجتماعية في البلاد، وهو ما يستوجب من الحكومة العراقية التحرك بشكل عاجل على عدة مستويات لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء. يتمثل أولها، في تعزيز الشراكة مع دول الجوار لتزويدها بالوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية المتوقفة في البلاد، بجانب إمدادها بالكهرباء من خلال تحقيق الربط الكهربائي لشبكتها مع شبكات الدول المجاورة.

ويتعلق ثانيها، بتكثيف جهودها الدبلوماسية والسياسية لضمان توفير تمويل دولي سريع لقطاع الكهرباء من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي أو من شركائها الاقتصاديين من أجل إعادة تشغيل المحطات المتوقفة وبناء محطات جديدة، وهذا بالإمكان تحقيقه خاصة مع استعداد الدول المشاركة في مؤتمر إعادة إعمار العراق، في فبراير الماضي، لدعم البلاد بمبالغ تقدر بنحو 30 مليار دولار لإعادة تأهيل الاقتصاد العراقي.

وينصرف ثالثها، إلى تفعيل اتفاقياتها مع الشركات الدولية لبناء محطات كهربائية بالمحافظات، على غرار اتفاقها مع شركة "جنرال اليكتريك" الأمريكية في عام 2017 لإنشاء محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية في محافظتى ذي قار والمثنى بقدرة إجمالية 1500 ميجاوات وبتكلفة تصل إلى 1.049 مليار دولار، لكن ذلك يحتاج إلى ضمانات دولية لإتمام مثل هذه الاتفاقات.

ويتصل رابعها، باستمرار الحكومة في زيادة إنتاجها من الغاز بدلاً من حرقه لتوفير الوقود اللازم للمحطات الكهربائية، ولعل هذا يتماشى مع خطة وزارة النفط التي تطمح إلى زيادة إنتاج العراق من الغاز الطبيعي إلى 1700 مليون قدم مكعب يوميًا بنهاية عام 2018 مقارنة بنحو 650 ألف قدم مكعب في عام 2016.

لكن لا شك أن الحكومة بحاجة ملحة لتكثيف جهودها من أجل دعم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، بالتوازي مع تعزيز مبدأ الشفافية لكي يتسنى للمجتمع الدولي، وخاصة شركائها من دول الجوار، تقديم دعمهم لإعادة بناء قطاع الكهرباء في البلاد.