تصعيد مستمر:

مسارات المواجهة بين إسرائيل وإيران في سوريا

12 May 2018


 شهدت الجبهتان السورية والإسرائيلية تبادلاً للقصف الصاروخي، في 9 مايو الجاري، هو الأول من نوعه والأعنف فى تاريخ المواجهات الهجومية على الجانبين، والتى شهدت جولات متقطعة بين شهرى سبتمبر وفبراير الماضيين، فضلاً عن ضربات محدودة كان آخرها قبل أقل من 24 ساعة على منطقة الكسوة فى ريف دمشق. وأعقب ذلك الإعلان عن إطلاق 20 صاروخًا وقذيفة من سوريا على هضبة الجولان، تبعها رد إسرائيلي بقصف هجومي بـ50 صاروخ استهدفت خمس قواعد إيرانية قال الجيش الإسرائيلي أنها شلت البنية التحتية العسكرية الإيرانية فى سوريا "وأرجعت  قدراتها العسكرية إلى الوراء بعدة أشهر".  

هدف رئيسي:

يمكن القول إن الضربات الأخيرة فرضت متغيرًا جديدًا على قواعد الاشتباك بين الجانبين، تمثل في التحول من استخدام "الوكلاء" إلى المواجهة المباشرة. لكن ذلك لا ينفي أن الضربة الإسرائيلية تظل في سياق الضربات الاستباقية التي تستهدف عرقلة النفوذ الإيراني في سوريا.

فوفقًا للاستراتيجية المعلنة من جانب إسرائيل، على المستويين السياسي والعسكري، فإن توجيه ضربة إلى المواقع العسكرية التابعة لإيران في سوريا حاليًا أفضل من الانتظار حتى يتفاقم نفوذها، وهو ما يؤشر إلى أن المواجهة بينهما كانت "حتمية"، وفقًا لاتجاهات عديدة. وقد انعكس ذلك في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فى آخر اجتماع حكومي له قبل الهجمات، حيث قال: "إننا مصممون على صد العدوان الإيراني ضدنا وهو في مهده حتى لو كان هذا ينطوي على صراع، وعاجلاً أفضل من آجلاً"، مبررًا ذلك بأن "إيران تحشد للمعركة"، وأن "الحرس الثوري الإيراني ينقل إلى سوريا على مدار الأشهر القليلة الأخيرة أسلحة متقدمة من أجل ضربنا في الجبهتين الأمامية والداخلية على حد سواء".

ومع ذلك، فإن اتجاهات أخرى ترى أن إسرائيل تبالغ في تقييم نتائج الضربة إلى حد ما، حيث أعلن وزير الدفاع افيجدور ليبرمان أن "الضربة قضت على كل الوجود العسكري الايرانى فى سوريا"، فى حين أن تقديرات الجيش التى أعلنت عقب الضربة تشير إلى أن " الضربة أعادت قدرات إيران إلى الوراء لعدة أشهر"، بما يعني أن هناك حدودًا واضحة للنتائج التي أسفرت عنها.

وبتحليل تقديرات المؤسسات الإسرائيلية المعنية، يتضح أن الهدف الإسرائيلي تركز على عرقلة إدارة عمليات إيرانية- سورية في مواجهة إسرائيل، عبر استهداف البنية الصاروخية، ومنع تحويل الجولان إلى "منطقة ملتهبة" ومنصة قصف صاروخي على النحو الذى كان يشكله الجنوب اللبناني في السابق، وهو ما يفسر القصف الكثيف على منطقة خان أرنبة ضمن الضربات.   

سيناريوهات محتملة:

يمكن تحديد ثلاثة سيناريوهات رئيسية للمواجهات المحتملة بين إسرائيل من جهة وكل من إيران والنظام السوري وحزب الله من جهة أخرى، هى:

1- سيناريو يدلين: والذي يرتبط بالأهداف التي حددها رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، عاموس يدلين، الذي قال في بداية مايو الجاري أن "هناك ثلاثة خيارات رئيسية للرد الإيراني المتوقع، وهى: إطلاق صواريخ من إيران وسوريا تستهدف إسرائيل، وهجوم بري من المناطق اللبنانية أو من الجزء غير المحتل من مرتفعات الجولان السوري، وهجمات تستهدف الإسرائيليين في الخارج". لكنه كان حريصًا على التقليل من احتمالات تحقق السيناريوهات "الأكثر إزعاجًا" لإسرائيل، بتأكيده على أن الإيرانيين "لا يفضلون إطلاق صواريخ مباشرة من إيران، لأن ذلك سيؤدي إلى حرب هم غير راغبين في نشوبها خلال هذه الفترة".

2- سيناريو رضائي: ويتضمن، حسب ما جاء في تصريحات قائد الحرس الثوري الأسبق أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، توجيه ضربات قوية ومباشرة إلى تل أبيب، حيث قال في هذا الإطار: "في حال أقدمت إسرائيل على أصغر تحرك ضد الجمهورية الإسلامية، فإن إيران ستسوي تل أبيب بالأرض ولن تمنحها فرصة للهرب". لكن اتجاهات عديدة ترى أيضًا أن إيران تبالغ في تهديداتها لإسرائيل، خاصة أنها حريصة حتى الآن على عدم الدخول في مواجهة مباشرة معها، في ظل انشغالها في مواجهة الضغوط التي فرضها الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

3- سيناريو الضربات التبادلية: ربما تحدد الضربة التالية من الجانب السوري مستوى استيعاب الضربة الإسرائيلية، خاصة مع تزايد احتمالات شن جولات قصف تبادلية أخرى بين تلك الأطراف. لكن مستوى التصعيد يحتمل أن يكون أقل حدة مع حرص الجانبين على عدم الانخراط في حرب شاملة تضر بمصالح كليهما. فلا يزال هناك مسرح عمليات محدود، لكن إشعال جبهات أخرى سيرفع من كلفة الحرب فى حال توسيع دائرتها وإدخال الوكلاء من جانب إيران، على غرار حزب الله وحماس.

ولذا، لا يبدو احتمال قيام إسرائيل، في المرحلة الحالية، بتوجيه ضربات داخل إيران نفسها، وتحديدًا على المنشآت النووية، على غرار ما فعلت في السابق داخل كل من العراق وسوريا قويًا، حيث أن ثمة صعوبات عديدة تواجهها في هذا السياق، وترتبط بموقع تلك المنشآت، وامتلاك إيران منظومة "إس 300" الروسية الصنع ورد الفعل الإيراني على ذلك.

في النهاية، يمكن القول إن تقييم الضربات المتبادلة لا يزال يخضع لعملية تقييم دقيقة من جانب كل الأطراف المعنية بها، خاصة أنها ترتبط بملفات أخرى مهمة، على غرار الاتفاق النووي الذي دخل مرحلة تصعيد جديدة مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها منه وفرض عقوبات قوية على إيران، فضلاً عن نتائج الانتخابات اللبنانية وموقع حزب الله منها، إلى جانب رد الفعل الروسي تجاه المسارات المحتملة للضربات خلال المرحلة القادمة، حيث يتوقع أن تكون التفاهمات التي جرت بين إسرائيل وروسيا قبل الضربات الأخيرة محورًا لمحادثات بين الأخيرة وكل من إيران والنظام السوري، خاصة بعد أن أشارت تقارير عديدة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين "حرية" توجيه ضربات إلى إيران في سوريا، بما يعني أن التصعيد الحالي سوف يفرض تداعيات جديدة ليس فقط على مسارات الأزمة السورية وموقع الأطراف المنخرطة منها، وإنما أيضًا على العلاقات القوية بين موسكو وطهران، التي تعيد حاليًا تقييم اتجاهات تفاعلاتها مع تلك الأطراف على ضوء القرار الأخير الذي اتخذته واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي.