مغزى التوقيت:

لماذا اعترفت إسرائيل بتدمير المفاعل النووي السوري؟

27 March 2018


اعتادت إسرائيل أن تضفي نوعًا من التعتيم والغموض على بعض العمليات العسكرية التي تقوم بشنها داخل عدد من دول المنطقة، إلا أنها تعمدت عدم الالتزام بتلك القاعدة عندما أعلنت، في 21 مارس الجاري، مسئوليتها عن قصف وتدمير منشأة في مدينة الكُبر بمحافظة دير الزور السورية قالت أنها تضم مفاعلاً نوويًا كان النظام السوري يقوم بتطويره سرًا، في 6 سبتمبر 2007، وذلك بعد أكثر من عشرة أعوام من تنفيذ تلك العملية.

وفي الواقع، فإن هذه الخطوة تكتسب أهميتها الأساسية من توقيتها، حيث لا يمكن فصلها عن مجمل التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية، خاصة على صعيد التوتر المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النووي، أو على مستوى الترتيبات الأمنية والسياسية التي يجري العمل على صياغتها داخل سوريا خلال الفترة الحالية.

تهديدات مباشرة

رغم أن وزير الاستخبارات الإسرائيلية إسرائيل كاتس قال أن الكشف عن هذه العملية يمثل رسالة إلى إيران بأن إسرائيل لن تسمح لها بامتلاك قنبلة نووية، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن هذه الخطوة كان الهدف منها هو توجيه تحذيرات ليس إلى إيران فحسب، وإنما إلى العديد من القوى الدولية المعنية بالتطورات التي تشهدها المنطقة، بأن تل أبيب لن تتوانى عن التحرك في حالة ما إذا اعتبرت أن تلك التطورات تفرض تهديدات مباشرة لأمنها ومصالحها.

وبعبارة أخرى، فإن الرسائل التي حرصت إسرائيل على توجيهها عبر إعلان مسئوليتها عن قصف المفاعل السوري لا تنحصر في إيران، وإنما تمتد أيضًا حتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب روسيا.

توتر متصاعد

تبدي إسرائيل مخاوف عديدة تجاه التداعيات التي يمكن أن يفرضها الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1"، والنشاط الإيراني المتزايد في سوريا، والذي بدا جليًا في الجهود التي تبذلها الأخيرة من أجل توسيع نطاق وجودها العسكري داخل الأخيرة وتأسيس الممر الاستراتيجي الذي يبدأ من أراضيها ويمر عبر العراق وسوريا وينتهي في لبنان، لمواصلة تقديم دعمها لحلفائها في تلك الدول.

وفي رؤية تل أبيب، فإن الاتفاق النووي لن يعرقل مساعي إيران لامتلاك القنبلة النووية، في حالة ما إذا اتجهت إلى تبني هذا الخيار، خاصة في ظل العوائد التكنولوجية والاقتصادية التي حصلت عليها، فضلاً عن القيود النووية التي ستخفف تدريجيًا بعد مرور ثماني سنوات من الوصول للاتفاق. 

ومن دون شك، فإن ما يزيد من قلق تل أبيب هو استمرار إيران في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية، حيث أعلنت أنها باتت ضمن الدول الخمس الأولى على مستوى العالم في إنتاج تكنولوجيا الصواريخ، حسب تصريحات قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري امير علي حاجي زاده، في 7 مارس الجاري، كما رفضت كل الجهود التي بذلتها الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، من أجل إقناعها بضرورة تغيير موقفها تجنبًا لانهيار الاتفاق النووي بعد التحذيرات الأمريكية المتكررة في هذا السياق.

ويتوازى ذلك، مع اتجاه إيران إلى استغلال وجودها العسكري داخل سوريا لممارسة ضغوط على إسرائيل وتوجيه تهديدات مباشرة بإمكانية شن ضربات ضدها، في حالة ما إذا تعرضت الأولى لهجمات عسكرية بسبب الخلاف الحالي حول الاتفاق النووي، والذي قد لا يستمر خلال المرحلة القادمة، في ظل التحفظات المستمرة التي تبديها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاهه. 

وقد بدا ذلك جليًا في تطورين: يتمثل أولهما، في المواجهة العسكرية المحدودة التي اندلعت بين إسرائيل من جهة وكل من إيران والنظام السوري وحزب الله من جهة أخرى، في 10 فبراير 2018، بعد إسقاط طائرة "إف 16"، والتي يبدو، في رؤية اتجاهات عديدة داخل إسرائيل، أنها كانت متعمدة من جانب الطرف الأول في هذا التوقيت تحديدًا، استعدادًا، في الغالب، لمرحلة جديدة من التوتر قد تبدأ قريبًا بين تلك الأطراف.

وينصرف ثانيهما، إلى تعمد إيران إيفاد بعض قادة وكوادر الميليشيات الحليفة لها إلى الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، حيث وجهوا تهديدات مباشرة لإسرائيل مفادها أن الدور الذي تقوم به تلك الميليشيات ربما لا ينحصر في مساعدة النظام السوري على مواجهة قوى المعارضة والتنظيمات المسلحة، وإنما قد يتسع ليشمل مهام جديدة، من بينها استهداف مصالح إسرائيل.  

ومن هنا ربما يمكن تفسير أسباب الزيارات التي قام بها كل من قيس الخزعلي أمين عام ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، وحمزة أبو العباس قائد "لواء الإمام الباقر" إلى جنوب لبنان في 9 و27 ديسمبر 2017، حيث أعلنا دعمهما لحزب الله في أى حرب محتملة قد تندلع في الفترة القادمة مع إسرائيل.

ضغوط مستمرة

فضلاً عن ذلك، فإن إسرائيل تحاول من خلال الكشف عن تلك الخطوة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اتخاذها، ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفين: أولهما، دفع الأخيرة نحو الإصرار على ضرورة إجراء تعديلات في الاتفاق النووي تضعف من أية احتمالات لنجاح إيران في الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرات اللازمة لإنتاج القنبلة النووية.

ولذا، يبدو أن تل أبيب تتابع بدقة الجهود الحثيثة التي تبذلها الدول الأوروبية في الفترة الحالية من أجل تجنب انهيار الاتفاق النووي، حيث تسعى إلى إقناع طهران وواشنطن بإمكانية إبرام اتفاق تكميلي يعالج الإشكاليات التي يتضمنها الاتفاق الحالي. ومن هنا، ترى تل أبيب أن التهديدات الضمنية التي وجهتها عبر تلك الخطوة يمكن أن تدفع الدول الأوروبية إلى الاستمرار في ممارسة ضغوط من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق الذي قد يساعد في تقليص مخاوفها تجاه المسارات المحتملة للبرنامج النووي الإيراني في المرحلة القادمة.

وثانيهما، الإيحاء بأنها لن تنتظر الحصول على ضوء أخضر قبل أن تقوم بشن عمليات عسكرية ضد أية أهداف قد ترى أنها تهدد مصالحها، خاصة داخل سوريا، حيث ترى اتجاهات عديدة داخل تل أبيب أن السياسة التي تبتناها الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا لم تعرقل مساعي إيران لتكريس نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي داخل الأخيرة، وأن ذلك يتطلب منها القيام بما يلزم لتقليص حدة المخاطر التي قد ينتجها ذلك على أمنها.

ومن دون شك، فإن روسيا تبدو طرفًا معنيًا بهذه الرسالة أيضًا، وفقًا للرؤية الإسرائيلية، في ظل التنسيق العسكري والأمني المتواصل بين موسكو وطهران على الأراضي السورية، وتجنب الأولى المشاركة في أية جهود تهدف إلى إضعاف نفوذ إيران العسكري على الأرض، خاصة أنها كانت ترى في هذا النفوذ آلية لتعديل توازنات القوى داخل سوريا لصالح نظام الأسد، في ظل حرصها على المشاركة في دعم الأخير سواء عبر شن ضربات جوية على مواقع الأطراف المناوئة له، أو من خلال استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور أية قرارات إدانة ضده، مع العزوف في الوقت ذاته عن التدخل بقوات على الأرض، حيث تولت إيران والقوات النظامية والميليشيات الحليفة تلك المهمة بشكل مباشر.

وفي النهاية، يبدو أن تلك الخطوة سوف تكون بداية لمرحلة جديدة من التصعيد سوف تعمد فيها الأطراف المنخرطة إلى توجيه تحذيرات متبادلة، ربما انتظارًا لاستحقاقات استراتيجية قد تشهدها المنطقة في مرحلة ما بعد 12 مايو القادم، الذي ستوضح فيه واشنطن موقفها بالبقاء في الاتفاق النووي أو الانسحاب منه.