أزمات متتالية:

ماذا يسعى "داعش" إلى توسيع نشاطه داخل داغستان؟

26 March 2018


يبدو أن تنظيم "داعش" لا يزال حريصًا على مواصلة مساعيه للانتشار وتأسيس بؤر إرهابية في مناطق جديدة، وهو ما انعكس في ظهوره اللافت داخل جمهورية داغستان في منطقة القوقاز الروسية، حيث أعلن مسئوليته عن بعض الهجمات الإرهابية التي تم تنفيذها خلال الفترة الماضية، وكان آخرها إطلاق النار على كنيسة في منطقة كيزليار في 18 فبراير 2018، بشكل أدى إلى مقتل خمسة أشخاص وجرح اثنين آخرين، على نحو بات يطرح تساؤلات عديدة حول أهداف التنظيم من رفع مستوى نشاطه داخل داغستان والتداعيات المحتملة التي قد يفرضها ذلك خلال الفترة القادمة.

اهتمام ملحوظ:

ركز تنظيم "داعش" على استهداف داغستان تحديدًا في منطقة القوقاز، وهو ما بدا جليًا في تنفيذه للعديد من العمليات الإرهابية داخل الأخيرة خلال العامين الأخيرين، على نحو لا يمكن فصله عن مجمل التطورات التي طرأت على الساحتين السورية والعراقية خلال الفترة نفسها، خاصة فيما يتعلق بتصاعد مستوى الانخراط الروسي في الصراع السوري منذ سبتمبر 2015، حيث كانت روسيا طرفًا رئيسيًا داعمًا للنظام السوري في مواجهة التنظيمات المسلحة وقوى المعارضة.  

وقد أشارت تقديرات روسية عديدة إلى أن التنظيمات الإرهابية التي تنشط خارج روسيا، وخاصة "داعش"، تمكنت من استقطاب عدد ليس قليلاً من مواطني داغستان للانضمام إليها، رجح وزير الداخلية الداغستاني عبد الرشيد محمدوف، في مارس 2017، أن يكونوا قد وصلوا إلى نحو 1200 إرهابي، وهو ما اعتبرت اتجاهات عديدة أنه كان نتيجة لانتقال بعض العناصر الإرهابية التي شاركت في الحرب داخل الشيشان إلى داغستان بعد انتهاء الحرب في الأولى، على نحو أثر على حالة الأمن والاستقرار داخل الأخيرة، وساهم في تزايد التحذيرات من إمكانية اندلاع موجة إرهابية أكثر قوة خلال المرحلة القادمة، سواء في داغستان أو في معظم دول المنطقة. 

 أهداف مختلفة:

يمكن تفسير تزايد اهتمام تنظيم "داعش"، وغيره من التنظيمات الإرهابية، بتعزيز نفوذه في منطقة القوقاز، وخاصة داخل جمهورية داغستان، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- خيارات متعددة: يسعى التنظيم إلى توسيع هامش الحركة المتاح أمامه من خلال التعويل على المجموعات الفرعية الخارجية التي أعلنت تبعيتها له، في دول مثل الفلبين والصومال ومنطقة الساحل والصحراء في إفريقيا إلى جانب داغستان، حيث ترى قيادات عديدة داخل التنظيم أن ذلك قد يساعد في استهداف مصالح أكثر من دولة معنية بالحرب ضده في منطقة الشرق الأوسط.

2- تجنيد عناصر جديدة: حرص "داعش"، خلال العامين الماضيين، على تجنيد عناصر جديدة من الدول أو المناطق التي ينشط فيها، بهدف الاعتماد عليها خلال المرحلة القادمة، في ظل عدم قدرته على استقطاب عناصر جديدة للانتقال إلى سوريا أو العراق، بسبب الضغوط القوية التي يتعرض لها، وقد انعكست مؤشرات هذا التوجه في إعلان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، في 14 مارس الجاري، عن تفكيك خلية "داعشية" تتكون من 60 شخصًا وكانت تقوم بتجنيد بعض العناصر المحلية لصالح التنظيم بهدف إرسالهم إلى سوريا والعراق للمشاركة في المواجهات المسلحة التي ينخرط فيها.

3- تفعيل دور "ولاية القوقاز": والتي أعلن عن تأسيسها في منطقة شمال القوقاز التابعة لروسيا في 23 يونيو 2015، حيث تحاول توسيع نطاق نفوذها داخل التنظيم في المرحلة القادمة، من خلال استغلال انضمام عناصر إرهابية إليها تمتلك قدرات عسكرية وتكنولوجية لا تبدو هينة. ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن حرص "داعش" على نشر بعض إصداراته باللغة الروسية منذ تصاعد نفوذه في منتصف عام 2014، وذلك لتعزيز نشاطه في تلك المنطقة.

تداعيات محتملة:

ربما تفرض محاولات "داعش" تعزيز نشاطه داخل داغستان بعض التداعيات المحتملة التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- اتساع نطاق الهجمات الداخلية: تمثل الهجمات الإرهابية التقليدية، خاصة التي تستهدف المدنيين وقوات الشرطة والجيش، إحدى آليات النشاط الخارجي لـ"داعش"، لا سيما في المناطق التي لا تخضع لسيطرته، وهو ما يدفعه إلى الاعتماد على العمليات الخاطفة التي يسعى من خلالها إلى إثبات قدرته على دعم نفوذه ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها. ومن هنا ترجح اتجاهات عديدة أن تشهد داغستان هجمات إرهابية أخرى من جانب التنظيم الذي سيعتمد، في الغالب، على ما يسمى بـ"الذئاب المنفردة" للقيام بها.

2- تهديد مصالح روسيا: وهو ما بات يكتسب اهتمامًا خاصًا من جانب التنظيم، ليس فقط بسبب الدور البارز الذي تمارسه موسكو على الساحة السورية منذ تصاعد انخراطها العسكري في سبتمبر 2015، وإنما أيضًا بسبب ما تطلق عليه اتجاهات عديدة "تراكمات" الحرب السوفيتية في أفغانستان.

ومن دون شك، فإن الهزائم القوية التي تعرض لها التنظيم داخل كل من سوريا والعراق قد تدفع بعض عناصره إلى الاتجاه نحو العودة إلى مناطقها الرئيسية مرة أخرى، وهو ما حذر مسئولون روس من تداعياته المحتملة، على غرار مدير الاستخبارات الروسية ألكسندر بورتنيكوف، الذي قال، في 12 ديسمبر 2017، أن عودة عناصر التنظيم إلى الأراضي الروسية أصبحت تمثل خطرًا حقيقيًا، مشيرًا إلى الكشف عن خلية "داعشية" تضم عناصر من آسيا الوسطى كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية خلال رأس السنة وحملة الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 18 مارس الحالي.

3- انضمام مجموعات جديدة: قد يدفع تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في تلك المناطق بعض المجموعات الإرهابية الأخرى إلى إعلان انضمامها له، وهو اتجاه ربما يدعمه التنظيم، الذي استقطب عناصر إرهابية تمتلك قدرات بشرية وعسكرية تستطيع استغلالها في تجنيد تلك المجموعات وإقناعها بتنفيذ عمليات إرهابية لصالح التنظيم. 

ويمكن القول في النهاية إن هذه الاحتمالات في مجملها سوف تدفع روسيا، في الغالب، إلى رفع مستوى التنسيق الأمني مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، من أجل الاستعداد لمواجهة أية تداعيات قد يفرضها تراجع دور التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق على أمنها ومصالحها خلال المرحلة القادمة.