إشكاليات متعددة

هل يمكن أن تشهد إيران انتخابات رئاسية مبكرة؟

04 March 2018


واصل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد شن حملة قوية ضد حكومة الرئيس حسن روحاني وبعض مسئولي السلطات الرئيسية في النظام. ورغم أنه حاول تجنب توجيه انتقادات مباشرة للمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، إلا أن ذلك لا ينفي أن رسالته الأخيرة التي وجهها إلى المرشد، في 19 فبراير الجاري، تحمل مضامين سلبية عديدة للنظام، خاصة لجهة الإشارة إلى تأثير السياسات التي يتبناها الأخير على الأوضاع الداخلية ووجود تدخل قوي من جانب مؤسساته في اختيار المرشحين للاستحقاقات الانتخابية المختلفة.

ويبدو أن ذلك سوف يدفع النظام إلى تبني آليات جديدة للتعامل مع محاولات أحمدي نجاد العودة مرة أخرى إلى الساحة السياسية بعد خروجه منها عقب انتهاء فترته الرئاسية الثانية في عام 2013 وفشله في المرور من "فلترة" مجلس صيانة الدستور في الانتخابات الرئاسية عام 2017.

عقبات مختلفة:

شهدت إيران بعد الثورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في فترات مختلفة، خاصة في العقد الأول (1980-1990)، وذلك نتيجة التطورات السياسية والأمنية المتسارعة التي طرأت على الساحة الداخلية، على غرار طرح مجلس الشورى الثقة في الرئيس الإيراني الأول أبو الحسن بني صدر وخروجه من إيران في يونيو 1981، ثم اغتيال الرئيس الثاني محمد علي رجائي في أغسطس من العام نفسه، وبعدها تصعيد الرئيس الثالث علي خامنئي إلى منصب المرشد في يونيو 1989 بعد وفاة الخميني.

لكن ذلك لا ينفي أن تكرار التجربة نفسها في المرحلة الحالية يواجه عقبات عديدة لا تبدو هينة، يتمثل أبرزها في:

1- ولاء روحاني: ما زال الرئيس حسن روحاني حريصًا حتى الآن على إعلان ولائه للنظام وقيادته العليا ممثلة في خامنئي، بل إنه تعمد خلال الفترة الأخيرة تبني السياسة المتشددة نفسها التي يتبعها النظام في التعامل مع التطورات الداخلية والخارجية، على غرار إصداره تعليمات بالبدء في إنتاج وحدات للدفع النووي البحري ردًا على العقوبات التي تتعرض لها إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

واللافت هنا، هو أن هذا الموقف لا يقتصر على روحاني فحسب، بل يمتد إلى معظم أقطاب تيار المعتدلين، بما فيهم الإصلاحيين والمحافظين التقليديين، على نحو بدا واضحًا في عزوفهم عن تأييد بعض الاحتجاجات التي شهدتها إيران بداية من 28 ديسمبر 2017، وحرصهم على تأكيد ولائهم للنظام.

2- أزمة جديدة: قد يعزز اتجاه النظام إلى تفعيل تلك الآلية من اندلاع أزمة سياسية جديدة يبدو في أمس الحاجة إلى تجنبها على الأقل في المرحلة الحالية، خاصة أن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يعني إضعاف نفوذ تيار المعتدلين داخل السلطة، وربما دفعه إلى الخروج منها تدريجيًا، على غرار ما حدث مع الإصلاحيين عقب انتهاء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق محمد خاتمي عام 2005.

وهنا، فإن النظام قد يغامر بمواجهة أزمة أكبر من تلك التي نشبت في عام 2009 عندما اعترض أنصار المرشحين الرئاسيين السابقين مير حسين موسوي ومهدي كروبي على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في هذا العام وأسفرت عن فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، وشككوا في حيادية مجلس صيانة الدستور، المسئول عن الإشراف على تلك الاستحقاقات.

3- ضغوط متوازية: تتعرض إيران في الفترة الحالية لضغوط مزدوجة إقليمية ودولية، بشكل يفرض خيارات محدودة أمام النظام للتعامل مع المعطيات الجديدة التي ينتجها تصاعد حدة الصراع بين القوى السياسية الداخلية. فقد وصل الاتفاق النووي إلى مرحلة حرجة، بعد اقتراب المهلة التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجراء تعديلات رئيسية فيه على الانتهاء في مايو 2018 دون أن تظهر في الأفق مؤشرات تدعم من احتمالات حدوث ذلك.

كما اتسعت مساحة التوافق بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع إيران، سواء فيما يتعلق بالاتفاق النووي أو البرنامج الصاروخي أو التدخل الإيراني في الأزمات الإقليمية المختلفة، على نحو انعكس بشكل واضح في مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا إلى مجلس الأمن، بالتشاور مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، في 18 فبراير الجاري، ويدين تقاعس إيران عن وقف تهريب الصواريخ إلى حركة "أنصار الله" الحوثية.

ورغم أن روسيا استخدمت حق الفيتو لمنع صدور هذه الإدانة، في الجلسة التي عقدت في 26 فبراير، إلا أن مجرد إعداد مشروع من قبل الدول الثلاث يمثل رسالة قوية لإيران بأن إصرارها على مواصلة سياستها الحالية سوف يفرض تداعيات سلبية عديدة عليها.

ويتوازى ذلك مع تصاعد حدة التوتر في علاقات إيران مع كثير من دول المنطقة، بسبب دعمها للتنظيمات الإرهابية وتدخلها في الشئون الداخلية وتهديداتها المستمرة لأمنها واستقرارها.

4- شرعية مهتزة: ربما تمس أى استجابة محتملة لمثل تلك المبادرات شرعية النظام السياسي في الصميم، إذ أن ذلك قد يضفي مزيدًا من الوجاهة والزخم على الاتهامات التي توجه للأخير باستمرار بإمعانه فيما يسمى بـ"هندسة" الانتخابات، عبر تكليف مجلس صيانة الدستور باختيار المرشحين الذي يريدهم النظام واستبعاد الآخرين الذين يتبنون توجهات لا تتوافق مع سياساته، على غرار ما حدث في الاستحقاقات السياسية السابقة.

واللافت في هذا السياق، هو أن أحمدي نجاد تعمد الإشارة إلى هذه الآلية تحديدًا في رسالته إلى المرشد، بمطالبته للأخير بـ"إجراء انتخابات حرة وعادلة، وترك حرية الاختيار للإيرانيين من دون هندسة من جانب مجلس صيانة الدستور". وهنا، فإن تلك المبادرة تواجه معضلة رئيسية، تتمثل في أن فوز أحمدي نجاد نفسه في عام 2009 كان مشكوكًا فيه، حيث طالبت حركة الاحتجاج على نتائج الانتخابات بإعادة فرز الأصوات، بعد أن زعمت أنه تم تزويرها لصالح الرئيس السابق.

هذا التشكيك في شرعية فوز أحمدي نجاد أعاد المتحدث باسم السلطة القضائية عباس على كدخائي تجديده مرة أخرى، بعد رده على مبادرة الأول، حيث قال أنه سعى بنفسه إلى "هندسة الانتخابات في عام 2009"، وهو ما يضفي مزيدًا من الزخم على الاتهامات السابقة التي وجهتها "الحركة الخضراء" للسلطات الإيرانية في العام نفسه.

5- مصالح سياسية: ترى اتجاهات عديدة أن الرئيس السابق يحاول من خلال هجومه المتواصل على بعض أقطاب النظام، خاصة الشقيقين على وصادق لاريجاني، إلى جانب الرئيس روحاني، اكتساب أرضية سياسية استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية القادمة، لا سيما انتخابات مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية التي سوف تجرى فى عامي 2020 و2021. ويبدو أن ذلك سوف يدفع النظام إلى العودة من جديد لاستخدام "فلترة" مجلس صيانة الدستور من أجل منع فريق أحمدي نجاد من استثمار التطورات السياسية الحالية لتعزيز نفوذه مرة أخرى، خاصة بعد أن استنفد كل الفرص التي منحها النظام له من أجل عدم التمرد على القواعد السياسية التي يحددها الأول. 

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن أزمة عام 2009 واحتجاجات عام 2017 ما زالت تفرض تداعيات مباشرة على التفاعلات التي تجري بين القوى السياسية الإيرانية، بما يعني أن النظام لم ينجح في التعامل معها رغم كل الآليات الأمنية والاقتصادية التي استند إليها، وهو ما يقلص من قدرته على إضعاف احتمالات اندلاعها مرة أخرى.