تنافس محتمل:

هل أجرت حركة "الشباب" الصومالية تغييرات في توجهاتها؟

28 February 2018


اتجهت حركة "شباب المجاهدين" الصومالية إلى تصعيد عملياتها الإرهابية في الفترة الأخيرة، بشكل أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص، سواء من المدنيين أو العسكريين، حيث بدأت تحرص على توسيع نطاق استخدامها للسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية في تنفيذ تلك الهجمات، وهو ما يفرض مزيدًا من التحديات أمام الحكومة الصومالية التي تسعى إلى تعزيز قدرتها على مواجهة التنظيمات الإرهابية في ظل حالة عدم الاستقرار التي تواجهها الصومال، على المستويين الأمني والسياسي.

وبدا أن الحركة تحاول عبر الهجمات الإرهابية التي تنفذها، وآخرها في 23 فبراير الجاري، توجيه رسالة بأن لديها القدرة على عرقلة الجهود التي تبذلها الحكومة في هذا السياق، خاصة أنها باتت تركز على بعض المؤسسات الرئيسية داخل العاصمة مقديشيو، حيث وقع الهجوم الأخير بالقرب من القصر الرئاسي ومقري جهاز الأمن والاستخبارات، عبر تفجير سيارتين مفخختين، وهو ما أدى إلى مقتل 45 شخصًا ما بين مدني وعسكري وإصابة 36 آخرين، بما يدعم من احتمالات اندلاع موجة جديدة من العمليات الإرهابية في الصومال خلال الفترة القادمة.

ملامح جديدة:

أبدت الحركة، منذ أكثر من عام، اهتمامًا ملحوظًا بتنفيذ عمليات نوعية تهدف إلى إسقاط أكبر عدد من الضحايا، بغض النظر عن كونهم مدنيين أو عسكريين، وهو ما يعد، وفقًا لاتجاهات عديدة، تحولاً نوعيًا في توجهاتها، يمكن تناول أبرز ملامحه على النحو التالي:

1- الاتجاه نحو الداخل: تشير الهجمات التي نفذتها الحركة خلال العامين الماضيين إلى أنها بدأت تركز على استهداف الداخل أكثر من الخارج، حيث كانت الحركة حريصة، في الفترة الماضية، على توسيع نطاق عملياتها لتتجاوز حدود الصومال إلى دول الجوار، وخاصة كينيا، التي وقعت فيها عمليات إرهابية عديدة، كان أبرزها الهجوم على جامعة غاريسيا في مايو 2015، وقبلها الهجوم على مركز التسوق التجاري "ويستغيت" بالعاصمة نيروبي، في أكتوبر 2013، وهو ما يكشف أن الحركة تتعرض لضغوط إقليمية قوية في الفترة الحالية دفعتها إلى تقليص اهتمامها بتنفيذ عمليات إرهابية في الخارج.

ومن هنا، ربما يمكن تفسير مسارعة الحركة إلى إعلان مسئوليتها عن الهجوم الأخير الذي استهدف القصر الرئاسي ومقرى الأمن والاستخبارات، حيث أصدرت بيانًا نشرته على شبكة الإنترنت قبل انتهاء الاشتباكات التي نشبت عقب تنفيذ الهجوم، بما يعني أنها كانت حريصة على استخدام هذا الهجوم كمؤشر لاتجاهها نحو رفع مستوى استهدافها لمؤسسات الدولة.

2- استهداف المدنيين: حرصت الحركة في الفترة الماضية على تركيز عملياتها الإرهابية ضد قوات الأمن والجيش، إلا أنها بدأت مؤخرًا في توسيع نطاق الأهداف التي يمكن أن تنفذ هذه العمليات ضدها، حتى لو كانت أهدافًا مدنية، وهو ما انعكس في الهجوم الذي نفذه أحد عناصرها باستخدام سيارة ملغومة داخل أحد الشوارع المزدحمة بالمواطنين بالعاصمة مقديشيو، في 17 مارس 2017، على نحو أسفر عن مقتل 15 مدنيًا على الأقل وإصابة 17 آخرين، وذلك قبل أن تسيطر على مدينة عليبور الاستراتيجية وسط الصومال عقب انسحاب القوات الإثيوبية التي كانت تعمل ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية منها في 3 إبريل من العام نفسه.

3- تبني توجهات "داعشية": رغم أن الحركة لا تتبع تنظيم "داعش"، إلا أن ذلك لا ينفي أنها بدأت تتجه تدريجيًا نحو تبني الفكر التكفيري، الذي ينتهجه التنظيم الأخير، وهو ما أدى إلى انشقاق بعض المجموعات والقيادات عنها، مثل مختار ربو الذي يلقب بـ"أبو منصور"، والذي سلم نفسه مع بعض أنصاره إلى الحكومة الصومالية، في أغسطس 2017، نتيجة اتساع نطاق خلافاته مع قيادات الحركة حسب زعمه.

دوافع مختلفة:

يمكن تفسير هذا التحول الجديد في توجهات الحركة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- توجيه تهديدات لأطراف أخرى: تشير اتجاهات عديدة إلى أن الحركة تحاول من خلال تلك العمليات ممارسة ضغوط أقوى على الجماعات الإرهابية الأخرى الموجودة على الساحة، ودفعها إما إلى حل نفسها أو الاندماج داخل الحركة، فضلاً عن تعزيز قدرة الأخيرة على تجنيد مزيد من العناصر التي تتبنى توجهاتها.  

2- عرقلة سياسات الحكومة: خاصة بعد أن منحت الأخيرة الأولوية لمحاربة الإرهاب، وبدأت في رفع مستوى التنسيق الأمني مع العديد من دول الجوار وبعض القوى الإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، بما يعني أن تعمد الحركة تصعيد عملياتها في هذا التوقيت يهدف إلى إرباك خطط الحكومة واستنزاف جهودها في التعامل مع تداعيات العمليات الإرهابية المتواصلة التي تقوم الحركة بتنفيذها.

3- ترسيخ النفوذ: تمثل الهجمات الإرهابية إحدى أهم الآليات التي تستند إليها التنظيمات الإرهابية لترسيخ دورها وتثبيت أركانها، خاصة أنها ترى أن مستوى العنف في تلك العمليات يفرض تأثيرًا مباشرًا على اتجاهات التفاعل مع التنظيمات الإرهابية الأخرى. ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن حرص تنظيم "القاعدة" خلال الفترة الحالية على إعادة تصعيد نشاطه واستغلال مرحلة التراجع التي يمر بها تنظيم "داعش" لتحقيق هذا الهدف. ولذا، تعمدت الحركة توجيه ضربات قوية ضد المجموعة التابعة لـ"داعش" داخل الصومال ويقودها عبد القادر مؤمن، وذلك لعرقلة مساعيها نحو التمدد داخل مناطق جديدة، إلا أن ذلك لا ينفي أن تلك المجموعة ما زالت لديها القدرة على تحدي نفوذ الحركة في بعض المناطق، وربما تتعمد تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في إطار الرد على محاولات الأخيرة تكريس نفوذها باعتبارها التنظيم الإرهابي الأبرز داخل الصومال.

وعلى ضوء ذلك، لا تستبعد تقارير مختلفة أن تتحول الصومال إلى ساحة تنافس بين الحركة "القاعدية" والمجموعة "الداعشية" خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل تطلع تنظيم "داعش" إلى البحث عن بؤر جديدة يستطيع تكريس نفوذه فيها بعد خروجه من معظم المناطق التي كان يسيطر عليها في الأعوام الأربعة الماضية.