مؤشرات انكماش:

كيف سيؤثر التوتر السياسي على حركة السياح الألمان إلى تركيا؟

12 September 2017


اتسع نطاق الخلافات بين ألمانيا وتركيا على مدار الأشهر الماضية، وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في الانتقادات التي توجهها العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، إلى تركيا بسبب انتهاكات الحريات العامة وحقوق الإنسان، فضلا عن اتجاه الأخيرة إلى اعتقال مواطنين ألمان، واتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لألمانيا بـ"دعم الشعبوية" بعد إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها ستبحث مع القادة الأوروبيين مسألة إنهاء محادثات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي.

ونتيجة لذلك، أصدرت ألمانيا، في يوليو الماضي، تحذيرات عديدة للأفراد من الذهاب لتركيا خشية الاعتقال التعسفي، كان لافتًا أنها قامت بتجديدها في سبتمبر الجاري، بعد اعتقال مواطنين ألمان في أحد المطارات التركية، وهو ما يبدو أنه سوف يفرض تأثيرات على حركة السياحة الألمانية إلى تركيا. وقد أشارت تقديرات العام الماضي إلى انخفاض حاد في عدد السياح الألمان في تركيا، ولا شك أن ارتفاع مستوى المخاطر الأمنية كان له دور هام في هذا التراجع.

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن هذه التحذيرات الأمنية المتكررة الصادرة من ألمانيا سوف تتسبب في تراجع مكانة تركيا كوجهة سياحية مفضلة لدى الألمان، بشكل سيقود إلى انخفاض أكبر في أعداد السياح الألمان الوافدين لتركيا، وهو ما حدث بالفعل وفق ما أوضحته مؤشرات واستطلاعات رأى عديدة أجريت في الأشهر الماضية، بما قد يفرض في النهاية تداعيات سلبية جديدة على قطاع السياحة التركي الذي تكبد خسائر متزايدة على مدار العامين الماضيين. وربما تمتد تداعيات التوتر مع ألمانيا إلى اتخاذ تدابير عقابية أكبر قد تشمل وقف صفقات الأسلحة أو تجميدها، أو وقف تمويل بعض المشاريع، وهو ما سيكون له تأثير أكبر على الاقتصاد التركي.

خلافات متعددة:

على مدار العامين الماضيين، توترت علاقات تركيا مع أهم شركائها الاقتصاديين الرئيسيين، الأمر الذي أنتج ضغوطًا إضافية على اقتصادها المتعثر بسبب ارتفاع حدة المخاطر الأمنية والجيوسياسية في البلاد خلال الفترة الماضية. فعلى خلفية إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية على الحدود السورية- التركية في نوفمبر 2015، فرضت روسيا مجموعة من العقوبات الواسعة على تركيا شملت مختلف قطاعات السياحة والتجارة الخارجية والمقاولات، ولم تتعافى منها سوى منذ أشهر قليلة عندما أعادت روسيا تطبيع علاقتها الاقتصادية معها بشكل كلي منذ مايو 2017.

فيما تأثرت أيضًا علاقات أنقرة مع شركائها الأوروبيين بشدة، ولا سيما في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو 2016. وعلى الأخص، شهدت علاقتها مع ألمانيا توترًا ممتدًا على مدى الشهور الماضية لأسباب عديدة يتمثل أبرزها في توجيه دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا، انتقادات متكررة للحكومة التركية بسبب انتهاكات الحريات العامة وحقوق الإنسان في البلاد، وذلك على خلفية حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها السلطات التركية ضد بعض الموظفين العموميين وعدد من الصحفيين والعسكريين على مدار الأشهر الماضية.

وفي هذه الأثناء أيضًا، تعرض عدد من المواطنين الألمان للاعتقال استنادًا إلى اتهامات مختلفة، فيما رفضت ألمانيا في الوقت نفسه تسليم ضباط من الجيش التركي تدعي تركيا تورطهم في محاولة الانقلاب الفاشلة، كما أشارت اتجاهات عديدة إلى رفض الحكومة الألمانية تجميد أصول جماعة فتح الله جولن في ألمانيا، والتي تصنفها تركيا كمنظمة إرهابية وتتهمها بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الأخيرة.

وقد فاقم من حدة التوتر بين الدولتين رفض المسئولين المحليين الألمان السماح للرئيس التركى رجب طيب أردوغان بتنظيم حملة ترويجية وسط الجالية التركية في ألمانيا لتأييد الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي أجرى في أبريل الماضي. 

تحذيرات متتالية:

 وفي ظل التوترات السابقة والتي قد تُعرِّض السياح الألمان لمخاطر داخل تركيا، أصدرت الحكومة الألمانية سلسلة من التحذيرات للسفر إلى تركيا على مدار الأشهر الماضية. وفي هذا السياق قالت وزارة الخارجية الألمانية في 20 يوليو الماضي: "الأشخاص الذين يسافرون إلى تركيا لأسباب خاصة أو تجارية يتعين عليهم توخي مزيد من الحذر".

وفي تطور آخر، جددت وزارة الخارجية الألمانية، في 5 سبتمبر الحالي، تحذيراتها لمواطنيها المسافرين إلى تركيا "من أنهم يجازفون بالتعرض للاعتقال التعسفي حتى في المناطق السياحية"، وذلك بعد اعتقال مواطنين ألمانيين اثنين في مطار أنطاليا التركي خلال الأسبوع الأول من سبتمبر  الحالي وجرى لاحقًا الإفراج عن أحدهما. وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل: "لا يمكن أن نحرم السائحين من اتخاذ قرار السفر من عدمه... لكننا شرحنا بالتفصيل ما ينبغي أن تكونوا على علم به قبل ذهابكم".

تراجع محتمل:

 شهد عدد السياح الألمان الوافدين إلى تركيا انخفاضًا حادًا في العام الماضي، فمن أصل 25.4 مليون سائح في تركيا كان هناك 3.9 ملايين فقط من الألمان مقابل 5.6 مليون من أصل 36 مليون سائح في عام 2015. ولا شك أن تفاقم المخاطر الأمنية كان له دور هام في هذا الانخفاض، حيث شهدت تركيا منذ تصاعد حدة الصراع مجددًا مع حزب العمال الكردستاني بداية من عام 2015 هجمات متعددة في عدة مواقع سياحية، كما وقعت هجمات أخرى نفذها تنظيم "داعش" في العامين الماضيين، وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع أعداد السياح الوافدين إليها.

وعلى ما يبدو، فإن التوتر المستمر بين الدولتين سيضع عقبات أكثر أمام سفر الألمان إلى تركيا، فمن شأن التحذيرات الألمانية المستمرة أن تؤدي إلى تراجع صورة تركيا كوجهة سياحية آمنة لدى الألمان. ووفقًا لاستطلاع للرأى أجرته مؤسسة بحوث الرأي العام الألمانية على عينة مكونة من 5041 ألمانيًا خلال شهرى يوليو وأغسطس الماضيين، تبين أن 70% لا يرغبون في زيارة تركيا في ظل التوترات الحالية، في حين أشار 15% منهم إلى احتمال قيامهم بزيارة تركيا حاليًا، بينما لا يزال حوالي 6% فقط لديهم استعداد لقضاء إجازة في تركيا. 

ووفق بيانات وزارة السياحة والثقافة التركية، فقد انخفض عدد السياح الألمان لتركيا خلال النصف الأول من عام 2017 بنحو 10% فقط ليبلغ 1.9 مليون سائح ألماني مقارنة بـ2.1 مليون سائح خلال الفترة نفسها من عام 2016. لكن في ظل المعطيات الجديدة، فعلى الأرجح أن تشهد حركة السياح الألمان لتركيا مزيدًا من التراجع في الفترة المقبلة.

إذ من المحتمل أن تتجه شرائح من السياح الألمان لقضاء عطلاتها في دول أخرى بدلاً من تركيا، وهو الأمر الذي رجحته جمعية الفنادق التركية، التي أشارت، في إبريل الماضي، إلى انخفاض الحجوزات الألمانية لدى الفنادق التركية في مقابل ارتفاعها في دول أخرى مثل إسبانيا واليونان وبلغاريا وكرواتيا، بجانب مصر، ما يعني بالنهاية انخفاض حصة الألمان تدريجيًا ضمن إجمالي أعداد السياح الوافدين إلى تركيا.

ومن دون شك، فإن ذلك كله سينعكس في انخفاض عائدات السياحة التركية، والتي تراجعت بالفعل في عام 2016 بنحو 10 مليار دولار محققة 22.1 مليار دولار مقابل 31.4 مليار دولار في عام 2015.

 وختامًا، يمكن القول إن التوتر القائم بين تركيا وألمانيا سوف يتسبب، على الأرجح، في تراجع حركة السياحة الألمانية الوافدة لتركيا، وهو ما سيفرض متاعب إضافية للقطاع السياحي كله في تركيا خلال الفترة المقبلة.