نزاع إقليمي:

ماذا يعني الحسم السريع لمعركة " تلعفر" العراقية ؟

28 August 2017


على نقيض توقعات قيادات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تمكنت القوات العراقية من حسم معركة تحرير تلعفر سريعًا وبخسائر محدودة للغاية مقارنة بالمواجهات مع قوات داعش في المدن والبلدات العراقية الأخرى التي فرض التنظيم سيطرته عليها منذ يونيو 2014، إذ لم تستمر معركة تلعفر سوى أيام معدودة عقب إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدء العمليات العسكرية في 20 أغسطس 2017 بعد مرور أكثر من شهر على انتهاء معركة تحرير الموصل. وعلى الرغم من اختراق الجيش العراقي لغالبية أحياء ومناطق تلعفر، إلا أن تنظيم داعش لا يزال يتحصن ببعض المناطق على الحدود العراقية-السورية البالغ طولها 605 كلم، بالإضافة إلى احتمالات تنفيذ عناصر داعش هجومًا مفاجئًا ضد القوات العراقية المتمركزة في تلعفر.

لماذا "تلعفر"؟ 

يقع قضاء تلعفر في محافظة نينوى في شمال العراق، غرب مدينة الموصل بمسافة تقدر 70 كلم، كما أنها قريبة للغاية من حدود العراق مع سوريا، ويتبع قضاء تلعفر ثلاث نواحٍ إدارية هي: زُمار، وربيعة، والعياضية، ويحده من الشرق قضاء الموصل، ومن الشمال قضاء دهوك، ومن الغرب قضاء سنجار، ومن الجنوب قضاء الحضر.

ويُعد من أكبر أقضية المحافظة بعد مدينة الموصل، ويمثل سكانها تركيبة اجتماعية متنوعة، حيث يتوزعون قوميًّا بين العرب والتركمان، ومذهبيًّا بين السنة والشيعة، والتركمان هم الأكثر عددًا في المدينة، وقد سيطر تنظيم داعش على مدينة تلعفر في يونيو 2014.

وتأتي أهمية تحرير المدينة من سيطرة داعش، كونها آخر معاقل التنظيم في محافظة نينوى، فضلًا عن أن مدينة تلعفر تُعد من أهم معاقل تنظيم داعش، وتقع على طريق إمداده بين الموصل وسوريا، وستؤدي السيطرة عليها إلى تمكن القوات العراقية من السيطرة على الحدود بين العراق وسوريا.

 كما أن عددًا من قيادات داعش ينتمي إلى هذه المدينة بالأساس، وبعد تحرير الموصل انتقل المئات من عناصر التنظيم إليها، فضلًا عن أن المدينة تُعد محورًا للصراع الإقليمي الإيراني التركي على النفوذ في شمال العراق.

القوات المشاركة:

دفعت أهمية تحرير تلعفر إلى مشاركة عدد كبير من الفصائل والوحدات في عملية تحرير المدينة في إطار الاستفادة من خبرات تحرير مدينة الموصل وتطويق تواجد عناصر تنظيم داعش في المدينة، وتمثلت أهم الفصائل والقوات المشاركة في العمليات العسكرية فيما يلي:

1- الجيش العراقي، وتشمل مشاركته الفرقة المدرعة التاسعة، والفرقة الخامسة عشرة، والسادسة عشرة، وقوات المدفعية، والهندسة العسكرية، والطبابة العسكرية.

2- قوات مكافحة الإرهاب التابعة للعمليات الخاصة الأولى والثانية.

3- عدد من أفراد الشرطة الاتحادية التابعين للفرقة الآلية وفرقة الرد السريع والفرقة السادسة.

4- ألوية الحشد الشعبي، ومن ضمنها قوة من 5 آلاف مقاتل من تلعفر نفسها.

5- القوات الجوية العراقية بالتعاون مع طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

التطورات الميدانية:

انطلقت عملية تحرير تلعفر في 20 أغسطس 2017، وأحرزت القوات العراقية المشتركة تقدمًا في بعض المناطق منذ اليوم الأول للعملية، وصارت على بعد 30 كلم من حدود المدينة؛ حيث هدفت الخطة إلى كسر خطوط الصد الأولى لداعش حتى تتمكن القوات من التوغل إلى مركز المدينة، وتمكنت قوات الشرطة الاتحادية من تحرير منطقة العبرة الصغيرة بدعم من طيران الجيش العراقي.

وبعد مرور ثلاثة أيام على انطلاق عملية تلعفر تمكنت قوات الجيش العراقي من اقتحام مركز قضاء تلعفر من الجهات الشرقية والغربية والجنوبية للمدينة؛ حيث صرح الفريق الركن "عبدالأمير رشيد يار الله" قائد عمليات "قادمون يا تلعفر"، بأن قوات الفرقة المدرعة التاسعة والألوية 2 و11 و26 التابعة للحشد الشعبي تمكنت من اقتحام مركز مدينة تلعفر من جهتها الشرقية، وأن قوات جهاز مكافحة الإرهاب اقتحمت حي الكفاح أول أحياء المدينة.

بينما تولت بعض القوات الأخرى من جهاز مكافحة الإرهاب اقتحام المدينة من الجهة الجنوبية الغربية، وذلك بدعم من قوات المدفعية والقوات الجوية.

كما تمكنت قوات الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي من تأمين طريق حيوي للقوات شمال تلعفر، واقتحام حي التنك، وبحلول اليوم السادس واصلت القوات المشتركة تقدمها إلى مركز المدينة، وسيطرت على العديد من القرى المحيطة بمركز قضاء تلعفر وحي المعلمين، واستطاعت تحرير أجزاء كبيرة من حي الربيع وحي السعد واقتحام حي الطليعة وحي الربيع في ظل انسحاب عناصر داعش إلى أحياء أخرى من المدينة، وإقامة سواتر ترابية، ووضع كتل خرسانية لمنع تقدم القوات العراقية باتجاه مركز المدينة.

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية في اليوم السابع لإعلان انطلاق المعركة عن السيطرة على مركز مدينة تلعفر وقلعتها التاريخية الواقعة وسط المدينة، وبساتين تلعفر، والعديد من القرى، وفرض السيطرة بشكل كامل على جبل شيخ إبراهيم، وسلسلة جبال زمبر، وتحرير حي العروبة الثانية، والسلام، ومنطقتي حسن كوي والبواري، وإحياء القادسية الأولى والثانية والربيع، ليعلن بذلك جهاز مكافحة الإرهاب الذي اقتحم المدينة من محورها الجنوبي انتهاء مهامه القتالية.

كذلك أعلنت الشرطة الاتحادية التي تولت اقتحام المدينة من المحور الشمالي الغربي انتهاء مهامها القتالية أيضًا، وحتى القوات الأخرى المشاركة في القتال توشك إعلان مهامها القتالية في عملية تحرير مدينة تلعفر من سيطرة داعش بعد أن تمكنت من تحرير 27 حيًّا من مجموع 29 من أحياء المدينة؛ إلا أن قائد "عمليات قادمون يا تلعفر" ذكر أن "العمليات العسكرية مستمرة إلى حين تحرير ناحية العياضية والمناطق المحيطة بها".

سرعة الحسم:

تبدو معركة تحرير تلعفر من سيطرة تنظيم داعش أكثر سرعة وحسمًا إذا ما قورنت بالمعارك التي خاضتها القوات العراقية من أجل تحرير المدن الأخرى التي سيطر عليها داعش، لا سيما معركة تحرير الموصل الأقرب إلى تلعفر.

وقد تعود سرعة تحرير المدينة إلى أن تلعفر تعد أصغر كثيرًا من حيث المساحة والسكان مقارنةً مع مدينة الموصل التي تُعد ثاني أكبر مدن العراق، وإذا كان تحرير الجانب الأيسر من المدينة قد تحقق في وقت قصير فإن المعضلة كانت في جانبها الأيمن، أو ما يُعرف بالمدينة القديمة ذات الطرق الضيقة والبيوت المتلاصقة والأحياء المكتظة بالسكان، خاصةً عندما حاصر عناصر داعش الآلاف من المدنيين في هذه الأحياء، واستغلهم كدروع بشرية في المعركة.

من جانب آخر، فإن تنظيم داعش قد قاتل باستماتة في معركة الموصل نظرًا لأنها المدينة التي أعلن من خلالها "دولته المزعومة"، إذ حاول بمختلف الطرق والوسائل تجنيد المئات من المقاتلين، واستخدم حرب الشوارع والكمائن والألغام والسيارات المفخخة والقناصين للحفاظ على الموصل؛ إلا أن القوات العراقية استطاعت تحقيق نصر كبير في تحرير المدينة، وقامت باستعادة السيطرة عليها، بينما كان الحال بالنسبة لتلعفر مختلفًا، فهي أقل أهمية بالنسبة لداعش في ظل تلقيه الهزيمة تلو الأخرى.

يُضاف إلى ذلك تلك الخبرة المتزايدة والدروس التي اكتسبتها القوات العراقية خلال خوضها المعارك السابقة، لا سيما معركة الموصل، وهو ما ساهم في حسم معركة تلعفر بشكل أسرع من سابقتها.

ما بعد التحرير:

يثير التحرير السريع لمدينة تلعفر من قبضة تنظيم داعش تساؤلات متعددة حول كيفية إدارة مرحلة ما بعد التحرير، والتعامل مع التعددية القومية والمذهبية بالمدينة، ومعالجة المشكلات التي تسببت في ضعف المناعة المجتمعية للمدينة في مواجهة التمدد الداعشي.

وعلى الرغم من أن المعطيات الأولية لمرحلة ما بعد التحرير لا تنطوي على دلالات واضحة على مستقبل المدينة؛ إلا أن بعض المؤشرات تؤكد أن تلعفر ستكون محورًا للصراع على النفوذ الإقليمي، في ظل الحجم الضخم لمتطلبات إعادة الإعمار، وعدم توافر الموارد الكافية لإدارة هذه العملية في ظل السياسات الاقتصادية التقشفية وتراجع أسعار النفط.

ومن المرجح أن تكون تلعفر ركنًا أساسيًّا في التوترات بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان باعتبارها ضمن المناطق المتنازع عليها بين الطرفين، والتي تطالب القوى السياسية الكردية بتبعيتها للإقليم جغرافيًّا، وهو ما يجعل التصعيد حول السيطرة على المدينة مطروحًا بقوة.

وختامًا، تثير السيطرة على تلعفر صراعًا إقليميًّا بين كلٍّ من تركيا وإيران؛ حيث تسعى تركيا للسيطرة على المدينة لحماية التركمان فيها، وهو ما دفعها إلى التدخل العسكري في العراق ونشر قواتها في معسكر بعشيقة. وفي المقابل، تتمسك إيران بالسيطرة على المدينة لحماية الشيعة، وتأمين الممر الرابط بين طهران وبيروت، مما يزيد من احتمالات تجدد الصراع على السيطرة على تلعفر بين الفصائل العراقية والقوى الإقليمية الرئيسية وثيقة الصلة بالشأن العراقي.