نموذج جديد؟

تحركات السياسة الخارجية الهندية في العالم

30 April 2016


إعداد: عبدالغفار الديواني


شهدت السياسة الخارجية الهندية خلال السنوات القليلة الماضية حِراكاً كبيراً على المستويين الإقليمي والدولي، في محاولة لاستكشاف واستغلال أدوات القوة الصلبة والناعمة للدولة، من أجل زيادة نفوذها عالمياً.

وثمة العديد من النقاط التي يمكن ملاحظتها على السياسة الخارجية الهندية، ومنها الإفراط في استخدام مفهوم "سيادة الدولة"، واستغلال الأوضاع الاقتصادية في البلاد النامية.

وفي هذا الإطار، يأتي التقرير الصادر عن مركز بناء السلام النرويجي NOREF، والمُعنون بـ: "نموذج جديد؟ تحركات السياسة الخارجية الهندية على المستوى الدولي"، وأعده كل من "جاسون ميكليان" Jason Miklian، وهو باحث رئيسي في معهد أوسلو لأبحاث السلام، و"ديفيك شارما"، وهو مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية في جامعة دلهي.

ويتناول التقرير السياسة الخارجية الهندية في العالم، من خلال استعراض خلفية مُوجزة للتفاعلات الدولية للهند من رئيس الوزراء الراحل "نهرو" إلى رئيس الوزراء الحالي "مودي"، والملامح الجديدة للسياسة الخارجية الهندية، وتطبيقها في خمس قضايا عالمية.

نهج متغير

يشير التقرير إلى أن قيادة الهند لحركة عدم الانحياز في فترة الحرب الباردة، حددت مسارات علاقاتها الدولية وسياستها الخارجية، والتي تأثرت أيضاً بموقعها الجغرافي والاستراتيجي، بالإضافة إلى دور القيادة ومعتقداتها مُتمثلة في شخصية رئيس الوزراء الراحل "نهرو". وفي ظل قيادة "نهرو"، حاولت الهند التحرك في مسارين؛ أولهما برجماتي، حيث الدور العقلاني الذي عبَّر عن دولة حديثة الاستقلال، وثانيهما الدولي، إذ أراد "نهرو" نشر القيم المثالية في العالم. ومن ثم، هدف "نهرو" إلى وجود قوة آسيوية، مع رفض استخدام العنف في السياسة الدولية، وتفضيل الدبلوماسية.

وظلت فلسفة "نهرو" مُهيمنة، إلى حد كبير، على سياسة الهند طوال العقود التي تلت رحيله. ثم بدأت هذه القيم تقل في تأثيرها، خاصةً مع سياسات التحرر الاقتصادي التي بدأها حزب المؤتمر في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك التجارب النووية التي أجراها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في عام 1998، والتي زادت من النفوذ الهندي بعد فترة وجيزة من العقوبات والتبعية السياسية. كما وصلت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والهند إلى أعلى مستوياتها، وتعززت العلاقات التجارية والأمنية مع الصين على الرغم من القلق والتوتر بين الدولتين.

ويؤكد التقرير أن صعود "ناريندرا مودي" لرئاسة الوزراء في الهند عام 2014 توافق مع التطلعات الدولية للبلاد، فقد أصبحت نيودلهي أكثر سعياً في التحرك نحو شغل مكانة وسط القوى الكبرى على المستوى الدولي، بما يتوافق مع عظمة التاريخ الحضاري للهند. ودلل التقرير على ذلك، بالتحركات الهندية من الشرق إلى الغرب، وسعيها إلى بناء علاقات مترابطة مع الدول الغربية، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وآسيا الوسطى، والقطب الشمالي. وفي هذا الشأن، رأى الكثيرون أن سياسة "مودي" فريدة من نوعها، ومنافسة لسياسة "نهرو".

ملامح جديدة

يشير التقرير إلى أن إدارة "مودي" عملت على اكتشاف سياسات ومبادرات جديدة، لاستغلال القوة الصلبة والناعمة للدولة، من أجل تمدد تدريجي في مواجهة الصعود الصيني، وظهر ذلك فيما يلي:

1- القوة الصلبة: سعت الهند إلى زيادة قدراتها العسكرية البرية والبحرية والجوية بالشكل الذي جعلها من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم. وبالإضافة إلى توطد العلاقات الهندية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا من خلال الصفقات العسكرية، برزت إسرائيل باعتبارها مٌزوداً رئيسياً للهند بالتكنولوجيا العسكرية، ومن المتوقع أن توقع الدولتان عقداً قيمته 2 مليار دولار لتطوير المعدات الدفاعية عالية التقنية. وكان اعتراض الهند على التصويت ضد الانتهاكات الإسرائيلية في غزة عام 2014، مؤشراً على قوة العلاقات الثنائية بين البلدين، بعدما كانت نيودلهي تدعم الموقف الفلسطيني.

2- القوة الناعمة: استضافت الهند أحداثاً رياضية دولية مثل دورة ألعاب الكومنولث في عام 2010، والنجاح في وضع "المسبار الآلي" في مدار المريخ في سبتمبر 2014، مع انتشار العلامات التجارية الهندية حول العالم. كما ركزت خطابات "مودي"، في الداخل والخارج، على التراث الثقافي والحضاري للهند. وعلى الرغم من كل ذلك، لا تزال استراتيجية الهند في هذا الصدد بعيدة المنال بالمقارنة بالاستراتيجية الصينية.

أجندة الهند العالمية

في إطار السعي لفهم السياسة الخارجية للهند، حدد التقرير خمس قضايا لفهم تعامل نيودلهي معها، وهي تغير المناخ، وأمن الطاقة، والتكامل الاقتصادي البديل، والأمن الغذائي، والتدخل الإنساني، وذلك على النحو التالي:

1- التغيرات المناخية: أيدت الهند مبدأ "المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة طبقاً للقدرات المختلفة" CBDR، واعتبرت هذا المبدأ قاعدة للتفاوض فيما يتعلق بقضايا المناخ، مع تأكيد سعيها لمواجهة التحديات المناخية، ولكن مع ضمان الأمن والتنمية للشعب الهندي، وفقاً للخطة الوطنية لتغير المناخ. وفي سبيل ذلك، قامت الهند بعدة خطوات، من بينها الضغط على الدول المتقدمة لنقل التكنولوجيا لمواجهة التحديات المناخية بتكلفة أقل، ووضع سياسة تنظيمية لذلك.

2- أمن الطاقة: تواصل الهند مواجهة أزمة الطاقة، خاصةً في ظل تنامي اقتصادها، وتزايد تعدادها السكاني، ومن ثم كانت مساعي الدبلوماسية الهندية خلال السنوات القليلة الماضية للبحث عن مصادر ملائمة للطاقة من ناحية التكلفة والاستمرارية، من خلال إنشاء قطاع بوزارة الخارجية لأمن الطاقة في عام 2007 وتطويره. كما تمتلك الهند برنامجاً طموحاً لتوسعة الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

وفي إطار هذه الجهود، تعرضت الهند لانتقادات لتعاملها مع الدول التي لديها سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك أنجولا ونيجيريا كمُصدرين للنفط، وطاجيكستان كمُصدر لليورانيوم.

3- الأمن الغذائي: على الرغم من امتلاك الهند اقتصاداً زراعياً كبيراً يساعد في دعم المساعي الدولية لضمان الأمن الغذائي، بيد أنها تعاني وجود أمن غذائي غير مستقر، وسوء تغذية.

 وفي هذا الإطار، يشير التقرير إلى أن الحكومة الهندية شددت على أهمية وضع الأمن الغذائي على أجندة المفاوضات التجارية الدولية، ولكنها كانت حذرة في تحرير "أنظمة الأسعار"، لأن ذلك من شأنه أن يترك المزارعين الهنود عُرضة للخطر.

4- التكاملات الاقتصادية البديلة: لعل المبادرة الأكثر رمزية التي شاركت فيها الهند، بما يعكس حدوث تغير في النظام العالمي، هو تعاونها مع دول بريكس في إنشاء بنك التنمية الجديد NDB في عام 2014، والذي هدف إلى تشكيل بديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي نتيجة هيمنة الغرب عليهما. ولكن يرى البعض أن بنك التنمية الجديد لن يكون بالصورة التي نشأ من أجلها، كما أن مدير البنك "كوندابور فامان كاماث"، وهو مصرفي هندي الجنسية، قد تم وصفه في الصحافة الهندية بأنه قائد ليست له رؤية.

5- التدخل الإنساني: تبحث الهند عن دور لها في تحديد أجندة العمل المتعلقة بالتدخل الإنساني على المستوى الدولي، ليس فقط من حيث التزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة في قوات حفظ السلام، ولكن أيضاً من أجل تأكيد دورها الإقليمي.

ويؤكد التقرير على دعم الهند مسألة التدخل الإنساني، ولكن بمعايير محددة. فعلى سبيل المثال، تربط نيودلهي التدخل الإنساني بالسيادة الوطنية، حتى ولو كان التدخل من أجل الحماية، ولذا امتنعت الهند عن تأييد القرار الدولي رقم 1973 الخاص بتدخل قوات الناتو في ليبيا عام 2011، من أجل شن هجمات مُسلحة ضد قوات "القذافي".


* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "نموذج جديد؟ تحركات السياسة الخارجية الهندية على المستوى الدولي"، والصادر عن مركز بناء السلام النرويجي، في فبراير 2016.

المصدر:  

Devika Sharma and Jason Miklian, India’s global foreign policy engagements – a new paradigm?,(Oslo: The Norwegian Peacebuilding Resource Centre, February 2016).