انطلاق معطل:

تحديات الإعلام المرئي الخاص في الجزائر

26 June 2017


حاولت الجزائر تطوير مشهدها الإعلامي وذلك بإتاحة الفرصة لدخول رأس المال الخاص إلى المشهد الإعلامي الجزائري من خلال قنوات تلفزيونية خاصة، وذلك بعد قرار الحكومة الجزائرية لمواكبة التطورات التي شهدتها وسائل الإعلام في المنطقة، حيث سمح القانون الجزائري بإطلاق قنوات فضائية خاصة.

وقد أُطلق البث التجريبي لأول قناة فضائية جزائرية في نوفمبر 2011، وهي "الشروق تي في" التابعة لصحيفة "الشروق"، فيما بدأت الأجهزة المختصة بالإشراف على الإعلام في الجزائر في توفيق أوضاع القنوات الجديدة واحدة تلو الأخرى خلال عام 2012، وذلك بعد تبني مشروع قانون في البرلمان يسمح بفتح قنوات خاصة.

ومنذ إتاحة الفرصة أمام الإعلام الخاص في الجزائر، تُعاني وسائل الإعلام الخاص من عدد من المشكلات المالية والهيكلية والمهنية التي أثّرت بشكل سلبي على أداء الإعلام الخاص، ووُجهت له انتقادات عدة فيما يخص المحتوى الإعلامي الذي يقدمه.

تطور كمي: 

شهد الإعلام الجزائري خلال السنوات الست الماضية تطورًا نوعيًّا وكميًّا تمثّل في دخول القطاع الخاص كلاعب أساسي على الساحة الإعلامية من خلال امتلاك عدد من القنوات الفضائية الخاصة، حيث توجهت الحكومة الجزائرية إلى إقرار قانون يسمح بدخول القطاع الخاص لمجال الإعلام المرئي عقب التطور الذي شهدته وسائل الإعلام في العديد من دول المنطقة.

فخلال ست سنوات تزايدت أعداد القنوات التلفزيونية الجزائرية من خمس قنوات حكومية، لتبلغ 55 قناة، منها 50 قناة فضائية خاصة، تتنوع تخصصاتها ما بين الإخبارية مثل قنوات "النهار" و"الشروق" و"الخبر"، والموجهة للنساء مثل قناتي "النهار لك" و"سميرة تي في"، والعام. 

كما لم يُغفل هذا التطور الكمي وجود قناة أمازيغية للتعبير عن هذه الفئة من المجتمع الجزائري من خلال قناة "بربر"، فضلا عن قنوات ناطقة بالفرنسية مثل قناة "بور تي في".

وعلى الرغم من الانفتاح غير المسبوق الذي شهده الإعلام الجزائري المرئي على القطاع الخاص، بما يملكه من قدرة مالية، وملكات في الابتكار والتطوير، فإن هناك واقعًا مغايرًا لهذا الحديث النظري عن قدرة القطاع الخاص على تطوير المشهد الإعلامي المرئي في الجزائر كليًّا، نظرًا لوجود العديد من المشاكل الهيكلية التي تعيق هذا التطوير والمتمثلة فيما يلي: 

إطار قانوني:

1- غياب الهياكل التنظيمية والقانونية: أمام هذا التنوع الكيفي والكمي في الإعلام المرئي الخاص في الجزائر هناك افتقار واضح لهيكل تنظيمي وقانوني، فأغلب القنوات الفضائية الخاصة الـ50 تعمل وفق قوانين أجنبية، وذلك من خلال منح القنوات الخاصة تراخيص للعمل كمكاتب تابعة لقنوات أجنبية، نظرًا لعدم وجود قانون إعلامي مفعّل على الرغم من صدور القانون الأساسي المتعلق بالنشاط السمعي البصري في فبراير 2014.

مشكلات تمويلية:

2- أزمات مالية ونقص الإعلانات: تعاني أغلب القنوات الجزائرية الخاصة من نقص في التمويل والسيولة المطلوبة لسير العمل، واستمراره، في ظل ضغوط تفرضها طبيعة العمل الإعلامي خلال هذه الفترة التي تعاني فيها دول عدة من أوضاع اقتصادية صعبة من ناحية، وعمل العديد من القنوات الخاصة بدون ترخيص.

وفي هذا السياق، يشير المراقبون إلى أن جزءًا كبيرًا من الأزمات المالية التي تهدد القنوات الخاصة إنما يعود إلى تبعات غياب قانون الإشهار الذي يحدد علاقة الشركات المعلنة بالقنوات الخاصة، فضلاً عن مخاوف المعلنين من اللجوء لقنوات لا تعمل تحت مظلة قانون جزائري، مما يكبدها خسائر هي في غنى عنها.

كما تعود أزمة نقص الإعلانات وندرتها في أحيان كثيرة إلى اتجاه الشركات الإعلانية بكثافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والإعلان الإلكتروني، كبديل عن الاتجاه للإعلام المرئي التقليدي العام، والخاص الذي يعاني مشكلات قانونية عدة. 

وكما سبقت الإشارة يتزايد الاتجاه إلى رقمنة الإعلان في الجزائر خلال الفترة الماضية، الأمر الذي حرم القنوات الخاصة من مصدر تمويل أساسي، لا سيما في ظل وجود فجوة كبيرة بين نمط عمل هذه القنوات والطفرة التكنولوجية التي استفادت منها مثيلتها في دول الإقليم من خلال نشاط القنوات الفضائية التلفزيونية على شبكات التواصل الاجتماعي، ومواقعها الإلكترونية الخاصة بها، والتي استطاعت جذب حصة لا بأس بها من السوق الإعلانية.

حلول مفتقدة:

خلاصة القول، إن المشهد الإعلامي الجزائري المرئي الخاص على وجه التحديد إنما يفتقد إلى أكثر الحلول نجاعة وهو وجود إطار قانوني وتشريعي متماسك للإعلام الخاص، ويحدد طبيعة العلاقة بين القنوات والشركات الإعلانية، ويضمن حق المتلقي في محتوى إعلامي مهني ضمن خطوط عريضة اجتماعية لا يجوز تخطيها، لا سيما في ظل جنوح العديد من القنوات الجزائرية عن الأعراف الاجتماعية سعيًا وراء محاولات جذب المشاهد بمواد مثيرة للجدل والفضول خلال الفترة الماضية، وهو الأمر الذي أثار انتقادات مجتمعية عدة.