قمة محمد بن زايد وترامب

16 May 2017


المراقبون للسياسة الخارجية الإماراتية مشغولون بمتابعة لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تم أمس في واشنطن، ويتركز اهتمامهم حول الدلالة التي يحملها توقيت اللقاء، الذي يأتي قبل أسبوع واحد فقط من زيارة الرئيس ترامب للمنطقة يعقد خلالها ثلاث قمم (قمة أميركية- سعودية، وقمة أميركية- خليجية، وقمة أميركية- إسلامية) في العاصمة السعودية الرياض، وهو ما يعطي إشارة واضحة إلى أن هناك إرادة واعية من الإمارات على أن تساهم باعتبارها دولة مؤثرة، وهي كذلك بأفعالها، في المنطقة. فاللقاء يتوقع أن يحدد إطاراً لمواقف الإدارة الأميركية في ملفات المنطقة المفتوحة. وتحت أي ظروف فإن اللقاء مناسبة غير عادية بكل المقاييس السياسية والسبب في شخص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي يعرف عنه في السياسة الدولية أنه شخصية لها رؤيتها الخاصة في إدارة ملفات المنطقة، وأنه يركز في تعامله فيها على الأفعال أكثر من الأقوال خاصة في مكافحة التطرف والإرهاب، والتي تتكون في مجملها في مواجهة تيار «الإخوان المسلمين» وما يتبعه من تنظيمات إرهابية سواء «داعش» أو «القاعدة» أو الحوثيين، وكذلك التضييق على تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة. وبالتالي فإن التحرك الإماراتي تجاه أي دولة يكون بثبات تدعمه جرأة المبادرة في تلك الملفات، وبالتالي تغيير انطباع متعلق بأن دول المنطقة عادة ما تكون عبارة عن جسر للدول الكبرى. ولكن تردد السياسة الأميركية وتراجعها خلال الإدارة السابقة صقل الدور الإماراتي وجعله يعتمد أكثر على جهود أبنائه وعلى قدراته الذاتية فحوّل التحديات إلى فرص.

والسياسيون الدوليون ينظرون إلى الدور الإماراتي حالياً باعتباره لاعباً مهماً في المنطقة ومؤثراً في جزء كبير منها من خلال فعاليته السياسية والعسكرية، وكذلك في القدرة على تقديم رؤية عملية في القضايا المختلفة منها التعايش السلمي، وهي قضية باتت تكتسي أهمية بالغة لتماسك المجتمعات ليس في المنطقة فقط، حيث التقسيم المذهبي، وإنما وصل الأمر إلى داخل أوروبا، من خلال تصاعد لغة التفرقة بين المهاجر المسلم وبين المواطن الأوروبي. ومن هنا تكون الاستفادة من التجربة الإماراتية أمراً في غاية الأهمية، بل وضرورياً، وبالتالي فإن البصمة الإماراتية في الموقف الأميركي ستكون موجودة. وما أريد توضيحه هنا أن دولة الإمارات أصبحت تتحرك في مختلف الساحات الإقليمية وطوال الوقت حتى صارت لا تخلو من زيارة قائد سياسي أو عسكري، كما أنه لا تظهر مشكلة في المنطقة إلا وتجدها تعمل من أجل حلحلتها. حدث هذا مع الليبيين، مؤخرا، ومع مصر وتونس، وهذا جعلها تلعب دوراً في الشأن الدولي وتزداد خبرة في إدارة الملفات مما جعلها «قبلة»، بكسر القاف، للسياسيين في العالم، وصار لا غنى عن وجهة النظر الإماراتية في ملفات الإقليم.

وليس خافياً أن هناك مطالب غربية وأميركية، رسمية وغير رسمية، تتردد كثيراً في المحافل السياسية والثقافية بأن ملفات الشرق الأوسط تتطلب مبادأة عربية وخليجية قبل المطالبة بتدخل الآخرين فيها، بحكم التأثر والتأثير باعتبار أن الدول الخليجية والعربية هي الأكثر تضرراً من وجودها واستمرار تلك التنظيمات. ووفق وجهة النظر هذه فإن لدى دولة الإمارات مواقفها ومقاربتها التي تتسم بالوضوح والتي يدركها الجميع سواء في ليبيا من خلال التقريب بين القوى السياسية، أو اليمن من خلال التحالف العربي، وهي مقاربة تعتبر حتى الآن هي الأنجح، ويعترف بها الخصوم قبل الأصدقاء، وبالتالي يكون حجم استفادة الرئيس الأميركي الجديد كبيرة من هذا اللقاء.

يدل استقبال الرئيس الأميركي في اللحظة الأخيرة من زيارته للمنطقة أن الأداء السياسي لدولة الإمارات فيه الكثير من النقاط الملفتة التي جعلت منها عاصمة للقرار السياسي الإقليمي وأنها باتت تقود المهام الصعبة بل وتبادر ولا تتردد إلى حلها، وبالتالي فإن ما يمكن أن نقرأه في إشارات هذا اللقاء أن الحراك السياسي الإقليمي للإمارات جعلها تكون طرفاً سياسياً مهماً في المنطقة، وهو ما أصبح يدفع السياسيين في دول العالم إلى سماع وجهة نظر قادتها.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد