حزام واحد.. طريق واحد

14 May 2017


الصين القادمة بقوة وسرعة لتحتل المركز الأول في العديد من المؤشرات الاقتصادية، إذ انتقلت في غضون سنوات قليلة من المركز السادس، كأكبر اقتصاد عالمي إلى المركز الثاني بعد الولايات المتحدة التي يتوقع أن تتجاوزها في العقدين المقبلين.

ومؤخراً أعلنت بكين عن مبادرة عملاقة بتكلفة ترليونيْ دولار لإنشاء طريقين للتجارة من الصين إلى أوروبا تحت مسمى «حزام واحد.. طريق واحد» لتعيد رسم طريق الحرير مرة أخرى، ولكن بأساليب واستراتيجيات جديدة وحديثة، إذ يمر الطريق الأول عبر آسيا الوسطى، في حين يمر الثاني عبر أفريقيا، حيث يعقد بتاريخ 14 و15 مايو الجاري بالعاصمة بكين منتدى «الحزام والطريق» المخصص للترويج لهذه المبادرة الصينية.

وتمتلك الصين القدرات اللازمة لتحقيق أهدافها، حيث بلغت استثماراتها في المبادرة 60 مليار دولار. وبالإضافة إلى كونها ثاني أكبر اقتصاد عالمي، فقد تحولت مؤخراً إلى أكبر مصدر للسلع، وأكبر مستورد للسيارات في العالم، وأكبر مستثمر في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأكبر مستثمر عقاري في أوروبا، وثاني أكبر مالكي السندات الخزانة الأميركية، علماً أنها تستورد 40% من المنتجات البتروكيماوية الخليجية.

وعلى رغم أن دول آسيا الوسطى وشرق أفريقيا رحبت بالمبادرة الصينية، فإن أياً منها لا يملك البنية التحتية اللازمة لتشغيل هذا المشروع، بدليل أن إيران التي يمر الخط بشمالها طلبت من الصين استثمار 40 مليار دولار في بنيتها التحتية، حيث تعاني البلدان الأخرى في آسيا وأفريقيا من نفس الصعوبات، مما قد يعرقل المبادرة برمتها، فالصين لوحدها لا يمكنها تمويل مشاريع البنية التحتية في هذه البلدان، وذلك على رغم تأسيسها لبنك آسيا لتمويل البنى التحتية برأس مال 100 مليار دولار.

وفي المقابل تتمتع دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي، التي تشارك في المنتدى، ببنى تحتية متطورة للتجارة والخدمات والأعمال، حيث تساهم هذه البنى في الوقت الحاضر في تنمية التجارة بين الصين وكل من الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك تجارة إعادة التصدير والنقل الجوي، إذ يتوقع أن تتطور البنى التحتية الخليجية بصورة لافتة في السنوات المقبلة بفضل حجم الاستثمارات المتوقع الذي يتجاوز 200 مليار دولار.

وضمن هذا التطور المرتقب، يأتي القطار الخليجي الذي يمكن تنمية مساره ليربط دول المجلس بأوروبا لتكتمل دائرة التجارة بين الشرق والغرب من خلال الموانئ والمطارات الخليجية ببنيتها التحتية المتطورة وخدماتها المتعددة وتسهيلاتها الإدارية التي أضحت نموذجاً لغيرها من البلدان الصاعدة. وإضافة إلى البنى التحتية، فدول المجلس تملك قدرات مالية واستثمارية تؤهلها لتمويل العديد من مشاريع المبادرة الصينية.

ولذلك وإذا ما أرادت الصين لمبادرتها أن تتحقق فلابد لها من إدراج خط طريق الحرير الجديد ليمر بدول مجلس التعاون، التي تستحوذ في الوقت الحاضر على 60% من تجارة الصين مع الدول العربية البالغة 240 مليار دولار، مقابل 20 مليار دولار فقط لتجارتها مع إيران على سبيل المثال، مما يعكس الثقل الاقتصادي لدول التعاون الخليجي في حالة إدراجها ضمن ممر التجارة الوارد في المبادرة، وخصوصاً أن دول المجلس أعربت عن دعمها القوي للمبادرة، كما يتوقع أيضاً أن تبرم الصين اتفاقية للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام 2017 لتشكل نقلة نوعية للتجارة والاستثمار بين الجانبين.

إن المصالح المشتركة بين الصين ودول مجلس التعاون لا تضاهيها أية مصالح بين الصين وأية دولة أخرى في المنطقة، بما فيها إيران، فدول المجلس بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي واستقرارها وبنيتها المتطورة تعتبر مصدراً مهماً للطاقة التي تحتاجها الصين التي تستورد حالياً 14 مليون برميل من النفط يومياً، في حين تشكل السوق الصينية منفذاً مهماً للصادرات الخليجية، مما يعني أن التعاون بين الجانبين من خلال المبادرة سيجد له انعكاسات كبيرة على الاقتصادات الخليجية والاقتصاد الصيني وعلى التجارة الدولية ككل.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد