تحولات متتالية:

دوافع تأسيس "هيئة تحرير الشام" في سوريا

16 February 2017


مثّل الإعلان عن تأسيس "هيئة تحرير الشام"، في 28 يناير 2017، تحولا هامًّا في مواقف "جبهة فتح الشام" (التي كانت تسمى سابقًا "جبهة النصرة" قبل أن تغير اسمها وتعلن فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" في يوليو 2016)، والتي تمكنت من ضم عدد من الفصائل المسلحة الصغيرة إلى الهيئة الجديدة. ويبدو أن ذلك يرتبط، إلى حد ما، بالتطورات السياسية والميدانية الأخيرة، على غرار انعقاد مؤتمر الآستانة بين النظام السوري وقوى المعارضة يومى 23 و24 يناير 2017، واتساع نطاق المواجهات المسلحة بين "الجبهة" وبعض الفصائل المسلحة، على غرار "جند الأقصى" القريب من تنظيم "داعش"، إلى جانب تصاعد حدة التنافس مع "حركة أحرار الشام"، وهو ما بدا جليًا في مسارعة الهيئة الجديدة إلى اقتحام بعض مواقع "الحركة" في دارة عزة بعد خمسة أيام فقط من تشكيلها، قبل أن تنسحب منها بعد تدخل بعض الوسطاء بين الطرفين.

تكتل جديد:

ضم التحالف الجديد إلى جانب "جبهة فتح الشام" كلا من "حركة نور الدين زنكي" التي تنشط في حلب، و"لواء الحق" الذي يتواجد في حلب وإدلب وحماة، و"جبهة أنصار الدين"، و"جيش السنة" الذي ينشط في حمص. وقد بدا لافتًا أن الهيئة الجديدة قررت تعيين هاشم الشيخ الذي يلقب بـ"أبو جابر"، وهو أحد القيادات البارزة سابقًا في "حركة أحرار الشام"، قائدًا لها، وهى خطوة لا تخلو من مغزى، وتشير إلى أن "هيئة تحرير الشام" تسعى إلى استقطاب أكبر عدد من القيادات والكوادر البارزة في التنظيمات الأخرى المنافسة لها، من أجل إجراء تغيير في توازنات القوى لصالحها خلال المرحلة القادمة.

سيطرة "قاعدية":

رغم تعدد الفصائل التي تكونت منها "هيئة تحرير الشام"، إلا أن تنظيم "القاعدة" في سوريا، والذي تعبر عنه "جبهة فتح الشام" رغم ادعائها فك ارتباطها به في يوليو 2016، يعد المكون الرئيسي والأكثر فاعلية في هذا التحالف، نظرًا إلى أنه التنظيم الأقوى عسكريًّا وتنظيميًّا، فضلا عن كونه صاحب المنظومة الفكرية الأكثر جاذبية من بين كل التنظيمات الرئيسية، إلى جانب وجود عدد من القيادات التنظيمية والشرعية النافذة داخل "الهيئة الجديدة" التي تتبنى "الفكر القاعدي"، وهى القيادات التي غالبًا ما تشكل الرؤية التنظيمية والشرعية داخل الهيئة.

ومن ناحيةٍ أخرى، تشير تقارير عديدة إلى أنه رغم تعيين هاشم الشيخ القيادي السابق في "حركة أحرار الشام" قائدًا للتحالف الجديد، إلا أن ذلك لا ينفي أن أبو محمد الجولاني قائد "جبهة فتح الشام" ما زال يمتلك النفوذ الأكبر داخل الهيئة الجديدة، حيث تتوقع تلك التقارير أن يتولى القيادة العسكرية في الهيئة، وهو ما سوف يمنحه القدرة على التأثير في توجهات التحالف الجديد وتحديد مواقفه من التطورات السياسية والميدانية المختلفة، وفي مقدمتها استمرار المفاوضات بين النظام السوري وقوى المعارضة واندلاع مواجهات عسكرية عديدة بين الهيئة وبعض الفصائل الأخرى المناوئة لها.

أهداف مختلفة:

يبدو أن "جبهة فتح الشام" تسعى من خلال الاندماج داخل "هيئة تحرير الشام" إلى تحقيق أهداف عديدة تتمثل في:

1- تعزيز القدرات: وهو ما يكتسب أهمية خاصة من جانب "الجبهة"، بعد أن فشلت الجهود التي بذلتها في الفترة الماضية من أجل إقناع الأطراف المعنية بالأزمة السورية بجديتها في فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وتغيير توجهاتها الإرهابية، عبر تغيير اسمها من "جبهة النصرة" إلى "جبهة فتح الشام". ومن هنا وبعد إخفاقها في تحقيق ذلك، اضطرت "الجبهة" إلى تشكيل الكيان الجديد من أجل تأسيس تكتل عسكري أوسع تسعى من خلاله إلى إثبات قدرتها على عرقلة أية جهود قد تبذل لإعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية خلال الفترة القادمة.

وهنا، ربما يمكن القول إن "الجبهة" تحاول الاستعداد مبكرًا للمسارات المحتملة التي قد تنتهي إليها الأزمة السورية، بعد المفاوضات التي تجري في الفترة الحالية، بهدف تقليص حدة الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها في حالة ما إذا تم التوافق على أولوية تركيز العمليات العسكرية ضد كل من "الجبهة" وتنظيم "داعش" خلال المرحلة القادمة.

2- تغيير توازنات القوى: تبذل "الجبهة" جهودًا حثيثة من أجل إجراء تغيير في توازنات القوى بين التنظيمات الإرهابية والمسلحة داخل سوريا لصالحها، خاصة بعد أن اتجهت إلى الدخول في مواجهات مسلحة مع بعض تلك التنظيمات المسلحة المنافسة لها، والتي رفضت ضغوطها من أجل عدم المشاركة في مفاوضات الآستانة.

وفي هذا السياق، تبدي "الجبهة" أهمية خاصة لـ"حركة أحرار الشام"، التي تعتبر- باستثناء "داعش"- المنافس الرئيسي لـ"الجبهة" على زعامة الفصائل الإرهابية والمسلحة، لا سيما في ظل حالة الضعف الشديد التي تعانى منها بعض الفصائل الأخرى على غرار "الجيش السوري الحر"، فضلا عن أن "حركة أحرار الشام" تمكنت، خلال الفترة التالية على انعقاد مفاوضات الآستانة، من الحيلولة دون تصعيد حدة الهجمات التي تشنها "الجبهة" ضد بعض الفصائل الأصغر، مثل "جيش المجاهدين" و"الجبهة الشامية" اللذين تم الاستيلاء على مخازن الأسلحة التابعة لهما، إضافة إلى "حركة صقور الشام" التي تعرضت لهجمات متكررة من جانب "الجبهة".

وعلى ضوء ذلك، تشير اتجاهات عديدة إلى أن "الجبهة" تحاول من خلال تلك الخطوات تفكيك "حركة أحرار الشام" عبر تأسيس كيان جديد ربما يساهم في إضعافها تدريجيًا واستقطاب مزيد من قادتها وكوادرها، وهو ما نجحت فيه، إلى حد ما، خلال الفترة الماضية، حيث انفصل عن "الحركة" بعض الكوادر من أمثال أبو صالح طحان أحد أبرز القيادات العسكرية في "الحركة"، وأبو يوسف المهاجر الناطق العسكري باسم "الحركة".

3- توسيع نفوذ "الجبهة" في شمال سوريا: ترى اتجاهات عديدة أن نجاح "الجبهة" في إضعاف دور "حركة أحرار الشام"، سوف يدعم سيطرة التحالف الجديد على مناطق رئيسية في شمال سوريا، باستثناء المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من تركيا والتي تشن عمليات "درع الفرات" منذ 24 أغسطس 2016، لا سيما في ظل حالة الضعف التي تعاني منها بعض الفصائل الأخرى على غرار "الجيش السوري الحر".

4- استغلال تراجع "داعش": يبدو أن "الجبهة" تحاول استغلال تراجع تنظيم "داعش" على خلفية العمليات العسكرية التي يتعرض لها في كل من العراق وسوريا، من أجل التحول إلى الفصيل الأكثر نفوذًا داخل سوريا، وربما إقناع بعض كوادر وعناصر التنظيم بالانشقاق عنه والانضمام إليها، خاصة في حالة ما إذا سقطت مدينة الرقة، التي تمثل المعقل الرئيسي للتنظيم، وهو الاحتمال الذي يمكن أن يفرض تداعيات مباشرة على تماسك التنظيم خلال المرحلة القادمة.

خيارات صعبة:

 لكن رغم ذلك، فإن الخطوات السريعة التي تتخذها "جبهة فتح الشام" من أجل استيعاب الضغوط التي تفرضها التطورات السياسية والميدانية، حيث قامت بإعلان فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" في يوليو 2016، ثم قررت حل نفسها من جديد في يناير 2017 من أجل الانضمام إلى التحالف الجديد، تشير إلى أنها تواجه خيارات صعبة خلال المرحلة الحالية، لا سيما أن قدرتها على ضم فصائل أخرى داخل التحالف لا تنفي في الوقت ذاته أنها فشلت في إقناع الفصائل الرئيسية في الانخراط داخل هذا التحالف، بشكل يؤشر إلى اتساع نطاق الخلافات مع تلك الفصائل، ويزيد من احتمالات تصاعد حدة المواجهات المسلحة بين الطرفين في المرحلة المقبلة.