نقل المعركة:

رؤى أمريكية.. ثلاثة مسارات لتقويض "داعش"

20 February 2015


إعداد: باسم راشد


أفرزت التهديدات التي يبثها تنظيم "داعش" في منطقة الشرق الأوسط، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا، فهماً مشتركاً من جانب جميع الدول بأن ذلك التنظيم لا يمكن اعتباره ببساطة مشكلة هذه المنطقة فقط، بل إنه بات خطراً عالمياً ممتداً يتطلب استجابةً قويةً وفعَّالة بالتنسيق بين كافة الدول.

لذلك، تم تأسيس التحالف الدولي ضد "داعش" في سبتمبر الماضي لوضع استراتيجية شاملة لمواجهة هذا الخطر الإرهابي الذي تعاني منه مختلف الدول، وإضعافه عن طريق عدة اتجاهات؛ أولها تقديم المساعدة الأمنية المشتركة، والعمل على إيقاف تدفق المقاتلين الأجانب للتنظيم، وثانيها تجفيف مصادر التنظيم المالية بما يسمح بشل حركته، وثالثها العمل على محاربة التنظيم أيديولوجياً ومحاولة هزيمته كفكرة من الأساس حتى لا ينشأ من جديد.

وفي هذا الصدد، عقد "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" The Washington Institute for Near East Policy  ندوة في فبراير الجاري بعنوان: "نقل المعركة إلى أرض تنظيم الدولة.. تفعيل الجهود المشتركة لمواجهة داعش"، شارك فيها مجموعة متنوعة من المسؤولين الرسميين الأمريكيين، وعدد من الخبراء، لمناقشة أفضل السُبل لمواجهة هذا التنظيم المتطرف.

المحور الأول: المواجهة الأيديولوجية

إن تنامي مستوى النشاط الإجرامي الذي يقوم به تنظيم "داعش" في العراق والشام، يغري العديد من المتطرفين على مستوى العالم - وخصوصاً في أوروبا - على المشاركة أو على الأقل دعم سلوكيات العنف، وتعد الهجمات التي تعرضت لها كندا وفرنسا واستراليا والدنمارك مؤخراً أبرز دليل على ذلك الأمر؛ إذ أضحى المشهد العام أكثر تعقيداً في ضوء التقدم التكنولوجي الذي يتمتع به تنظيم "داعش" واعتماده على استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لتجنيد مقاتلين جدد، وذلك لأن الشباب الآن يقضون معظم الوقت على شبكة الإنترنت، وبالتالي يكونون عُرضة لتلك الأفكار المتطرفة التي تجذب بعضهم.

لذا، فقد تمت الإشارة خلال الندوة إلى عدة عناصر يمكن من خلالها مواجهة هذا التنظيم على المستوى الفكري (الأيديولوجي)، بما يمنع تجنيد مزيد من المقاتلين له، لعل من أبرزها:

1- قوة المجتمعات المحلية في مواجهة الإرهاب؛ كالعائلات الأكثر وعياً والمؤسسات المحلية المنظمة والتي تمثل حصناً منيعاً أمام تنامي الأعمال المتطرفة، وهو ما قد يُساعد وربما يحمي الولايات المتحدة من أي هجمات إرهابية تتعرض لها من جانب الأفراد أو الجماعات. وكذلك العمل على شن حملة عالمية لتوعية الشباب بأخطار الإرهاب والتداعيات السلبية للمحاولات التي يقوم بها تنظيم "داعش" لتجنيد المقاتلين الأجانب، والعمل على تشجيع الاستخدام الآمن للإنترنت، مع توسيع مبادرات تعليم المجتمعات كيفية الاستجابة والتعاطي مع تلك الأخطار.

2- ضرورة قيام الإدارة الأمريكية بممارسة نفوذها وضغطها الدبلوماسي على حلفائها في الشرق الأوسط، للتأكد من أن القادة السياسيين ومؤسسات الدولة الدينية في ذلك الإقليم ينتقدون، بل ويفضحون، أساطير وأفكار "الدعاية الداعشية"، خاصةً ما يُثار بشأن دولة الخلافة والجهاد المسلح والحكم الديني الشرعي.

3- ضرورة دعم الوزارات المسؤولة عن الشؤون الدينية في إقليم الشرق الأوسط لتفعيل وتحسين مراقبتها على المساجد والمؤسسات الدينية، للتأكد من أنها لا تدعم التشدد، علاوة على ذلك فإنه يجب التأكد من أن الدول التي تقوم بإيفاد قادة دينيين في الخارج لتصحيح صورة الإسلام، أو من لديهم مراكز دينية، يعملون على بث القيم الدينية الإيجابية مثل التجانس الاجتماعي والمشاركة المدنية السلمية.

4- تحقيق الاستفادة القصوى من الدارسين الدينيين الدوليين الذين يواجهون أفكار هذا التنظيم بقوة، وذلك من خلال تكثيف التغطية الإعلامية على أفكارهم مثل المفتي "نجيب نعيمي" في باكستان والذي قُتل والده في عملية انتحارية عام 2009 لإدانته طالبان، إذ أصدر "نعيمي" فتوى هامة ضد "داعش"، إلا إنها لم تلقَ تغطية إعلامية كافية في وسائل الإعلام الأمريكي.

ومن ناحية أخرى يمكن العمل على جمع هؤلاء الدراسين الدينيين مع القادة المحليين الرافضين للتطرف، داخل واشنطن لتنسيق الأفكار والآليات لمواجهة التنظيم أيديولوجياً.

وفي نفس السياق، أشار الخبراء خلال الندوة إلى أن مواجهة تنظيم "داعش" يجب أن تتم من خلال تقليل أهميته أو بالأحرى تقويضه، وذلك من خلال عدة طرق، من أبرزها:

ـ إنكار النجاحات التي يحققها تنظيم الدولة في ساحة المعركة، بما يقلل عدد الراغبين في الانضمام إليه.

ـ استغلال الصراعات بين الجماعات الجهادية وبعضها البعض، مثل تنظيم القاعدة ضد "داعش".

ـ توضيح وإبراز الانقسامات بين القيادات المسيطرة على تنظيم "داعش" بالعراق وبين مقاتليهم الأجانب المجندين.

ـ التأكيد على السلوك الإجرامي لأعضاء التنظيم، والانتهاكات التي يقومون بها في حق السكان المحليين.

ـ إبراز رسائل المنشقين عن التنظيم والتي تساهم في إحباط محاولات التجنيد المستمرة.

ـ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في بث رسائل مباشرة للجمهور المُستهدف لتوضيح جرائم التنظيم وتجارب المنشقين عنه.

المحور الثاني: منع تدفق المقاتلين الأجانب

تعد هذه الظاهرة من أخطر الظواهر التي تواجه العالم الغربي حالياً؛ إذ تدفق إلى سوريا منذ بدء الصراع ما يقرب من 19 ألف مقاتل أجنبي، منهم حوالي 3400 من الغرب، كما أن أكثر من 150 مواطن أمريكي قد سافروا إلى سوريا منذ ذلك الوقت، وذلك للانضمام للتنظيمات والجماعات المتطرفة سواء "جبهة النصرة" في سوريا أو تنظيم "داعش" في العراق والشام وغيرها، وهو ما يمثل تهديداً خطيراً للمجتمعات الغربية ليس فقط بعد عودتهم إلى مجتمعاتهم الأصلية، بل أيضاً للتهديد الأوسع الذي يواجه الغرب من ناحية سوريا.

وفي هذا الصدد، تتعاون الولايات المتحدة مع شركائها حول العالم لمحاولة وقف هذا التهديد، والمنطلق الأساسي في هذا الأمر هو توحيد الجهود المختلفة العسكرية والقانونية والدبلوماسية والمخابراتية لمحاولة الوصول إلى جذور المشكلة وتبادل المعلومات مع الشركاء للوقوف على أبرز تطورات الأمر وأعداد المقاتلين الجدد الذين ينضمون لتلك التنظيمات.

كذلك تعمل أجهزة المخابرات الأمريكية مع الشركاء الأجانب للتعرف على التطورات التكتيكية لتنظيم "داعش"، وكذلك اتجاهات المقاتلين الأجانب، وهو ما يساعد كثيراً في اتخاذ قرارات بشأنهم. وجدير بالذكر أن سلاح الطيران يعد هو العنصر الرئيسي في تلك الاستراتيجية، والذي يتم التنسيق بينه وبين الجهات والدول المختلفة في تنظيم الضربات الجوية ضد معاقل التنظيم في العراق والشام.

وفي ضوء مواجهة خطر تدفق المقاتلين الأجانب من وإلى سوريا أو العراق، فيمكن الإشارة إلى ضرورة بناء ما يمكن تسميته "المرونة الاجتماعية للإرهاب" بمعنى أن يكون تأثير استراتيجيات مواجهة الإرهاب على المجتمعات والبنية الأساسية أكبر من تأثير الإرهاب نفسه عليها.

وبشكل عام، يوجد اتجاهان لمنع المواطنين من الذهاب والقتال في سوريا أو التعامل معهم عندما يعودون؛ يتمثل الاتجاه الأول في إدانة كافة أشكال المشاركة في الإرهاب مع ذلك التنظيم أو تهديد هؤلاء الذين يقررون الانضمام لداعش بالتداعيات السلبية الناتجة عن ذلك الأمر. أما الاتجاه الثاني فهو عمل كل شئ ممكن لإعادة إدماج العائدين داخل مجتمعاتهم مرة أخرى، بحيث يمكن استغلالهم كورقة قوية في محاربة الإرهاب نفسه. وجدير بالذكر أن بعض الدول تفعل الأمرين، بما يساعد في تعطيل تدفق المقاتلين على مناطق الصراع في سوريا أو العراق أو غيرها.

ويحذر الخبراء من أن اقتصار الأمر على ضرورة معاقبة العائدين أمنياً أو نبذهم داخل المجتمع، يدفع إلى تنامي الظاهرة بدلاً من تقويضها، خاصةً أن العديد من هؤلاء الشباب تُغيَّب عقولهم، وحينما يستردوا الوعي فإنهم يرغبون في العودة ؛ فإذا وجدوا مجتمعاتهم ترفضهم سيقررون الاستمرار في تلك التنظيمات الإرهابية.

ومن ناحية أخرى، فالكل يعلم أن منع هذه الظاهرة تماماً أمر مستحيل، بيد أن كل تلك الآليات ليست سوى محاولات لتقويض الظاهرة، ومن ثم فينبغي على الحكومات العمل بشكل أكثر عمقاً على فهم الدوافع والأسباب البنيوية التي دفعت الشباب للانضمام لتلك التنظيمات الإرهابية والذهاب إلى ساحات المعارك في العديد من المناطق الملتهبة في العديد من الأقاليم.

المحور الثالث: تجفيفف مصادر تمويل التنظيم

تأتي المصادر الأساسية لتمويل "داعش" من السرقة والابتزاز في المناطق التي يعمل بداخلها في العراق أو الشام، سواء سرقة البنوك أو ابتزاز الأسر من خلال عمليات الخطف أو حتى تقديم الحماية لبعض الخدمات المدنية مُقابل الحصول على مبلغ من المال، بالإضافة إلى سيطرته على العديد من حقول النفط والبنوك المتواجدة في تلك الدول.

وقد قام التحالف الدولي ببعض الجهود في هذا الإطار بهدف تقويض قدرة تنظيم الدولة على استخدام الموارد الاقتصادية التي يسيطر عليها، بجانب تحجيم قدرته على الوصول إلى مصادر تمويل جديدة، ومن أبرز تلك الجهود ما يلي:

1- تقويض إمكانية وصول التنظيم إلى النظام المالي العالمي عن طريق وقف التحويلات البنكية من وإلى البنوك التي تقع بالمناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ومن ثم وقف إمكانية حصوله على أي تمويل من الخارج، بالإضافة إلى وقف بيع العملة بهذه المصارف البنكية.

2- تعطيل قدرة "داعش" على بيع النفط، وذلك عن طريق الهجمات الجوية التي قادها التحالف الدولي ضد بعض الحقول النفطية التي تقع تحت سيطرة التنظيم، بالإضافة إلى الخطوات التي اتخذتها السلطات التركية والكردية للاستيلاء على شحنات الوقود المشتبه في تبعيتها لتنظيم "داعش" والتي تنتقل عبر الحدود التركية والكردية.

كما أن الجهود مستمرة في هذا السياق - طبقاً لما ذكره الخبراء في الندوة - لتجفيف مصادر تمويل هذا التنظيم؛ إذ سيتم العمل في الفترة المقبلة، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين، على الالتزام بترتيبات مجلس الأمن بمنع "داعش" من الاستفادة من النقود التي يحصل عليها نظير الفدية، وكذلك العمل على منع التبرعات التي تأتي للتنظيم من الخارج، بجانب حظر النشاطات التجارية المشبوهة التي تقوم بها بعض الشركات في العراق وسوريا.

بيد أن ثمة مخاطر مستدامة ستنتج عن الآليات التي يتم اتباعها لمحاصرة التنظيم مالياً، خاصةً من ناحية عدم الاستفادة من مبيعات الوقود عن طريق تدمير حقول النفط التي يسيطر عليها، ذلك أن تدمير تلك الحقول من شأنه أن يؤثر سلباً على البنية الأساسية النفطية للعراق، والتي ستحتاج وقتاً وتمويلاً كبيرين لإعادة بنائها، بالإضافة إلى أنها أيضاً ستضر بحاجة العراقيين للطاقة، والتي ستتأثر بالضرورة بتدمير تلك الحقول النفطية.

لذا، وعلى الرغم من أن تنظيم "داعش" هو أكثر التنظيمات الإرهابية الممولة بشكل جيد، فإنه لايزال تنظيم فقير حتى الآن؛ إذ إنه لا يمتلك التمويل الكافي لحكم المناطق التي تقع تحت سيطرته بشكل فعَّال، فضلاً عن كونه مستمر في توسعاته الجغرافية داخل وخارج العراق؛ وبالتالي يجب أن يظل هدف محاصرته مالياً أولوية أولى. وهناك العديد من الأدوات بداية من الضربات الجوية إلى العقوبات الاقتصادية التي من شأنها مجتمعة أن تحقق هذا الهدف الجماعي المنشود.


* عرض مُوجز لأهم ما تضمنته ندوة نظمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في 2 فبراير 2015 تحت عنوان: "نقل المعركة إلى أرض تنظيم الدولة.. تفعيل الجهود المشتركة لمواجهة داعش". Taking the Fight to ISIL: Operationalizing CT Lines of Effort Against the Islamic State Group

 

أبرز المسؤولين والخبراء المشاركين في الندوة:

- Gen. John Allen المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش".

- David Gersten منسق مشروع مكافحة التطرف في وزارة الأمن الداخلي.

- Hedieh Mirahmadi مدير المنظمة العالمية لتنمية الموارد والتعليم "WORDE".

- Clint Watts كبير زملاء في معهد أبحاث السياسة الخارجية.

- Avery Alpha مدير برنامج مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي.

- Richard Barrett نائب رئيس "مجموعة صوفان" Soufan Group.

- Aaron Y. Zelin زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

- Jennifer Fowler نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية.

- Matthew Levitt مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

- Elizabeth Rosenberg مدير برنامج الطاقة والاقتصاد والأمن في مركز الأمن الأمريكي الجديد.