جبهة جديدة:

أسباب اتجاه "داعش" إلى تصعيد عملياته في دير الزور

18 January 2017


ربما لا يمكن فصل تصاعد حدة العمليات العسكرية في مدينة دير الزور بين تنظيم "داعش" والقوات النظامية السورية، بداية من 14 يناير 2017، عن التطورات السياسية والميدانية الأخرى التي تشهدها كل من سوريا والعراق خلال الفترة الأخيرة، ويتمثل أبرزها في تواصل الجهود التي تبذلها كل من روسيا وتركيا، وبتنسيق مع إيران، من أجل تعزيز فرص انعقاد مفاوضات الآستانة بين النظام السوري والمعارضة في 23 يناير 2017، إلى جانب استمرار العمليات العسكرية التي تشنها القوات العراقية، بالتعاون مع التحالف الدولي، ضد مواقع التنظيم في مدينة الموصل.

ورغم أن التنظيم نجح في السيطرة على نحو 60% من مدينة دير الزور بعد حصارها لمدة عامين، إلا أن ذلك لا ينفي أن قدرته على الاحتفاظ بتلك المناطق تواجه عقبات عديدة، خاصة في ظل الخطوات الجديدة التي بدأت بعض الأطراف المعنية بالحرب ضد التنظيم في اتخاذها على غرار عملية الإنزال البري التي قامت بها عناصر تابعة للتحالف الدولي داخل المدينة قبيل اتجاه التنظيم إلى تصعيد عملياته فيها.

أهداف متعددة:

تمكن تنظيم "داعش" من تحقيق تقدم بارز في مدينة دير الزور، وهو ما بدا جليًا في نجاحه في قطع خطوط إمداد القوات النظامية في المطار العسكري عن المناطق التي تسيطر عليها في المدينة، وهى الخطوة الأهم التي اتخذها التنظيم منذ حوالي عام تقريبًا. وربما يمكن القول إن تنظيم "داعش" يسعى من خلال تصعيد عملياته العسكرية في دير الزور إلى تحقيق أهداف عديدة تتمثل في:

1- السيطرة على المدينة تدريجيًا: يحاول التنظيم خلال الفترة الحالية تقسيم دير الزور إلى قسمين: الأول، يضم المطار وحى هرابش وقرية الجفرا. والثاني، يشمل اللواء 137  ودوار البانوراما، وذلك بهدف السيطرة على المدينة تدريجيًا ودفع القوات النظامية إلى التراجع تمهيدًا للخروج نهائيًا منها، خاصة مع افتقادها للإمداد الجوي اللازم لانخراطها في عمليات عسكرية ضد التنظيم داخل المدينة.

2- وقف الاستنزاف العسكري: يرى قادة "داعش" أن عدم قدرته على السيطرة على المدينة خلال المرحلة الماضية أدى إلى استنزافه في معارك فرعية، وهو ما دفعهم، على ما يبدو، إلى الإصرار على إنهاء هذا الاستنزاف من خلال السيطرة على المدينة بكاملها، من أجل التفرغ للمواجهات الأكثر أهمية، سواء في الموصل العراقية التي يتراجع فيها تدريجيًا، أو في الرقة السورية، التي تمثل المعركة الأخيرة بالنسبة له.

3- تأمين ممر استراتيجي يربط بين المناطق التي يسيطر عليها "داعش" في كل من العراق وسوريا: يتطلع التنظيم إلى الحصول على مصادر جديدة لتمويل عملياته، حيث تضم المدينة بعض آبار النفط وهو ما يفسر حرص التنظيم على إطلاق اسم "ولاية الخير" عليها، إلى جانب استيعاب الضغوط التي يتعرض لها التنظيم بسبب العمليات العسكرية التي تشنها بعض الأطراف الدولية والإقليمية ضده. وهنا، فإن اتجاهات عديدة تشير إلى أن اختيار "داعش" لمدينة دير الزور تحديدًا لا يعود فقط إلى كونها إحدى "المناطق الرخوة" نتيجة الحصار الذي فرضه التنظيم عليها خلال العامين الماضيين، وإنما لكونها تمثل أيضًا عمقًا استراتيجيًا مهمًا للمناطق التي يسيطر عليها التنظيم في كل من العراق وسوريا.

4- الاستعداد لمرحلة ما بعد سقوط الموصل: يبدو أن إدراك "داعش" لصعوبة الحفاظ على المناطق التي يسيطر عليها داخل الموصل، دفعه إلى نقل بعض أنشطته وعملياته إلى المناطق المتاخمة للحدود العراقية-السورية، وهو ما يضيف أهمية خاصة لدير الزور، التي يمكن أن تتحول، وفقًا لرؤيته، إلى نقطة انطلاق لتقديم مساعدات لوجيستية لعناصر التنظيم داخل العراق، في المواجهات المسلحة مع قوات الشرطة والجيش. 

5- احتواء التداعيات النفسية: يحاول التنظيم أيضًا توجيه رسالة إلى العناصر التي تنتمي إليه بقدرته على السيطرة على مناطق استراتيجية أخرى، وذلك لاستيعاب ما يمكن تسميته بـ"التداعيات السلبية النفسية" التي يفرضها انسحابه من بعض المناطق الرئيسية في العراق، على إثر تقدم القوات العراقية التي تقترب خلال الفترة الحالية من السيطرة على شرق الموصل بشكل كامل.

تطورات مترابطة:

وبالتوازي مع ذلك، يبدو أن التنظيم يسعى خلال الفترة الحالية أيضًا إلى استغلال انشغال القوات النظامية السورية في التصعيد العسكري مع قوى المعارضة في منطقة وادي بردى، التي تحظى بأهمية خاصة من جانب النظام السوري، نتيجة اعتماد العاصمة دمشق عليها في تأمين مصادر المياه، وذلك من أجل توسيع نطاق سيطرته على دير الزور، وتحقيق مكاسب استراتيجية عديدة من خلال ذلك.

كما يبدو أن التنظيم يحاول أيضًا استباق المعطيات التي قد يفرضها انعقاد مفاوضات الآستانة بين النظام والمعارضة في 23 يناير 2017، والتي تعقبها مفاوضات جنيف في 8 فبراير من العام نفسه، وذلك لتكريس أمر واقع جديد على الأرض، قبل أن تتصاعد حدة الضغوط التي يمكن أن تفرضها نتائج تلك المفاوضات، خاصة فيما يتعلق برفع مستوى العمليات العسكرية التي سوف يتعرض لها، وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 30 ديسمبر 2016، والذي يقضي باستثناء العمليات العسكرية التي تشن ضد مواقع التنظيم، إلى جانب "جبهة فتح الشام" من وقف إطلاق النار.

عقبات عديدة:

لكن قدرة التنظيم على الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها في دير الزور تواجه عقبات عديدة، يتمثل أهمها في أن التحالف الدولي بدأ يتجه، خلال الفترة الأخيرة، إلى شن عمليات نوعية ضد عناصر وكوادر التنظيم، على غرار عملية الإنزال البري التي تم تنفيذها في 8 يناير 2017، وهى الثانية خلال عامين، والتي أسفرت عن مقتل 25 عنصرًا في التنظيم، حسب بعض التقديرات.

فضلا عن ذلك، فإن نجاح المفاوضات القادمة يمكن أن يساعد في الوصول إلى توافق دولي، لا سيما بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد تسلم إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مهامها في 20 يناير 2017، بشأن تدشين مرحلة جديدة من الحرب ضد تنظيم "داعش"، خاصة في مدينة الرقة التي تمثل معقله الرئيسي في سوريا، وهو ما يكتسب وجاهة خاصة في ضوء حرص إدارة ترامب على منح الأولوية في الفترة القادمة للحرب ضد الإرهاب.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن نجاح التنظيم في فتح جبهة جديدة في دير الزور، قد يكون مؤقتًا بانتظار تبلور ملامح التفاهمات القائمة في الفترة الحالية سواء بين تركيا وروسيا أو بين الأخيرة والولايات المتحدة الأمريكية، واستشراف ما سوف تؤول إليه المفاوضات القادمة في الآستانة وجنيف، والتي سوف تفرض نتائجها تداعيات مباشرة على الحرب ضد تنظيم "داعش" في كل من العراق وسوريا.