أهداف مزدوجة:

دوافع استخدام "الإنترنت العسكري" في الصراع السوري

10 November 2016


 تطور استخدام الإنترنت في المجال العسكري بشكل لافت خلال العقود الأخيرة، وذلك في ظل النجاح الملحوظ الذي تحقق في مجال استخدام وتطويع الفضاء الخارجي، وتطوير الأقمار الصناعية، حيث تم ربط مجالي الإنترنت والفضاء لخدمة الأهداف العسكرية، ووضع ما يمكن وصفه بـ"حوائط صد" في مواجهة مخاطر متوقعة كإجراءات احترازية.

 وتفيد العديد من الدراسات الحديثة في مجال "عسكرة الإنترنت" بأن الخطوات العديدة التي اتخذتها بعض الدول في هذا السياق جاءت في الأساس كرد فعل لوجود تهديدات منظورة أو متوقعة، إلى جانب دافع تطوير ودعم القدرات العسكرية. 

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن تصاعد استخدام ما يسمى بـ"الإنترنت العسكري" جاء في سياق اندلاع سباق تكنولوجي بين القوى الدولية الرئيسية، التي تتباين مصالحها وسياساتها إزاء العديد من الملفات الإقليمية والدولية.

 ومن دون شك، فإن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات وأزمات متعددة، خاصة منذ اندلاع الحراك الثوري في عام 2011، ساهم في تحويلها إلى ساحة لاختبار قدرات الدول على استخدام "الإنترنت العسكري"، وهو ما يبدو جليًا في الأزمة السورية التي اتسع نطاق التباين في مواقف القوى الإقليمية والدولية تجاه تطوراتها المتسارعة. 

ساحة مفتوحة:

دخلت الأزمة في سوريا منعطفًا جديدًا على كافة الأصعدة، بعد اتجاه روسيا إلى رفع مستوى انخراطها السياسي والعسكري فيها، من أجل دعم نظام الأسد ومواجهة قوى المعارضة المسلحة، والتنظيمات الإرهابية.

 وبالتوازي مع ذلك، أعلنت روسيا، خلال الفترة الأخيرة، عن استخدام أحدث أنظمة التكنولوجيا التي تعتمد على "الإنترنت" في عملياتها العسكرية في سوريا، حيث أقدمت وحدات ‏من الجيش الروسي على استخدام أحدث جيل لأنظمة الاتصالات وحرب الإنترنت عالية السرعة، والمتمثلة في أنظمة "إر- 169"، و"بي- 380 كيه".

كما اختبرت موسكو أنظمة جديدة في التشويش والحرب الإليكترونية، حيث سعت من خلال ذلك إلى الحصول على معلومات نوعية عبر الاتصالات الصوتية "المغلقة"، التي تخضع لأنظمة حماية متطورة، إلى جانب المساعدة في التواصل بين القوات الروسية المختلفة مع تجنب حدوث اختراق من جانب أطراف معادية.

تطور ملحوظ:

  لكن لا يبدو أن تأمين التواصل بين أفرع القوات الروسية الموجودة في سوريا يمثل الهدف الأساسي والوحيد من رفع مستوى استخدام روسيا "الإنترنت العسكري" داخل سوريا، وهو ما بدا جليًا في الإعلان عن تأسيس ما يُسمى بـ"شبكة الشريحة ‏المغلقة لنقل المعلومات"، إذ أن الإجراءات التي اتخذتها بعض دول الجوار، على غرار تركيا، مثلت دوافع رئيسية في هذا السياق، حيث قامت الأخيرة بوضع نظام جديد للتشويش الإليكتروني خاص بها يحمل اسم "كورال" في المنطقة الحدودية مع سوريا، بهدف تعطيل كفاءة وفعالية منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية "إس 400‏" التي ‏تحمي القاعدة العسكرية في "حميميم".

لكن روسيا لم تكتف بذلك، حيث اتجهت-حسب تقارير عديدة- إلى نقل أحدث طائرة استطلاع ‏‏"‏TU-214R‏"، المزودة بمعدات وأجهزة استطلاع إليكترونية شعاعية وأجهزة للتشويش، والقادرة على اعتراض إشارات الراديو من الهواتف ‏المحمولة، وحتى الطائرات والرادارات الأرضية وأنظمة الحرب الإليكترونية، إلى قاعدة "حميميم" في نهاية فبراير 2016، وذلك بهدف مراقبة تحركات عناصر التنظيمات الإرهابية، لا سيما خلال الفترات التي يتم التوصل فيها إلى اتفاقات لوقف العمليات القتالية.

 وبالطبع، فإن إسقاط تركيا المقاتلة الروسية "سوخوي 24" في نوفمبر 2015، ساهم أيضًا في إقدام روسيا على نقل الأنظمة الإليكترونية الجديدة إلى سوريا، وربما الترويج لها أيضًا، لا سيما في ظل حرصها على اختبار الأسلحة والقدرات العسكرية الجديدة في الأراضي السورية.

استخدامات أخرى:

ويُمكن القول في هذا السياق إن روسيا لا تنفرد باختبار قدراتها في مجال "الإنترنت العسكري" في سوريا، حيث مارست إيران دورًا مهمًّا في هذا الإطار، بعد أن قامت بتزويد نظام الأسد بمعدات إليكترونية وتكنولوجية لمكافحة الشغب من خلال مراقبة الإنترنت، وهى السياسة نفسها التي استخدمتها المؤسسة العسكرية الإيرانية، وتحديدًا الحرس الثوري، في عام 2009، لمواجهة الاحتجاجات التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، فيما يعرف بـ"أحداث الثورة الخضراء"، حيث تمكن الحرس عبرها من رصد تحركات الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل الهاتف المحمول SMS، والبريد الإليكتروني.

  وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن إيران قامت، في بداية تصاعد الأزمة، بتقديم دعم تكنولوجي لنظام الأسد يتضمن معدات لمكافحة الشغب، وآليات استخباراتية وطائرات من دون طيار، وذلك بهدف مراقبة الجهود التي يبذلها المحتجون، خاصة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل تنظيم الاحتجاجات وممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط على النظام السوري، وذلك قبل أن تتجه إيران إلى رفع مستوى هذا الدعم بتقديم مساعدات مالية وتكوين وتدريب ميليشيات طائفية من جنسيات عراقية ولبنانية وإيرانية وباكستانية وأفغانية من أجل دعم النظام في مواجهة المعارضة.

مخاطر محتملة:

وقد بدأت اتجاهات عديدة في التحذير من أن القوى الدولية والإقليمية التي حرصت على تقديم دعم تكنولوجي للنظام السوري، إلى جانب المساعدات الاقتصادية والعسكرية، تسعى من خلال ذلك إلى التجسس على الإنترنت المستخدم في سوريا بشكل عام، سواء من جانب قوى المعارضة والتنظيمات الإرهابية، أو من قبل مختلف مكونات المجتمع السوري.

 وتستند تلك الترجيحات إلى عدد من المؤشرات التي تتصل بالبطء والانقطاع المستمر في خدمة الإنترنت داخل سوريا دون الإعلان عن مسببات ذلك، سواء من قبل النظام أو من جانب قوى المعارضة، التي سبق وأعلنت أكثر من مرة إيقاف خدمة الإنترنت في بعض المناطق، كان آخرها في أكتوبر 2016 حينما أعلنت إيقاف بث "الإنترنت" عن أحياء في مدينة حلب لدواعٍ أمنية، ترتبط بتجنب حدوث اختراقات محتملة، مع التلويح بفرض عقوبات على من يخالف هذا التعميم.

وقد اكتسبت تلك الترجيحات أهمية وزخمًا خاصًا، لا سيما في ظل الشكوك التي أبدتها اتجاهات عديدة تجاه تعمد سفينة التجسس الروسية التي وصلت إلى السواحل السورية في بداية أكتوبر 2016، التوقف في محيط أحد الكابلات البحرية الممتدة بين قبرص وتركيا، بما يعني أن الهدف، في رؤيتها، ربما يتمثل في التجسس على الإنترنت داخل سوريا، وهى شكوك تداولها بكثافة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، حيث استندوا إلى تحذيرات أحد المواقع المتخصصة في الأمن الإليكتروني التي دعت مستخدمي الإنترنت داخل سوريا إلى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر عند استخدام الإنترنت، وبصفة خاصة تلك المواقع سهلة الاختراق مثل خدمة "سكايب".

 واللافت في هذا السياق، هو أن تلك الاتجاهات تشير أيضًا إلى أن الأهداف المحتملة التي تسعى روسيا إلى تحقيقها من خلال ذلك تتجاوز حدود الأراضي السورية، وتمتد إلى داخل دول الجوار، وخاصة تركيا، التي اتسعت مساحة التباين وتصاعدت حدة التوتر معها بعد إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، قبل أن تتقلص تدريجيًا بعد الاعتذار الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا في يونيو 2016.

 وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن استخدام ما يمكن تسميته بـ"الإنترنت العسكري" سوف يتصاعد خلال المرحلة القادمة، سواء بسبب حرص روسيا على رفع مستوى انخراطها في الصراع السوري، أو في ظل تزايد مخاوفها من احتمال تعرض مؤسستها العسكرية لاختراقات تكنولوجية، أو على ضوء استمرار إيران في تقديم دعم نوعي للنظام السوري، لا يقتصر على المساعدات المالية والعسكرية وإنما يمتد أيضًا إلى المساعدات التكنولوجية، بشكل يوحي بأن الأراضي السورية تحولت إلى ساحة لاختبار القدرات التكنولوجية للقوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية.