تداعيات التراجع:

كيف يروج تنظيم "داعش" لعملياته الإرهابية؟

02 November 2016


تنظيم "داعش" خلال الفترة الأخيرة في تبني آليات مختلفة للترويج لعملياته ونشاطه داخل المناطق التي يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة المواجهات المسلحة في مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة للتنظيم، لا سيما أن نتائجها سوف تحدد، بدرجة ما، ليس فقط مدى قدرة التنظيم على الاحتفاظ بالمناطق الأخرى التي يسيطر عليها، وإنما أيضًا المسارات المحتملة التي قد يلجأ إليها في حالة ما إذا استمرت خسائره البشرية والمادية بسبب الضغوط التي يتعرض لها نتيجة العمليات العسكرية التي تهدف إلى استعادة تلك المناطق.

وفي هذا السياق، حرص التنظيم على بث فيديو خاص بإجراء قرعة بين اثنين من مقاتليه لتنفيذ عملية انتحارية، وهو الفيديو الذي حظى باهتمام خاص من جانب وسائل الإعلام وأثار جدلا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما بدأ التنظيم، بالتوازي مع ذلك، في الترويج إلى ارتفاع أعداد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية من مقاتليه، وذلك وفق مقال للكاتب حسن حسن في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في 9 يوليو 2016، والذي أشار فيه إلى أن مجلة "أعماق" الشهرية التي يصدرها التنظيم كشفت أن عدد العمليات الانتحارية التي يقوم بها عناصر من التنظيم تراوحت بين 50 إلى 60 عملية شهريًا حتى نوفمبر 2015، لكنها ارتفعت في الشهور التالية ووصلت إلى ما بين 80 إلى 100 عملية شهريًا، بمعدل عمليتين أو ثلاثة يوميًا.

مصداقية مفقودة:

وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن هدف التنظيم من إلقاء الضوء على هذا الفيديو- الذي لا يمكن التكهن بمدى مصداقيته- يتمثل في الترويج لأفكار التنظيم ودعوة بعض الشباب المتعاطفين معه للانضمام إليه بهدف تعويض الخسائر البشرية المتصاعدة التي منى بها بسبب توالي العمليات العسكرية ضد عناصره ومواقعه في العراق وسوريا.

لكن ذلك لم يمنع اتجاهات أخرى من طرح تساؤلات عديدة ليس فقط حول مدى إمكانية تركيز التنظيم، خلال المرحلة القادمة، على تنفيذ عمليات انتحارية نوعية ضد مصالح بعض القوى التي تشارك في الحرب ضده، وإنما أيضًا حول مدى قدرته على القيام بذلك.

مرحلة فاصلة:

ربما يمكن القول إن مقطع الفيديو الخاص بـ"قرعة الانتحار"، يكتسب أهميته من توقيت بثه، وذلك بصرف النظر عن مدى مصداقيته. إذ يشير بشكل واضح إلى أن التنظيم بات يرى أنه يمر بمرحلة فاصلة لاعتبارين: يتمثل أولهما، في أن الخسائر العديدة التي منى بها منذ بداية معركة الموصل كانت كبيرة، حيث فقد أعدادًا غير قليلة من مقاتليه، كما خسر بعض القرى والمناطق التي كان يسيطر عليها في الفترة الماضية. 

وينصرف ثانيهما، إلى أن معركة الموصل سوف تمهد المجال أمام شن عملية عسكرية جديدة- في مرحلة تالية- في مدينة الرقة التي تمثل المعقل الرئيسي للتنظيم، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات وخيمة على تماسك التنظيم خلال الفترة القادمة. وإن كان توقيت تلك العملية لم يتحدد بعد، في ظل تعقد الصراع في سوريا، وتصاعد اهتمام القوى المنخرطة فيه بالمسارات المحتملة لمعركة حلب تحديدًا.

ومن هنا، ربما يمكن القول إن التنظيم بدأ في الاستعانة ببعض الأدوات الدعائية من أجل حشد مقاتليه وتعزيز تماسكه الداخلي، على غرار بث مقاطع فيديو ونشر تقديرات دعائية غير دقيقة لتحريض عناصره على تنفيذ عمليات انتحارية ومواجهة القوات النظامية والميليشيات المسلحة التي تشارك في العمليات العسكرية ضده.

منع الانشقاقات:

لكن ربما لا يكون ذلك هو الهدف الوحيد، إذ تشير اتجاهات عديدة إلى أن حرص التنظيم على تبني هذه السياسة، التي يسعى من خلالها إلى تدشين عملية تعبئة معنوية لمقاتليه، يعود أيضًا إلى خشيته من أن يساهم تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها في الفترة الحالية، في ظل العمليات العسكرية المتتالية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف المحلية والإقليمية، في توسيع نطاق الانشقاقات الداخلية في صفوفه، والتي يمكن أن تتسبب في إضعافه بشكل كبير وتقليص قدرته على مواجهة تلك العمليات العسكرية.

ومن هنا، يمكن تفسير تعمد التنظيم أيضًا- بالتوازي مع ذلك- إلقاء الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه وبث مقاطع فيديو خاصة بها، وذلك من أجل ردع العناصر الأخرى ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة.

أدوات متعددة:

لكن بصرف النظر عن الجدل الذي أثارته هذه الحملة الدعائية التي يقوم بها التنظيم خاصة حول مصداقيتها، يمكن القول إن هناك عوامل عديدة يمكن أن تدفع التنظيم بالفعل إلى محاولة رفع عدد مقاتليه الذين يمكن أن يقوموا بتنفيذ عمليات انتحارية.

يتمثل أولها، في الاستعداد للانسحاب المحتمل من الموصل، بسبب الضغوط القوية التي يتعرض لها التنظيم في الفترة الحالية، والذي سيدفعه، في الغالب، إلى الإبقاء على بعض عناصره للقيام بعمليات انتحارية داخل المناطق التي سوف ينسحب منها التنظيم خلال المرحلة القادمة، على غرار ما فعله بعد العمليات العسكرية التي جرت في الفترة الماضية.

وينصرف ثانيها، إلى احتواء تداعيات اختلال توازن القوى لصالح الأطراف المشاركة في العمليات العسكرية ضده، من خلال العمل على تنفيذ عمليات انتحارية نوعية تستطيع إلحاق خسائر نوعية بتلك الأطراف.

ويتعلق ثالثها، بتقليص حدة الضغوط المتوقعة على التنظيم في مناطق أخرى، لا سيما في سوريا، حيث ربما تدفع معركة الموصل بعض الأطراف في سوريا إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضد التنظيم.

تحديات مختلفة:

ومع ذلك، فإن تصاعد حدة العمليات العسكرية التي تشنها أطراف محلية وقوى إقليمية ودولية عديدة ضد تنظيم "داعش" يمكن أن يقلص من قدرة التنظيم على الاستمرار في تبني تلك السياسة. 

إذ أن ذلك سوف يوجه رسالة إلى مقاتلي التنظيم بعدم قدرته على الاحتفاظ بالمناطق التي سيطر عليها خلال العامين الماضيين، منذ انتشاره في شمال العراق في منتصف عام 2014، لا سيما مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة للتنظيم لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية عديدة.

ومن دون شك، فإن ذلك سوف يقلص من قدرة التنظيم على دعم تماسكه الداخلي وتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه، لأن تكرار انسحاب التنظيم من المناطق التي سيطر عليها وتراجع قدرته على الدفاع عنها سوف يزيد من احتمالات انشقاق عدد غير قليل من عناصره، بشكل ربما يؤدي إلى تراجع قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خلال المرحلة القادمة.

فضلا عن ذلك، فإن المشكلات الداخلية العديدة التي يعاني منها التنظيم سوف تعرقل مساعيه لرفع عدد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية، في ظل التمييز العرقي الذي يعاني منه، والذي أدى إلى وقوع اشتباكات ومواجهات مسلحة بين بعض كوادره وعناصره خلال المرحلة الماضية.

ومن هنا، ربما يمكن القول إن تداعيات معركة الموصل التي تجري في الفترة الحالية سوف تمثل اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية سواء للترويج لعمليات ونشاطاته في سوريا والعراق وبعض الدول الأخرى، أو لتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه لتعويض الخسائر البشرية التي يتعرض لها في أكثر من منطقة.