صفقات مؤجلة:

لماذا تزايد الاهتمام الإقليمي باستيراد الغاز الإسرائيلي؟

25 October 2016


وقَّعت إسرائيل على مدار الأشهر الأخيرة من عام 2016 عددًا من اتفاقيات ومذكرات التفاهم لتصدير الغاز الطبيعي لبعض دول الشرق الأوسط، هذا في الوقت الذي تواجه فيه دول المنطقة إشكالية ملحة في نقص الطاقة منذ سنوات، في حين أن إسرائيل على غرار دول حوض شرق المتوسط تتمتع بموارد ضخمة من الغاز الطبيعي، بما قد يمكنها من تحقيق أهدافها في أن تصبح مركزًا إقليميًّا لتصدير الغاز الطبيعي، ويساندها في ذلك تطبيع علاقتها السياسية والاقتصادية مع بعض دول الإقليم على غرار تركيا. 

لكن رغم نجاح بعض جهودها في هذا الشأن، إلا أن خططها لتصدير الغاز الطبيعي تصطدم بعراقيل عدة جيوسياسة واقتصادية وأمنية، بما قد يحول دون تنفيذها في المستقبل القريب.

محركات إقليمية:

اتجهت بعض دول منطقة الشرق الأوسط إلى عقد صفقات كبيرة الحجم وطويلة الأمد لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، وذلك لاعتبارات عديدة تتمثل في:

1- ارتفاع الطلب الإقليمي: في منطقة الشرق الأوسط، أصبح الغاز الطبيعي عنصرًا رئيسيًّا في مزيج الطاقة بالمنطقة، حيث شكل نسبة تقارب نصف إجمالي استهلاك الطاقة الكلي للإقليم في عام 2012. 

وفي الوقت الذي تزداد فيه احتياجات قطاعي الكهرباء والصناعة من الغاز الطبيعي، من المتوقع أن يتزايد استهلاكه بمعدل يصل إلى 2.5% سنويًّا خلال الفترة من 2012-2040 ليصل من 2026.65 تريليون قدم مكعب عام 2012 إلى 2068.88 تريليون قدم مكعب عام 2040، حسبما تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

2- تنويع مصادر الطاقة: في ضوء محدودية مصادر الطاقة المحلية في بعض دول المنطقة، بجانب تصاعد بعض الخلافات السياسية المعقدة بين الدول المصدرة والمستوردة للغاز الطبيعي عالميًّا، تبحث الأخيرة عن مصادر متنوعة لتلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي. ومثالا على ذلك، تستورد تركيا تقريبًا نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي البالغة 48.4 مليار متر مكعب سنويًّا من روسيا، في حين أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا تزال على المحك رغم  إعلان روسيا رفع العقوبات الاقتصادية تدريجيًّا عن تركيا في يونيو 2016، وهو ما دفع الأخيرة إلى السعى نحو تنويع مصادر الطاقة. 

3- سرعة الاستغلال: إسرائيل إحدى الدول القليلة في حوض البحر المتوسط التي نجحت في استغلال احتياطياتها من الغاز الطبيعي البالغة نحو 39 تريليون قدم مكعب مبكرًا، حيث بدأ الإنتاج التجاري من حقل "ماري بي" في عام 2004، والذي تبلغ احتياطياته 1.5 تريليون قدم مكعب، فيما تتوزع باقي الاحتياطيات في حقلي "تمار" و"ليفياثيان" ومجموعة من الحقول الصغيرة الأخرى.

وفيما يتعلق بحقل "تمار"، الذي تبلغ احتياطياته 10 تريليونات قدم مكعب، فقد بدأ الإنتاج التجاري منه في عام 2013. 

في حين صاغت الحكومة الإسرائيلية عبر الشهور الماضية اتفاقًا جديدًا مع مطوري حقل "ليفياثيان" الذي تبلغ احتياطياته 17.5 تريليون قدم مكعب، وهما شركتا "نوبل إنرجي" الأمريكية و"ديليك" الإسرائيلية، بخصوص شروط استثمار احتياطي الغاز به، ولتتلافى اعتراضات سابقة من قبل الهيئة الإسرائيلية لمكافحة الاحتكار والمحكمة العليا الإسرائيلية في العامين الماضيين حول اتفاق تطوير الحقل، لا سيما المتعلقة بمدى إمكانية تعديل بنود عقود التطوير واتهام الشركتين المطورتين بتمتعهما بوضع احتكاري. 

وبغض النظر عن العوائد المنتظرة للاقتصاد الإسرائيلي من وراء تطوير حقول الغاز الطبيعي والتي قد تبلغ قرابة 20 مليار دولار بحلول عام 2026، فمن المؤكد أن تصدير الغاز الطبيعي قد يعد فرصة قوية لتعزيز إسرائيل شراكاتها الاستراتيجية مع بعض دول المنطقة.

تحركات مكثفة:

كثّفت إسرائيل من مساعيها الدبلوماسية والسياسية لتعزيز طموحها بأن تصبح مركزًا إقليميًّا لتصدير الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط، مستفيدة -في الوقت نفسه- من بوادر إيجابية للتحسن التدريجي في علاقاتها السياسية مع دول الإقليم، وذلك على النحو الآتي:

1- إعادة تطبيع: توصلت كل من تركيا وإسرائيل إلى تسوية حول تطبيع العلاقات بينهما في يونيو 2016، بعد قطيعة استمرت ست سنوات بسبب اعتداء الجيش الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" أثناء توجهها ضمن "أسطول الحرية" لفك الحصار المفروض على قطاع غزة عام 2010. 

وأتاح الاتفاق بين البلدين، الذي قضى بدفع إسرائيل 20 مليون دولار لذوي ضحايا "مافي مرمرة" مقابل إعفاء إسرائيل ومواطنيها من كل أشكال المسئولية، فرصًا قوية لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما.

وفي هذا الإطار، اتفق الطرفان، في أكتوبر 2016، على تكثيف التعاون بينهما في مجال الطاقة، وذلك من خلال بحث جدوى مد أنبوب غاز يربط بين البلدين تحت البحر لإمداد تركيا بالغاز ومنها لأوروبا، فضلا عن إعلان وزير الطاقة الإسرائيلي ترحيب بلاده بانخراط الشركات التركية في قطاع الطاقة الإسرائيلي بما في ذلك عمليات التنقيب عن الغاز. 

2- تنسيق إقليمي: تخطو الأردن وإسرائيل خطوات جدية نحو تعزيز استكمال أطر تعاونهما الإقليمي في مجال الطاقة. وفي هذا الصدد، وقَّعت كل من شركة "الكهرباء الوطنية" الأردنية وشركة "نوبل إنرجي" الأمريكية المشغلة لحقل "ليفياثيان" للغاز الطبيعي، اتفاقًا نهائيًّا، في سبتمبر 2016، لتزويد الأردن بـ8.4 ملايين متر مكعب يوميًّا من الغاز الطبيعي لمدة 15 عامًا بدءًا من عام 2019 من حقل "ليفياثيان" وبقيمة 10 مليارات دولار، ويتضمن الاتفاق مد خط أنابيب لضخ الغاز بين الدولتين.

وكصفقة محتملة أخرى، أعلنت الحكومة الإسرائيلية، في سبتمبر 2016، عن مخطط لمد قطاع غزة بخط أنابيب غاز طبيعي وذلك بالتعاون مع الحكومة الهولندية. وهذه الإمدادات المحتملة، قد تمثل رافعة مهمة لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء بغزة، والذي يُعاني من شح الطاقة على مدار السنوات الماضية.

ويسبق هذا الإعلان اتفاق آخر بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، في عام 2014، لشراء 4.75 مليارات متر مكعب من الغاز لصالح شركة "فلسطين لتوليد الطاقة" على مدى 20 عامًا من حقل "ليفياثيان" بقيمة 1.2 مليار دولار، ولكن جُمد الاتفاق بسبب إلغاء الجانب الفلسطيني الصفقة في مارس 2015. 

3- محور متوسطي: أيضًا من أجل تنسيق مجالات التعاون في الطاقة بحوض البحر المتوسط، أبدت إسرائيل واليونان وقبرص في قمة ثلاثية مشتركة، في يناير 2016، رغبتهم في المضي لتنفيذ خطة لنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي والقبرصي من حقولهما المكتشفة بالبحر المتوسط لليونان التي ستصبح محطة لتصدير الغاز الطبيعي إلى شمال وغرب أوروبا. فضلا عن التفاوض مع قبرص لتشييد منشأة إسرائيلية لتسييل الغاز قرب مدينة ليماسول القبرصية. 

تحديات ممتدة:

تُواجه إسرائيل عددًا من التحديات التي ربما تحول دون استخراج وتصدير غازها الطبيعي إلى دول الجوار ومنها لأوروبا، وذلك على النحو التالي:

1- تهديدات جيوسياسية: يواجه تمرير صفقات استيراد الغاز الإسرائيلي إلى دول الشرق الأوسط صعوبات تنفيذية بالغة، إما نتيجة للرفض الشعبي لمثل هذه الصفقات على غرار ما حدث في الأردن التي تشهد احتجاجات واسعة لرفض استيراد الغاز الإسرائيلي منذ سبتمبر 2016، أو كنتيجة لوجود مشكلات تتعلق بترسيم الحدود البحرية في حوض البحر المتوسط، مثل مشكلات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، وهو ما قد يؤخر عمليات الاستكشاف والاستخراج للغاز الطبيعي. 

ومن دون شك فإن الاعتبارين السابقين سيُصعِّدان من المخاوف الجيوسياسة الخاصة بمد أنابيب الغاز الطبيعي إلى دول الجوار، لا سيما في ظل تصاعد موجة الإرهاب في المنطقة، بالإضافة للمخاطر المهددة لحقول الغاز الطبيعي.

ولذلك فقد أسندت إسرائيل مهمة حماية حقول الغاز وعمليات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط إلى الوحدة "13" في سلاح البحرية الإسرائيلي، بالإضافة إلى اعتماد منظومة صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ على متن سفنها الحربية لحماية منصات استخراج الغاز في شرق المتوسط. وعلاوةً على ما سبق، قد تجد تركيا صعوبة في مد خط أنابيب بحري -والمار بقبرص التركية على الأرجح- لإسرائيل دون وجود ضمانات كافية من اليونان لاتخاذ مثل هذه الخطوة. 

2- تنافس إقليمي: يبدو السوق الإقليمي متخمًا بالعديد من الاحتياطيات الضخمة من الغاز الطبيعي المكتشفة منها أو غير ذلك، وبحسب مؤشرات المسح الجيولوجي الأمريكي لمنطقة شرق حوض البحر المتوسط التي تضم (إسرائيل، وقبرص، ولبنان، وسوريا، ومصر) فإن هناك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي تصل إلى 122 تريليون قدم مكعب.

هذه الاكتشافات التي تتوزع على الدول الخمسة السابقة، تعني بطبيعة الحال وضعًا تنافسيًّا شرسًا بين المُصدِّرين على عدد محدود من الأسواق الاستهلاكية الكبرى. وبالتالي، على سبيل المثال، فإن تطوير حقول الغاز المكتشفة في حوض البحر المتوسط -مثل حقل "ظهر" المصري ذي الاحتياطيات الضخمة- قد يعرقل بعض الشيء الخطط التصديرية لإسرائيل لدول المنطقة. 

3- جدوى اقتصادية: تبدو مشروعات الاستثمار في الغاز أقل جدوى استثماريًّا في الوقت الراهن وذلك لاعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في هبوط أسعار الغاز الطبيعي إلى أقل من نصف مستويات عام 2014، حيث وصلت لنحو 4 دولارات و6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، بما يؤثر على جاذبية الاستثمارات في مشروعات النفط والغاز الطبيعي. ويتصل ثانيها، بارتفاع كلفة استخراج الغاز الطبيعي من المياه العميقة بإسرائيل، فقد قُدرت نفقات تطوير المرحلة الأولى لحقل "ليفياثيان" -على سبيل المثال- بأكثر من 6 مليارات دولار.

وينصرف ثالثها، إلى توافر بدائل أخرى، مثل الغاز الصخري المكتشف حديثًا في دول الإقليم. فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى احتواء الأردن على نحو 61 تريليون قدم مكعب منه، بالإضافة إلى اتجاه دول الإقليم إلى مصادر طاقة أخرى، مثل الطاقة النووية، والطاقة المتجددة المتمثلة في الرياح والشمس.

وختامًا، يمكن القول إن إسرائيل تسير بخطوات ثابتة نحو تصدير الغاز الطبيعي إلى بعض دول الإقليم، بيد أن الضغوط السياسية والاقتصادية قد تحول دون تنفيذ مخططها بسلاسة وبحسب جدولها الزمني.