توازن مرحلي:

ما الذي أسفرت عنه زيارة وزير الخارجية الياباني للصين؟

31 December 2024


تشهد العلاقات بين اليابان والصين، بعض التوترات، بين الفينة والأخرى، نتيجة لعوامل عدّة بعضها سياسي والآخر اقتصادي، دون إغفال البُعد التاريخي، والذي يتمثل في الإرث الدامي الذي خلفه احتلال اليابان لأجزاء من الصين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، والذي يلقي بظلاله على العلاقات بين القوتين الإقليميتين الآسيويتين. 

وقد شهد العام 2024؛ أمثلة على هذه التوترات بين اليابان والصين؛ ومن ثمّ جاءت زيارة وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا إلى الصين، في 25 ديسمبر 2024، للتباحث مع الحكومة الصينية حول عدد من القضايا العالقة في العلاقات الثنائية بين البلدين؛ إذ التقى الوزير الياباني نظيره الصيني وانغ يي، وكذلك رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، في بكين. 

وتُعد هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها إيوايا إلى الصين منذ توليه المنصب، في أكتوبر الفائت، وقد كانت آخر زيارة لوزير خارجية ياباني إلى الصين هي زيارة يوشيماسا هاياشي، في إبريل 2023.

أبعاد مُرتبطة: 

تحيط بزيارة وزير الخارجية الياباني إلى الصين، عدد من الأبعاد، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1. عودة ترامب للبيت الأبيض: تلقي عودة الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير 2025، بظلالها على التفاعلات الإقليمية والدولية في منطقة الإندوباسيفيك (منطقة المحيطين الهندي والهادئ)؛ إذ يتخوف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة من أن تسفر عودة ترامب عن تقليص التزامات واشنطن تجاههم، في ضوء الاتفاقات التي عقدتها معهم من قبل؛ ومنها التحالف الرباعي "كواد"، والذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان؛ وهو ما يدفع هذه الأطراف، ومنها اليابان، إلى ضرورة العمل على تخفيف حدّة التوترات مع الصين. 

وبالتوازي؛ تسعى الصين إلى تسريع خطاها، قبل تولي ترامب مهامه الرئاسية؛ لتحقيق استقرار العلاقات مع دول الجوار خشية أن تفضي ولاية ترامب الرئاسية المقبلة إلى مزيد من التوتر بين واشنطن وبكين، حيث إن ترامب معروف عنه توجهاته العدائية بالنسبة للأخيرة؛ وهو ما قد يؤدي إلى توظيف واشنطن حالة التوتر القائمة بين الصين وبعض جيرانها في فرض مزيد من القيود السياسية والاقتصادية ضد بكين. 

2. تحوّط ياباني ضد التحركات العسكرية الصينية: ترى طوكيو أن التحركات العسكرية للصين في منطقة الإندوباسيفيك هي التهديد الأكبر لها؛ مما دفعها لاتخاذ العديد من الخطوات في هذا الإطار، حيث توافقت اليابان مع الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير تعاونهما العسكري في يوليو 2024 خلال المحادثات الأمنية (2+2)، والتي جمعت وزيري خارجية ودفاع البلدين، كما أعلنت طوكيو زيادة إنفاقهما العسكري على نحو غير مسبوق هذا العام (2024)، ومضت قدماً في تعزيز تحالفاتها الإقليمية ضد الصين؛ ولعل آخرها تصديق برلمان الفلبين في 16 ديسمبر 2024 على اتفاق التعاون العسكري مع اليابان، والذي بموجبه يُسمح لجيشيهما بالانتشار على أراضي كل منهما.

وخلال الأسبوع الأول من ديسمبر 2024، نشرت الولايات المتحدة طائرة استطلاع، بينما أرسلت اليابان والفلبين سفناً بحرية في دورية مُشتركة في بحر الصين الجنوبي، بعد يومين من إدانة قوات التحالف الرباعي "كواد" لإجراءات قامت بها سفن خفر السواحل الصينية ضد سفن الدوريات الفلبينية.

تفاهم ثنائي:

تناولت الزيارة العديد من الملفات المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين الجانبين، والتي يمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:

1. البحث عن تفاهمات مُشتركة: أكد تاكيشي إيوايا، أن العلاقات مع الصين تُعدّ من أكثر العلاقات المهمة لبلاده، مشيراً لوجود إمكانات كبيرة للتعاون بين البلدين، وإلى أنه وإن كانت التحديات قائمة، فإن كلاً من الجانبين مسؤول عن ضمان السلام والاستقرار في المنطقة.

من جانبها، صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، بأن بلادها مُستعدة للعمل مع اليابان لتعزيز الحوار والتواصل، والتركيز على المصالح المشتركة، فالصين تولي أهمية خاصة لزيارة وزير الخارجية الياباني، كما أشارت إلى أن بكين ستعمل على "إقامة علاقة بنّاءة ومستقرة بين الصين واليابان تلاقي متطلبات العصر الجديد". 

2. مُناقشة الملفات الخلافية: طُرحت على طاولة النقاش بعض القضايا محل الخلاف مثل المناورات العسكرية الصينية، حيث أعرب إيوايا عن مخاوف جدية بشأن أنشطة الجيش الصيني في بحر الصين الشرقي وجزر سينكاكو (حسب التسمية اليابانية) ودياويو (حسب التسمية الصينية)، وهي الجزر المتنازع عليها بين الجانبين، وكذا العوامات الصينية التي أُقيمت حول اليابان. فضلاً عن التأكيد أن طوكيو تراقب عن كثب الوضع في تايوان. وتمت مناقشة حظر بكين واردات المأكولات البحرية اليابانية بحجة التخوف من "المخاطر الصحية" المرتبطة بتصريف المياه المعالجة من محطة الطاقة النووية المنكوبة فوكوشيما، ودعا إيوايا الصين إلى رفع الحظر.

كما دعا الوزير الياباني للإفراج السريع عن المواطنين اليابانيين الذين تحتجزهم السلطات الصينية، فضلاً عن تعقيبه على الغموض الذي يُحيط بقانون مكافحة التجسس، وما يسببه من مخاوف تدفع اليابانيين للعزوف عن زيارة الصين.

3. تعميق آفاق التعاون: تضمنت الزيارة أيضاً بعض الفعاليات مثل الحوار الثقافي رفيع المستوى بين اليابان والصين، والذي عُقِدَ لأول مرة منذ خمس سنوات، وبمشاركة وزير الثقافة الياباني آبي توشيكو. وذلك في إطار التباحث حول كيفية تعزيز التبادلات بين البلدين، وتعزيز الحوار والاتصالات وتعميق التعاون العملي.

تقارب حَذِرْ: 

خلصت تلك الجولة من المحادثات إلى بعض القرارات وتوصل الجانبان لبعض التوافق بشأن بعض الملفات، على نحو يتسق مع وصف رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ للعلاقات الثنائية بأنها تمر بمرحلة حرجة من التحسن والتطور، ولعل أبرز ما خرجت به تلك المحادثات: 

1. تعميق قنوات الاتصال وتبادل الزيارات: خلص الاجتماع للتوافق على العمل على بناء علاقات بناءة ومستقرة بين اليابان والصين، وبذل جهود مشتركة للحد من القضايا والمخاوف، من خلال مواصلة تعزيز الاتصالات على مختلف المستويات وتسريع المشاورات. 

وقد اتفق الجانبان على الترتيب لإجراء زيارة وفد من المسؤولين الصينيين لليابان في بداية العام المقبل (2025)، مع التوافق حول إجراء مُحادثات اقتصادية رفيعة المستوى خلال تلك الزيارة، وفي ظل تأكيد الجانبين أهمية التنسيق بشأن مسائل الأمن القومي؛ تم الاتفاق على عقد حوار أمني بين اليابان والصين. فضلاً عن الاتفاق على التطرق خلال المحادثات الاقتصادية رفيعة المستوى لتعزيز التعاون الملموس في مجالات مثل الاقتصاد الأخضر والطاقة والرعاية الطبية والتمريض.

واتفق الوزيران على الاستئناف المبكر لمشاورات السكرتير الصحفي الياباني الصيني، والتي يتبادل خلالها المسؤولون الدبلوماسيون وجهات النظر حول كيفية نشر الحكومة للمعلومات وعلاقتها بوسائل الإعلام؛ بهدف تعزيز التفاهم المتبادل بين شعبي البلدين. وتبادل الوزيران وجهات النظر بشأن القضايا الدولية والإقليمية مثل الوضع في أوكرانيا والشرق الأوسط، وتهديدات كوريا الشمالية، وأكدا المشاركة النشطة في الحوار بشأن هذه القضايا. 

2. تسهيلات في منح تأشيرات الدخول: أعلنت اليابان أنها ستخفف مُتطلبات الحصول على التأشيرة للمواطنين الصينيين، إذ أكد وزير الخارجية الياباني اعتزام بلاده إنشاء تأشيرة سياحية جديدة صالحة لمدة 10 سنوات للمواطنين الصينيين الأثرياء، بالإضافة إلى تأشيرة دخول مُتعددة صالحة لمدة 3 سنوات. وذلك في أعقاب القرار الذي اتخذته الصين مؤخراً بالسماح لليابانيين بالدخول من دون تأشيرة. وأعلن الجانبان عن المضي قدماً في توسيع التبادلات الاقتصادية والإنسانية بين البلدين.

3. استمرار حظر المأكولات البحرية اليابانية: لم تسفر المحادثات عن توافق حول تخفيف القيود أو إنهاء الحظر الصيني على المأكولات البحرية اليابانية، إلّا أن الجانبين اتفقا على "التنفيذ السليم" لاتفاق سبتمبر 2024، الذي تم التوصل إليه مؤخراً، والذي يُلزم اليابان بإنشاء ترتيبات مراقبة دولية طويلة الأجل تسمح للأطراف المعنية مثل الصين بإجراء عينات مُستقلة من المياه المعالجة. كما أبدى البلدان استعدادهما لاستئناف المحادثات بشأن استئناف استيراد لحوم البقر والأرز الياباني.

وفي التقدير، تعكس تلك الجولة من المحادثات الصينية اليابانية توجه البلدين لاستغلال التوقيت الانتقالي الراهن في ظل حالة عدم اليقين بشأن السياسات الإقليمية مع عودة ترامب للبيت الأبيض؛ بما يدفعهما للتوجه نحو تبني نهج أكثر اعتدالاً، وأقل صدامية لإدارة خلافاتهما نسبياً ولتحقيق بعض المنافع المتبادلة، وإن كانت القضايا الخلافية الرئيسة لا تزال عالقة ولم تُحل؛ بما يجعل ذلك التوافق المرحلي مُهدداً في حال تفاقم أي من تلك الخلافات -خصوصاً العسكرية- للحد الذي يدفع بتجدد التوتر بين الجانبين مستقبلاً.