ماذا تعني نتائج أول قمة خليجية أوروبية للإقليم والعالم؟

21 October 2024


اُختتمت في بروكسل يوم 16 أكتوبر 2024 أعمال القمة المشتركة الأولى بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد عامين من الموافقة على الاستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي تجاه دول مجلس التعاون الخليجي؛ بهدف إقامة شراكة استراتيجية جديدة بين الجانبين من أجل السلام والازدهار وإظهار مدى التقارب والتنسيق المشترك في مواجهة العديد من التحديات على المستوى العالمي. ويسعى هذا المقال إلى تقديم قراءة موضوعية لأهمية هذه القمة التي وصفت بالتاريخية، والنتائج التي توصلت إليها، ودلالات هذه النتائج بالنسبة للآفاق المستقبلية للعلاقات الخليجية الأوروبية.

أهمية القمة وخلفياتها:

اكتسبت القمة الخليجية الأوروبية الأولى، أهميتها من عاملين رئيسيين؛ هما كالآتي:

1- أهمية التكتلين الخليجي والأوروبي: يُعد الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أهم تكتلين على المستوى العالمي في الوقت الراهن بالنظر إلى ما يمتلكانه من قدرات وموارد ضخمة؛ إذ يُمثل الجانبان قوة اقتصادية هائلة تُقدر بأكثر من 20% من الناتج الإجمالي العالمي؛ إذ يبلغ الناتج الإجمالي لدول مجلس التعاون، وفقاً لأحدث البيانات، أكثر من 2.4 تريليون دولار، فيما يبلغ الناتج الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي نحو 18.3 تريليون دولار.

ومن الناحية الجيوستراتيجية، يُشكل الاتحاد الأوروبي قوة دولية مهمة ومؤثرة في المستوى العالمي، سواءً بالنظر لإمكاناته العسكرية الكبيرة، أم من حيث مستوى التطور التكنولوجي والاقتصادي لدوله الأعضاء الـ27، وقوته البشرية الكبيرة التي تبلغ أكثر من 450 مليون نسمة، وتضعه في المرتبة الثالثة عالمياً كأكبر تكتل بشري. وهذه الإمكانات تجعل الاتحاد يؤدي دوراً قيادياً في التعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والمناخية التي تواجه أوروبا والعالم.

وفي المقابل، تكتسب دول مجلس التعاون الخليجي أهمية متنامية على الصعيد الدولي، ليس فقط بسبب إمكاناتها الاقتصادية الكبيرة وموقعها كمصدر رئيسي للوقود الأحفوري في العالم، وكركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية؛ ولكن أيضاً لدورها السياسي المتنامي على المستويين الإقليمي والدولي، وتحولها إلى طرف فاعل وشريك موثوق للقوى الدولية كافة في مواجهة التحديات والأزمات العالمية الكبرى.

2- طبيعة الظروف التي انعقدت في ظلها القمة: انعقدت القمة الخليجية الأوروبية في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط وأوروبا اضطرابات سياسية بالغة الخطورة، بما في ذلك الحرب المشتعلة في قطاع غزة، ولبنان، والتوتر المتزايد في البحر الأحمر على خلفية المواجهة مع الحوثيين، وتزايد خطر توسّع الصراع في المنطقة بعد المواجهات الإسرائيلية الإيرانية المباشرة، ناهيك عن الصراع المشتعل بين روسيا وأوكرانيا، وغيرها من الأزمات التي تتطلب استجابة منسقة وعملية من الجانبين لمواجهة التحديات المشتركة، وتعزيز الجهود الدبلوماسية لحماية الأمن، والاستقرار الإقليمي والدولي.

وتكتسب العلاقات بين الطرفين الخليجي والأوروبي أهمية خاصة لكليهما، ففي منطقة تشتعل فيها الصراعات التي لا تهدد استقرار الشرق الأوسط فقط، ولكن أوروبا أيضاً، يصبح أمن واستقرار وازدهار الخليج له تداعيات مباشرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي عانى كثيراً من تبعات هذه الصراعات، ولاسيما من موجات الهجرة التي خلفتها. كما برزت دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة كوسيط مهم وفاعل في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ملف مهم لدول الاتحاد الأوروبي، وقادت دولة الإمارات جهود الوساطة بين الجانبين؛ إذ أعلنت عن نجاح تسع عمليات وساطة بين روسيا وأوكرانيا لتبادل أسرى الحرب، وبلغ العدد الإجمالي للأسرى الذين تمّ تبادلهم بين البلدين في هذه الوساطات الإماراتية 2184؛ وهو ما أعطى مؤشراً على إمكانية التوصل إلى حلول سياسية لهذه الأزمة المعقدة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تشهد العلاقات بين الجانبين الخليجي والأوروبي تطورات متسارعة تخدم مصالح الطرفين؛ إذ تُعد أوروبا الشريك التجاري الثاني لمجلس التعاون الخليجي بعد الصين، وتُعد دول مجلس التعاون الشريك التجاري التاسع لأوروبا، وبلغ معدل التبادل التجاري بين الجانبين 170 مليار يورو في عام 2023. وفي حين بلغ حجم الاستثمارات الخليجية في دول الاتحاد الأوروبي نحو 306 مليارات يورو عام 2023، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي في دول الخليج إلى 442 مليار يورو خلال العام الجاري، بحسب أولوف جيل، المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي لشؤون التجارة والزراعة. كما تشير بيانات أوروبية إلى أن واردات أوروبا من الوقود من دول مجلس التعاون شكلت أكثر من 75% من واردات الاتحاد الأوروبي عام 2023؛ لتتضاعف هذه الواردات ثلاث مرات منذ عام 2020؛ نتيجة تحول حاد في مصادر الإمداد للاتحاد الأوروبي بسبب الحرب في أوكرانيا.

ولهذه الأسباب، فإن دول الخليج والاتحاد الأوروبي سوف تستفيد من شراكة أقوى وأكثر استراتيجية، تبني على العلاقة الطويلة الأمد من التعاون بين الجانبين، والتي تعود الى اتفاقية التعاون عام 1987 التي شكلت إطاراً يحدد حواراً منتظماً حول التعاون بين الطرفين، ولاسيما في العلاقات الاقتصادية. كما أقر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي خلال اجتماع مشترك عُقد في بروكسل في فبراير 2022، برنامج تعاون مشترك للفترة من 2022 إلى 2027 تم تحديثه في أكتوبر 2023. ويستعرض هذا البرنامج أنشطة مشتركة تشمل عدداً من القطاعات، منها: التجارة، والاستثمار، وتغير المناخ، والانتقال الأخضر والمستدام، ومبادرات التواصل بين الشعوب، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب. وفي مايو 2022، أصدرت المفوضية الأوروبية ومكتب الممثل السامي للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي بياناً مشتركاً بعنوان "شراكة استراتيجية مع الخليج"؛ لإرساء خارطة طريق عملية أمام الاتحاد الأوروبي لتطوير علاقات أوثق مع دول مجلس التعاون الخليجي. وفي الشهر نفسه، تم تعيين لويجي دي مايو، كأول ممثل خاص للاتحاد الأوروبي في منطقة الخليج العربي؛ بهدف إرساء شراكة أقوى وأكثر شمولاً واستراتيجية للاتحاد الأوروبي مع دول الخليج.

وعلى الرغم من تعطُّل مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والتي بدأت عام 1990؛ فإن دول أوروبا تداركت هذا الخطأ في تأخير تفعيل التعاون المشترك الذي أضاع على الطرفين فرص كثيرة، لتُعيد إطلاق النقاش بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون عام 2017، قبل أن يتم الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية في مايو 2022، والتي أعادت صياغة أسس العلاقات الخليجية الأوروبية بما يتجاوز مجرد تطوير العلاقات الاقتصادية إلى وضع أسس أعمق لتطوير شراكة متكافئة في مجالات حيوية مثل: الاستثمار، والتغيّر المناخي، والصحة الدوليّة، وأمن الطاقة، والتحول إلى الطاقة المتجددة، ودعم التنمية، والمساعدات الإنسانية، والسلام، والاستقرار، وخفض الصراعات في الشرق الأوسط.

نتائج القمة ودلالاتها:

عكست المناقشات البناءة التي شهدتها فعاليات القمة الخليجية الأوروبية الأولى التي عُقدت في بروكسل بمشاركة 33 رئيس دولة ورئيس وزراء، والبيان الختامي الصادر عنها؛ وجود رغبة سياسية واضحة بين الجانبين لتطوير علاقات التعاون والشراكة بينهما، كما عكست تفاهمات واسعة حول تطورات الأوضاع في المنطقة والعالم؛ وذلك على النحو التالي:

1- توافق على أهمية تعزيز الأمن الإقليمي ووضع حد للحروب المشتعلة في المنطقة: فيما يتعلق بالحرب على غزة، دعا البيان الختامي للقمة إلى ضرورة التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2735، بما في ذلك وقف فوري وكامل وكلي لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وتبادل الأسرى الفلسطينيين، فضلاً عن الوصول الفوري ودون عوائق إلى السكان المدنيين، معرباً عن دعم الجانبين لجهود الوساطة التي تقودها قطر ومصر والولايات المتحدة في هذا الصدد. ورحب بتشكيل التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، الذي أعلنته السعودية والاتحاد الأوروبي والنرويج في 26 سبتمبر 2024 في نيويورك.

وفي ملف حرب لبنان، دعا البيان الختامي إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتكثيف الجهود الدولية والإقليمية لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى لبنان، كما دعا أيضاً إلى ضبط النفس ووقف التصعيد ومنع توسع الصراع إلى المنطقة الأوسع، مشدداً على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701.

وبشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، شدد البيان على ضرورة التوصل في أقرب وقت ممكن إلى سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا بما يتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ومطالبة روسيا بسحب جميع قواتها العسكرية فوراً وبشكل كامل وغير مشروط من أراضي أوكرانيا. 

2- تعزيز التنسيق والتعاون الأمني: أكد البيان الختامي للقمة الخليجية الأوروبية ضرورة تعزيز التعاون الأمني في مواجهة الأزمات المشتركة وخفض التصعيد في المنطقتين، ورحب بإطلاق الحوار الأمني الإقليمي بين الجانبين في يناير 2024، والتقدم المُحرز في تطوير مناهج مشتركة تجاه التحديات الأمنية العالمية والإقليمية وتعميق التعاون الأمني، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، والقضايا السيبرانية، والأمن البحري، والتأهب للكوارث وإدارة الطوارئ، وكذلك جهود بناء السلام مثل: الوساطة والتفاوض.

3- توسيع الشراكة الاستراتيجية: أكد البيان الختامي أن الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين تهدف إلى أن تكون المحرك الرئيسي في تعزيز أهدافهما المشتركة كشريكين وثيقين، وترتكز على نظام دولي قائم على القواعد يحترم القانون الدولي احتراماً كاملاً، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي وتعزيز وحماية حقوق الإنسان العالمية، مع تأكيد الحاجة إلى دعم تعددية الأطراف وأهمية التنمية المستدامة والازدهار. كما اتفق الطرفان على مواصلة تعزيز الأُطر الثنائية والإقليمية ومتعددة الأطراف التي تهدف إلى تطوير علاقاتهما على الأصعدة كافة، فضلاً عن اتفاقهما على مواصلة الحوار بينهما على أساس منتظم من خلال عقد قمة كل عامين؛ إذ ستُعقد القمة المقبلة في السعودية عام 2026، مع عقد الاجتماع الوزاري والمجلس المشترك التاسع والعشرين بدولة الكويت عام 2025.

4- زيادة التعاون الاقتصادي: أكد الجانبان الخليجي والأوروبي التزامهما بتطوير علاقة تجارية واستثمارية مزدهرة ومتوازنة تخدم الطرفين، من خلال أُطر متعددة الأطراف وأُطر إقليمية وثنائية، لزيادة التعاون التجاري والاستثماري والاقتصادي. كما شدد البيان الختامي للقمة على أهمية بناء اقتصادات أكثر مرونة واستدامة في مواجهة الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وتطوير التعاون في مجال تأمين سلاسل إمداد الطاقة، بما في ذلك التقنيات النظيفة. وفي مجال الاستثمار والتجارة، اتفق الجانبان على تنظيم فعاليات اقتصادية مشتركة بين الطرفين، بما في ذلك منتدى الأعمال الخليجي الأوروبي المُزمع عقده في قطر في نوفمبر 2024، فضلاً عن تعزيز التعاون لدعم الاستثمار والتجارة في التكنولوجيات النظيفة والخالية من الانبعاثات المنخفضة ومكوناتها، والعمل على تنويع سلاسل التوريد وتأمينها على الصعيد العالمي.

بشكل عام، تعكس التطورات الإيجابية التي شهدتها العلاقات الخليجية الأوروبية في السنوات الأخيرة، ونتائج البيان الختامي للقمة الأولى التاريخية بين الجانبين في بروكسل؛ توافر الرغبة والإرادة السياسية للجانبين لتطوير علاقاتهما المشتركة والدفع بها نحو آفاق أوسع في المستقبل؛ ما سينعكس بالضرورة إيجابياً ليس فقط على الطرفين ولكن على مُجمل القضايا الإقليمية والدولية.