انتخابات المالديف:

انعكاسات فوز مويزو على صراع النفوذ بين الصين والهند

13 October 2023


أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية في جزر المالديف، في الأول من أكتوبر 2023، عن فوز محمد مويزو مُرشح المعارضة، الذي يتبنى مواقف مُؤيدة للتقارب مع الصين، بمنصب الرئاسة على حساب المرشح الخاسر الرئيس المنتهية ولايته إبراهيم صليح، الذي تبنى سياسات أدت إلى تعزيز العلاقات مع الهند، المنافس اللدود لبكين، والحليف التقليدي لماليه (عاصمة المالديف)، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحول هذا البلد مجدداً إلى ساحة للتنافس والصراع على النفوذ والهيمنة بين بكين ونيودلهي، ولاسيما في ضوء الأهمية الاستراتيجية لأرخبيل جزر المالديف في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي.

وقد شهدت العلاقات الدولية في الآونة الأخيرة بروز حقيقة تزايد أهمية الدول الجزرية الصغيرة التي تحظى بموقع استراتيجي، وخاصة على طول خطوط الاتصال بموارد الطاقة، وهو ما يجعلها تواجه منافسة من جانب القوى الكبرى الراغبة في ممارسة النفوذ والهيمنة عليها، ولا تُعد جزر المالديف استثناءً من تلك القاعدة، في ظل تصاعد التنافس بين الصين والهند على بسط النفوذ على تلك الدولة الجزرية الصغيرة، التي أصبحت في العقد الأخير جزءاً لا يتجزأ من طريق الحرير البحري الصيني، مما يهدد الهيمنة الهندية ومصالحها في منطقة جنوب آسيا.

تنافس مُتعدد الأبعاد:

ثمّة تنافس بين الصين والهند على النفوذ والهيمنة في المالديف، الدولة الجزرية الصغيرة الواقعة في المحيط الهندي، وهو التنافس الذي يُعد جزءاً من تنافس أوسع وأشمل على النفوذ والهيمنة على منطقة المحيط الهندي، والذي لا تغيب عنه بصمات واشنطن، ويمكن توضيح ذلك من خلال الأبعاد التالية:

1. التنافس على السيطرة على المحيط الهندي: تقع جمهورية جزر المالديف في جنوب آسيا في المحيط الهندي، وتحديداً في جنوب غرب كل من الهند وسريلانكا، ما يجعلها تحظى بأهمية استراتيجية كبيرة، حيث تُعد نقطة اتصال بحري تربط بين خليجي هرمز وعدن في غرب آسيا، ومضيق ملقا في جنوب شرق آسيا، ما يجعلها ممراً مهماً لعبور التجارة العالمية. وتكمن الأهمية الاستراتيجية لجزر المالديف بالنسبة للهند في كونها فاعلاً مهماً في المحيط الهندي، حيث إن أكثر من 97% من حركة التجارة الدولية للهند تمر عبر منطقة المحيط الهندي، ما يجعل مسألة تأمين الممرات البحرية تحظى بأهمية كبيرة وحيوية بالنسبة للهند، علاوة على أن موقع جزر المالديف في شمال المحيط الهندي يجعلها على مقربة من المياه التي تحرسها وتسيطر عليها السفن الحربية التابعة للبحرية الهندية.

أما الصين، فقد تزايد اهتمامها بجزر المالديف في السنوات القليلة الماضية، في ضوء أولوياتها في منطقة المحيط الهندي، في إطار مبادرة طريق الحرير البحري، في القرن الحادي والعشرين، وهي الجزء البحري من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين في عام 2013. وقد ترتب على الموقع الاستراتيجي المهم لجزر المالديف في المحيط الهندي، والذي يُعد جزءاً رئيسياً من الممرات البحرية الاستراتيجية للتجارة والطاقة العالمية، حدوث سباق بشأن التنافس على السيطرة على منطقة المحيط الهندي بين الصين والهند.

2. التنافس الاقتصادي والتجاري: تتنافس الصين والهند على تعزيز وتوثيق علاقاتهما الاقتصادية والتجارية مع المالديف، سعياً وراء توطيد نفوذهما وأقدامهما في هذا البلد. فمن جانبها، قامت الصين بضم المالديف إلى مبادرتها الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وهي مبادرة الحزام والطريق، والتي تعارضها الهند، وعملت على تأسيس العديد من المشروعات التنموية في المالديف، بهدف الإسهام في تنمية اقتصاد هذا البلد من جهة، ومواجهة النفوذ الهندي هناك من جهة أخرى. كما تقوم باستيراد الغاز المسال والمأكولات البحرية من المالديف، ودعمت قطاع السياحة فيها بنحو 300 ألف سائح صيني كل عام قبل ظهور جائحة "كورونا"، كما خفضت ديون المالديف في إطار مجموعة العشرين.

ومن جانبها، تشارك الهند بشكل كبير في مشاريع تطوير البنية التحتية في المالديف، وتقوم بمساعدتها في مجالات التعليم والرعاية الصحية. وقامت نيودلهي منذ عام 2018، بتخصيص مليارات الدولارات لإنقاذ المالديف من الديون الهائلة التي ورثتها عن الحكومة السابقة، وقدمت لها اللقاحات خلال جائحة "كورونا"، بجانب استثماراتها في مشروعات البنية التحتية.

3. التنافس العسكري والأمني: تتمتع الهند بوجود عسكري وأمني كبير في المالديف، يتجلى أحد أبرز ملامحه في إقامة قواعد عسكرية وأمنية، ووجود طائرات هندية عمودية لأسباب إنسانية، يقودها طيارون هنود رغم رفعها علم المالديف. كما تتعاون الهند مع هذا البلد في مجال منع استخدام الإنترنت في الإرهاب، وذلك عبر مجموعة العمل المشتركة بين البلدين حول مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف العنيف ونزع الراديكالية، فضلاً عن تعاونهما في مكافحة الإرهاب بهدف الحفاظ على الأمن في منطقة المحيط الهندي.

وخلال زيارة وزير الدفاع الهندي، راجناث سينغ، في مايو 2023، إلى جزر المالديف، قام بتسليم سفينة دورية سريعة وسفينة إنزال إلى قوات الدفاع الوطني في المالديف كهدية، وهو ما يُؤشر على تصميم الهند على بناء قدرات الدول الصديقة في المنطقة. وعلى الرغم من عدم امتلاك الصين وجوداً عسكرياً في جزر المالديف، ونفيها في عام 2015، اعتزامها إنشاء قواعد عسكرية في هذا البلد، فإن الهند تتعاون مع الولايات المتحدة في مراقبة وجود الغواصات الصينية في المحيط الهندي، ومواجهة تطور البحرية الصينية وقدرتها على بسط نفوذها في المحيط الهندي. وفي عام 2018، تحدثت تقارير عن تخطيط الصين لبناء محطة مشتركة لمراقبة المحيط في شمال غرب جزر المالديف. ومع ذلك، تم وضع تأجيل هذه الخطط. وحتى الآن، قامت البحرية الصينية بزيارة المالديف مرتين فقط.

4. دور واشنطن في التنافس بين الصين والهند: لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة في الصراع الدائر على النفوذ بين الصين والهند في المالديف، في ضوء محاولاتها لاجتذاب نيودلهي إلى معسكرها المناوئ للصين من جهة، وتحركاتها مع حلفائها الآسيويين لاحتواء وتطويق الصين من جهة أخرى. ومن بينها محاولاتها لاستقطاب بعض الدول الجزرية الصغيرة إلى جانبها في هذه الجهود. وهو ما قد يفسر تركيز الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة على تحسين العلاقات مع جزر المالديف، حيث قامت في سبتمبر 2023، بإيفاد الدبلوماسي هوغو يو-هو يون ليكون أول سفير مقيم هناك، بعد أن حافظت الإدارة الأمريكية في السابق على علاقات دبلوماسية مع المالديف من خلال سفارتها في سريلانكا. كما هنأت وزارة الخارجية الأمريكية، في 2 أكتوبر 2023، مويزو على فوزه في الانتخابات، حيث أبدت الوزارة، على لسان ماثيو ميلر المتحدث باسمها، تطلعها الى تعميق الشراكة مع جزر المالديف وتوسيع العلاقات بين شعبي البلدين.

انعكاسات مُحتملة:

من المُحتمل أن يؤدي انتخاب مويزو كرئيس جديد لجزر المالديف إلى العديد من التداعيات، سواءً على التنافس بين الصين والهند على النفوذ والهيمنة في هذا البلد، أم على شكل وطبيعة العلاقات بين المالديف وهذين البلدين، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1. تنامي التنافس بين بكين ونيودلهي: من المتوقع أن يظل التنافس على النفوذ قائماً بين الصين والهند في جزر المالديف، إن لم تزد حدته ووتيرته في المدى المنظور، في ضوء الأهمية الجيوستراتيجية التي تمثلها المالديف بالنسبة لكلا البلدين. إذ يتوقع أن تتجه بكين إلى استغلال تأييد الرئيس الجديد للمالديف محمد مويزو للتقارب معها، في تعزيز حضورها في الدولة الجزرية الصغيرة، ولاسيما في المجالين الاقتصادي والعسكري والأمني. وذلك من خلال تعميق انخراط المالديف في مبادرة الحزام والطريق، ولاسيما فيما يتصل بإمكانية الحصول على تسهيلات لوجستية بحرية في هذا البلد، عبر مشروعات البنية التحتية، خاصة في مجال الموانئ وشبكات الطرق. علاوة على محاولة معالجة الضعف الذي يعتري مسألة عدم القدرة على الوجود العسكري والأمني في المالديف، وهي المسألة التي تمثل نقطة ضعف للصين في مواجهة الهند.

وعلى الجانب المقابل، من غير المُتوقع أن تتجه الهند إلى خفض مستوى علاقاتها مع المالديف، وذلك على الرغم من تبني الرئيس المنتخب توجهاً مؤيداً للتقارب مع الصين، وإخراج الهند من المالديف، باعتبار أن المالديف تُعد بمثابة الفناء الخلفي للهند من ناحية، كما أنها تُعد، من ناحية أخرى، جزءاً من إطار أشمل وأكبر للتنافس بين الهند والصين على النفوذ والهيمنة في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي.

ومن هنا، فإن تنامي التنافس بين الصين والهند على النفوذ في المالديف، سيترتب عليه التأثير في أمن واستقرار هذا البلد، وهو التأثير الذي يمكن أن يمتد ليشمل العديد من الدول الصغرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

2. تعزيز التقارب مع الصين: يتبنى الرئيس الجديد المنتخب في المالديف مقاربة سياسية تنحو باتجاه تعميق العلاقات مع الصين، وهو الأمر الذي يستدل منه على أن ولايته سوف تشهد تنامياً كبيراً في العلاقات بين البلدين. كما سبق للرئيس الجديد أن وعد ببناء علاقات أوثق مع بكين، وذلك خلال اجتماعه عام 2022، مع مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني، إذ صرح بأن عودة حزبه إلى السلطة "ستكتب فصلاً آخر من العلاقات القوية بين الصين وجزر المالديف".

وقد سارعت الصين إلى تهنئة الرئيس المنتخب مويزو، وأبدت وزارة الخارجية الصينية، في بيان لها، في 2 أكتوبر 2023، استعداد الصين للعمل مع المالديف، لتوطيد الصداقة التقليدية وتعميق التعاون بين الجانبين.

وبالتالي، يتوقع أن يعمل مويزو على إصلاح العلاقات مع الصين، وتصحيح إرث سلفه إبراهيم صليح، الذي أعاق إبرام اتفاقية التجارة الحرة مع بكين، والتي من المرتقب أن يؤدي وصول مويزو إلى سدة الحكم، إلى تسريع المحادثات بشأن التوصل إليها في المستقبل القريب. وهو ما سيترتب عليه تزايد نفوذ الصين في هذا البلد على حساب منافستها الهند.

3. تقليص العلاقات مع الهند: يتبنى حزب الرئيس الفائز في الانتخابات، توجهات تهدف إلى تقليل التعاون مع الهند في المجالات الاقتصادية والعسكرية. حيث خاض حملته الانتخابية تحت شعار "لا لتدخل الهند"، زاعماً أن الوجود العسكري الهندي في بلاده يقوض سيادتها، وتعهد بطرد جميع الأفراد العسكريين الهنود. وهو ما يتوقع معه اتجاه الحكومة الجديدة في المالديف إلى خفض مستوى التعاون العسكري والأمني مع الهند. الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث اضطراب وتوتر في العلاقات بين البلدين.

وبالتالي، من المرجح أن يتضاءل نفوذ الهند في جزر المالديف لصالح الصين، وهو ما سيمثل خسارة كبيرة بالنسبة لنيودلهي، ولاسيما في ظل نجاح الصين، خلال العقديْن الماضييْن، في تحقيق العديد من المكاسب في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي، والتي تُعد بمثابة الفناء الخلفي للهند.

وقد يسعى مويزو إلى خلق مسافة عامة أكبر مع الهند، ولكن من غير المرجح أن يغير موقف السياسة الخارجية لجزر المالديف بشكل جذري. وقد هنأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الرئيس الجديد على فوزه، مشيراً إلى أن "الهند تظل ملتزمة بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين التي خضعت لاختبار الزمن وتعزيز التعاون الشامل بينهما في منطقة المحيط الهندي". ومع ذلك، يرى حلفاء مويزو أن الرئيس المنتخب لا يسعى إلى تعطيل العلاقات مع نيودلهي، ومن المحتمل أن تكون أول زيارة دولة له إلى الهند، كما فعل رؤساء جزر المالديف السابقون. 

4. تبني سياسة مُتوازنة تجاه البلدين: ثمّة اتجاه يرى أن الحكومة الجديدة في المالديف قد تعمل على تجاوز مسألة الانقسام بين الصين والهند، وذلك عبر تبني سياسة خارجية متوازنة تجاه البلدين. حيث ترجح بعض التقديرات أن يتجه مويزو إلى منح الأولوية لقضايا السياسة الخارجية والأمن في إطار العلاقات مع الهند، فيما يعطي الأولوية للتعاون الاقتصادي في العلاقات مع الصين. وهو ذات التوجه الذي تتبناه العديد من دول المحيط الهندي في إطار علاقاتها مع الصين والهند، وذلك على الرغم مما يحيط بهذا التوجه من صعوبات ومخاطر بالنسبة للدول الصغرى.

دلالات سياسية:

تعكس مسألة الانقسام ما بين تأييد الصين أو الهند التي برزت على أجندة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في جزر المالديف، العديد من الدلالات السياسية المهمة، التي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1. تأثير المُتغير القيادي في السياسات الخارجية للدول الصغرى: باستقراء أبرز ملامح توجهات الرئيسيْن السابقيْن لجزر المالديف، والرئيس الجديد المنتخب حديثاً، يمكن ملاحظة غياب وجود توجه أو رؤية استراتيجية موحدة بشأن العلاقات تجاه الصين أو الهند. حيث تبنى رئيس المالديف الأسبق عبدالله يمين (2013-2018) توجهاً يرتكز على منح الأولوية للعلاقات مع الصين على حساب الهند، في الوقت الذي تبنى فيه خليفته الرئيس المنتهية ولايته إبراهيم صليح توجهاً يرتكز على منح الأولوية لعلاقات بلاده مع الهند على حساب الصين. ومن اللافت أن الرئيس الجديد محمد مويزو يسير على ذات التوجهات التي سار عليها الرئيس الأسبق عبدالله يمين، بمنح الأولوية للتقارب مع الصين على حساب الهند.

وهي الحقائق التي يستدل منها على عدم وجود توجه استراتيجي ثابت لدى قيادة المالديف بشأن العلاقات تجاه كل من الصين أو الهند، وتذبذب هذه العلاقات ما بين إيلاء الأولوية للصين على حساب الهند تارة، ومنح الأولوية للهند على حساب الصين تارة أخرى.

2. أهمية الدول الصغرى في سياسات التنافس الدولي: على الرغم من وجود العديد من الفواعل الدولية التي تندرج في سياق ما يُطلق عليها "الدول الصغيرة"، بمقاييس المساحة الجغرافية أو عدد السكان، فإن هذه الدول باتت تحظى بأهمية مُتزايدة لدى القوى الدولية الكبرى المُتنافسة على النفوذ والهيمنة في ظل النظام الدولي الحالي. وهي الحقيقة التي تتضح في حالة جمهورية جزر المالديف، والتي رغم صغر مساحتها الجغرافية وعدد سكانها القليل، فإنها تحظى باهتمام كبير من جانب القوى الدولية الكبرى المتنافسة على النفوذ والهيمنة في منطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا، وعلى رأسها الصين والهند، بجانب الولايات المتحدة.

وفي التقدير، يمكن القول إن صعود محمد مويزو إلى سدّة الحكم في جزر المالديف، سيؤدي على الأرجح إلى تنامي التنافس بين الصين والهند على النفوذ والهيمنة في هذا البلد، في ضوء تبنيه موقفاً مؤيداً للتقارب مع بكين من جهة، وتقليص العلاقات مع نيودلهي من جهة أخرى. وهذا التنافس لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التنافس المحتدم بين العملاقيْن الآسيوييْن على النفوذ والسيطرة في منطقة المحيط الهندي، والذي تؤدي الولايات المتحدة دوراً ملحوظاً في تأجيجه، بتقاربها مؤخراً مع المالديف، بما يعكس تزايد أهمية دور الدول الجزرية الصغيرة في ديناميات التنافس الدولي بين القوى الدولية الكبرى الطامحة إلى الهيمنة والنفوذ في ظل النظام الدولي الراهن.