صفقة تاريخية:

ماذا يعني بيع إسرائيل منظومة "آرو 3" الدفاعية لألمانيا؟

05 September 2023


بعد مداولات استمرت لشهور، أعلنت الحكومة الإسرائيلية، في أغسطس 2023، أنها تعتزم بيع منظومة الدفاع الصاروخي "آرو 3" (Arrow-3) التي تُعرف أيضاً بـ"حيتس 3" لألمانيا، في صفقة تبلغ قيمتها 3.5 مليار دولار، ما يجعلها أكبر صادرات إسرائيل العسكرية على الإطلاق. وقد تم طرح الصفقة منذ إبريل الماضي، خلال اجتماع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والمستشار الألماني، أولاف شولتس.

تفاصيل الصفقة:

جاء الإعلان الإسرائيلي عن بيع منظومة "آرو 3" لألمانيا بعد أن أبلغ مسؤولو الخارجية الأمريكية، كبار قادة وزارة الدفاع الإسرائيلية، بالموافقة على الصفقة. وتُعد هذه الموافقة خطوة ضرورية قبل إتمام الصفقة؛ لأن نظام الدفاع الصاروخي هو نتاج تطوير مشترك بين واشنطن وتل أبيب، لكن المُصنِّع الرئيسي هو شركة "صناعات الفضاء الإسرائيلية" "IAI".

وأشارت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في بيان لها، إلى أن الخطوة التالية في الصفقة هي حفل توقيع "خطاب التزام" بين كبار مسؤولي الدفاع من كلا البلدين. وسيبدأ الالتزام الأوّلي من برلين بمبلغ 600 مليون دولار، وذلك حتى تشرع إسرائيل في بدء عملية الإنتاج. وسيكون العقد الكامل جاهزاً للتوقيع بحلول نهاية العام الجاري، بعد موافقة السلطة التشريعية في البلدين على الصفقة، ليكون موعد التسليم النهائي تقريباً في الربع الأخير من عام 2025.

ومثلما تنظر إسرائيل إلى تلك الصفقة على أنها تاريخية، نظراً لكونها الأكبر في تاريخها، بجانب أن الدولة المُستوردة هي إحدى الدول المركزية في المنظومة الأمنية الغربية؛ فإن ألمانيا هي الأخرى تنظر بعين الاعتبار للصفقة، حيث تُعوِّل عليها لسد النقص الذي تعاني منه منظومة "الناتو" في أوروبا فيما يتعلق بأنظمة الدفاع الجوي الأرضية، وذلك لمواجهة الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار.

قدرات متقدمة:

تُعد منظومة "آرو 3" أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي بعيدة المدى تقدماً في إسرائيل، وتهدف إلى اعتراض الصواريخ البالستية بينما لا تزال خارج الغلاف الجوي للأرض. ويمكنها اعتراض الصواريخ من مسافة تصل إلى 2400 كيلومتر (1490 ميلاً)، وعلى ارتفاع يزيد عن 100 كيلومتر (62 ميلاً).

وتحتوي هذه المنظومة على صواريخ مُزوّدة برؤوس حربية قابلة للفصل حتى تصطدم بالهدف، ويمكنها اعتراض وتدمير العديد من الرؤوس الحربية، بشكل آمن، سواءً التقليدية، أم غير التقليدية (مثل البيولوجية والكيميائية)، وحتى الرؤوس النووية.

وتتبع منظومة "آرو 3" عقيدة قتالية تتضمن نشراً مزدوجاً لتكنولوجيا الاعتراض المتقدمة، حيث يتم إطلاق دفعة أولى من الصواريخ الاعتراضية تجاه المهاجمين القادمين، تليها دفعة ثانية يتم إطلاقها لاعتراض المهاجمين الذين نجوا من الدفعة الأولى، وذلك بناءً على تقييم نتائج الاعتراض الأول.

وبدأت إسرائيل التفكير في إنتاج "آرو 3" منذ مارس 2007، وذلك بدلاً من العرض الأمريكي –حينئذ - لشراء نظام الدفاع الصاروخي "THAAD". وفي فبراير 2013، أجرت إسرائيل أول اختبار لهذه المنظومة، في مسار خارج الغلاف الجوي. وفي يناير 2017، اكتمل تطوير "آرو 3"، لتدخل إلى سلاح الجو الإسرائيلي، ثم دخلت مرحلة الإنتاج الكامل في أغسطس من نفس العام، ليتم نشرها بعد ذلك - لأول مرة - في قاعدة جوية إسرائيلية، بهدف التصدي لهجمات مُحتملة من سوريا أو إيران.

وتُعد شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية "IAI" هي المُصنِّع الرئيسي لهذه المنظومة الدفاعية، ولكن بتمويل جزئي من الولايات المتحدة، وبشراكة مع "بوينغ" الأمريكية. وفي عام 2019، وقّعت إسرائيل والولايات المتحدة اتفاقية إنتاج مشترك لمنظومة "آرو 3". ومع ذلك، تدخل أكثر من شركة تسليح إسرائيلية في العملية الإنتاجية لهذه المنظومة، حيث يتم تطوير تكنولوجيا القيادة والتحكم الخاصة بها بواسطة شركة "Elbit Systems" الإسرائيلية، وكذلك تقوم شركتا "تومر" و"رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة" – وهما شركتان حكوميتان إسرائيليتان - بإنتاج الصواريخ الاعتراضية الرئيسية للمنظومة. ويجري العمل حالياً على تطوير نظام أكثر تقدماً، وهو Arrow 4.

استفادة إسرائيلية:

جاءت صفقة بيع منظومة الدفاع الصاروخي "آرو 3" إلى ألمانيا، في وقت دقيق، ليس بالنسبة لأوروبا ومنظومة الأمن الغربية فقط، ولكن لإسرائيل أيضاً، والتي بدأت قوتها في مجال الصناعات العسكرية تأخذ بُعداً جديداً من التطور.

فمن جهة، تم اعتبار حجم الصفقة إنجازاً تاريخياً لمنظومة التصنيع العسكري الإسرائيلي، وهو أمر استغلته حكومة نتنياهو لاكتساب رصيد من الثقة والدعم بين صفوف الرأي العام، في وقت تعاني فيه من أزمة داخلية كبيرة. فقد وصف نتنياهو هذا الاتفاق مع ألمانيا بأنه "نقطة تحول تاريخية" بين البلدين، خاصة بالنظر إلى التاريخ الذي يجمعهما. كذلك أشار وزير الدفاع، يوآف غالانت، إلى أن موافقة الولايات المتحدة كانت "تعبيراً عن الثقة في القدرات المُمتازة للصناعات الدفاعية الإسرائيلية"، معتبراً أن تلك الصفقة ستسهم في تعزيز قوة إسرائيل واقتصادها، وكذلك في تعزيز قوة الدفاع الجوي في أوروبا. وكتب سفير إسرائيل في برلين، رون بروسور، تغريدة على موقع X (تويتر سابقاً)، نصها: "لأول مرة، سيحمي نظام إسرائيلي سماء ألمانيا وأوروبا ككل".

ومن جهة أخرى، فإن عقد صفقة "آرو 3" يفتح المجال أمام إسرائيل لتصدير المزيد من أنظمتها الدفاعية إلى دول أوروبا المتقدمة، مما قد يؤدي إلى مضاعفة عائدات هذه الصناعة خلال العقد الحالي. فقد بلغ إجمالي عائدات صادرات الدفاع الإسرائيلية في عام 2022، نحو 12.5 مليار دولار، ويبدو أن تل أبيب في طريقتها لتخطي هذه الرقم خلال العام الجاري. والجدير بالذكر أن شركة "IAI" المُصنّعة لمنظومة "آرو 3"، استأثرت وحدها بنحو 5 مليارات دولار من عائدات العام الماضي.

وفي هذا الصدد، أكد المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، الجنرال (احتياط) إيال زمير، أن بعض عائدات صفقة ألمانيا ستذهب نحو تعزيز أنظمة الدفاع الإسرائيلية. بينما أشار رئيس منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية التابعة لوزارة الدفاع، موشيه باتيل، إلى أن ألمانيا لن تشتري نظاماً واحداً، بل بنية كاملة يمكنها حماية جميع المواطنين في كل البلاد، واسترسل أن "حيتس 3 هو نظام متنقل، يمكن تغييره وفقاً لمختلف التهديدات، ولهذا السبب تشتري ألمانيا النظام الذي يمكن استخدامه وفقاً لمتطلباتها الخاصة".

ويبدو أن تزايد المخاوف الأوروبية بشأن الدفاعات الجوية مثّل بيئة واعدة لصناعات الدفاع الإسرائيلية. فقبل أسبوعين من إعلان صفقة ألمانيا، وافق البيت الأبيض أيضاً على بيع نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي "مقلاع داود" "David's Sling"، إلى فنلندا؛ وهو نظام دفاع جوي آخر تم تطويره بشكل مشترك مع واشنطن. ويُشكِّل نظاماً "آرو 3" و"مقلاع داود"، أعلى مستويين من أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات.

ومع ذلك، يرى الرئيس التنفيذي لشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، بوعز ليفي، أن نظام "باراك 8" للدفاع الجوي سيكون جوهرة التاج لصناعات الدفاع الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة، وأن الطلب عليه قد تزايد في جميع أنحاء العالم؛ فهو "نظام دفاع جوي نشط متعدد المهام يشتمل على صواريخ بحر-جو، وصواريخ أرض-جو"، ومُصمَّم للحماية من الطائرات والمروحيات والطائرات من دون طيار والصواريخ المُضادة للسفن وصواريخ "كروز". ويبدو أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المختلفة صارت تعمل على تعزيز سمعة تل أبيب في هذا المجال.

تحول تاريخي:

في أعقاب الإعلان عن الموافقة الأمريكية على صفقة "آرو 3"، صرّح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، بأن شراء بلاده لهذه المنظومة ضروري لحمايتها من الهجمات الصاروخية البالستية، كما أنه سيُعزِّز الدفاع الجوي لحلف "الناتو".

ولا يمكن إدراك أهمية هذه الصفقة إلا في إطار فهم تطور السياسة الدفاعية الألمانية خلال الـ18 شهراً الماضية، أي منذ بداية الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، والتي أسفرت عن التحول الأكثر عمقاً في السياسة الخارجية لبرلين منذ نهاية الحرب الباردة. فقد نظرت ألمانيا إلى الحرب الروسية، ليس باعتبارها موجّهة ضد أوكرانيا فقط، بل ضد المنظومة الأمنية الأوروبية بأكملها، وبالتالي تم اعتبارها تهديداً مباشراً للأمن القومي الألماني. ومنذ ذلك الحين، ظهر مصطلح (Zeitenwende) أي "نقطة تحول تاريخية"، وذلك في الخطاب الذي ألقاه المستشار شولتس في 27 فبراير 2022، بعد أيام من بداية الحرب الأوكرانية.

وانتشر هذا المصطلح، وعبّرت ألمانيا بأساليب مختلفة عن طموحها لتولي دور عسكري رائد في أوروبا، وصاغ شولتس أجندة جديدة للسياسة الدفاعية، مبنية على ثلاث ركائز رئيسية؛ هي: إعادة تنظيم الجيش الألماني، وتحسين الدفاع الأوروبي، ودعم أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، تحركت ألمانيا على أكثر من محور لتطبيق هذه الأجندة الجديدة، كالتالي:

1- في فبراير 2022، أعلن المستشار الألماني إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو (109 مليارات دولار)، بهدف تحديث القوات المسلحة الألمانية.

2- في يونيو 2023، استضافت ألمانيا واحدة من أكبر تدريبات النشر الجوي في تاريخ "الناتو"؛ وهي (Air Defender 23)، حيث شاركت 250 طائرة من 25 دولة. وذكر قادة عسكريون ألمان أن برلين تُظهِر أن "أراضي الناتو خط أحمر، وأنها مستعدة للدفاع عن كل سنتيمتر من هذه الأراضي".

3- في يونيو الماضي أيضاً، أصدرت الحكومة الألمانية أول استراتيجية شاملة للأمن القومي في تاريخ البلاد الحديث، والتي أشارت بوضوح إلى تحول السياسة الخارجية الألمانية أكثر نحو المسائل الأمنية، واعتبرت أن روسيا صارت "الخطر الأكبر" على السلام في أوروبا والمحيط الأطلسي. فضلاً عن انتقاد السياسة الخارجية الصينية، ورأت برلين أن بكين تحاول بطرق مختلفة "إعادة تشكيل النظام الدولي".

أما التطور الأبرز في السياسة الدفاعية الألمانية، والمرتبط أساساً بشراء منظومة "آرو 3"، فهو طرح مبادرة "درع السماء" (Sky Shield)، والتي كشف عنها المستشار الألماني لأول مرة في أكتوبر الماضي، حيث تهدف إلى "بناء منظومة دفاع جوي وصاروخي مشتركة في أوروبا"، ويقوم المشروع على شراء الدول الأعضاء فيه بصورة جماعية لمنظومات دفاعية مختلفة تتكامل مع بعضها بعضاً لحماية السماء الأوروبية.

وحتى أغسطس 2023، أعلنت 19 دولة أوروبية الانضمام إلى هذه المبادرة الألمانية، من بينها دولتان في "حالة حياد استراتيجي" هما النمسا وسويسرا، بالإضافة إلى فنلندا والسويد. لكن في المقابل، ترفض دول أوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا وبولندا، الانضمام لهذا المشروع الدفاعي الأوروبي المشترك، إذ تُطالب باريس – تحديداً - بأن تتولى كل دولة أوروبية حماية نفسها بواسطة أسلحة أوروبية. ويعتمد المشروع الألماني على ثلاثة أنظمة للدفاع الجوي؛ هي: نظام "آيرس-تي" الألماني للدفاع قصير المدى، ونظام "باتريوت" الأمريكي للدفاع متوسط المدى، ونظام "آرو 3" للدفاع بعيد المدى.

إجمالاً، ربما تعيش صناعات الدفاع حول العالم، خلال العقد الحالي، عصراً ذهبياً، فبالرغم من استمرار جهود تعزيز التعاون والتكامل الدولي في مختلف القضايا، وتصاعد دور التكتلات الإقليمية والاقتصادية في مختلف أنحاء العالم، فإن الحرب الروسية الأوكرانية أحدثت هزة كبيرة في السياسات الدفاعية حول العالم، وفي أوروبا بشكل أكبر. وفي ظل التقدم المُطرد في تكنولوجيا التسليح، ربما نشهد سباقاً للتسلح العالمي في السنوات المقبلة، يتمحور بالأساس حول أنظمة الدفاع والهجوم الجوية.