مخاطر مركبة:

تأثيرات تغير المناخ على أمن الغذاء بعد الجائحة

16 October 2022


عرض: عبد المنعم علي

تؤثر التغيرات المناخية على مستقبل الأنظمة الغذائية العالمية، خاصة أن لها مخاطر مركبة وممتدة، فهي تضر التربة وجودتها ونظم الآفات والأنماط المختلفة للنمو، علاوة على تدهور الأراضي الزراعية وانخفاض التنوع البيولوجي، الأمر الذي يتطلب معه بناء أنظمة غذائية مرنة لمجابهة تلك المتغيرات. 

لذلك، سعت الباحثتان "شوبا سوري" و"أبارنا روي" في دراسة لهما بمؤسسة أوبزرفر للأبحاث، إلى تسليط الضوء على أبعاد وتداعيات التغير المناخي على الأنظمة الزراعية والمائية على مستوى العالم، خاصة في الدول النامية. 

كما طرحت الدراسة تحت عنوان "مستقبل الغذاء: إعادة تصور النظم الغذائية المقاومة للمناخ في عالم ما بعد الجائحة" تصوراً حول مستقبل الغذاء؛ لإيجاد البدائل لمعالجة تأثيرات التغير المناخي، من خلال تضافر جهود الجهات الوطنية والمنظمات العالمية للتخفيف من انعكاسات تأثر الأمن الغذائي بالعوامل المناخية، لاسيما بعد أن زادت وطأته إثر جائحة كورونا. 

تغير المناخ وأمن الغذاء:

فاقمت ظاهرة التغير المناخي بصورة كبيرة من حِدة انعدام الأمن الغذائي والنظم الغذائية غير المستدامة وما تبعها من سوء سلامة التغذية وانتشار الأمراض، ويتجلى ذلك في عدد من المظاهر على النحو الآتي:

1) مخاطر صحية – غذائية: يرتبط التغير المناخي بالزيادة السكانية، حيث يتبع ذلك النمو طلباً متزايداً على الغذاء، ومن ثّم بات هناك توجه للاستخدام المكثف للكيماويات الزراعية، مثل مبيدات الآفات والأسمدة؛ وذلك بهدف زيادة الإنتاج الزراعي وكذلك تعزيز الثروة الحيوانية، ولعل ذلك الأمر يؤدي إلى تدمير أكثر من نصف محاصيل العالم بواسطة تلك الحشرات الضارة والأمراض، وبالتالي تخفيض إنتاج الغذاء للفدان، كما يؤثر بشكلٍ مزدوج على النظم البيئية ويقلل من جودة التربة بسبب زيادة عمليات التعرية. 

ويرتبط استخدام المبيدات الكيماوية بالتلوث الكيميائي، حيث قد يؤدي للعديد من الأمراض وعلى رأسها السرطان ومشكلات الإنجاب وتلف الجهاز التنفسي، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تسببت الأنظمة الغذائية السيئة في إصابة نحو 35% بالسرطان، كما أن نحو 385 مليون حالة تسمم حاد (منها 11000 حالة وفاة) ترجع بالأساس إلى استخدام مبيدات الآفات في عملية الزراعة.

كذلك، فإن التبعات الصحية للتغيرات المناخية قد تصل إلى زيادة الإصابات الناجمة من سوء التغذية، فوفقاً لتقدير منظمة الصحة العالمية فإن نحو 600 مليون شخص، أي ما يعادل 7.5% من إجمالي سكان العالم يصابون بالأمراض على ضوء تناول الأغذية الملوثة، ويموت من تلك الأعداد نحو 420 ألف، كما أن جائحة كورونا والتغيرات المناخية أديتا إلى الافتقار للحصول على الغذاء الكافي لنحو ثلث سكان العالم خلال عام 2020، في حين أن 3 مليارات لم يتمكنوا من الحصول على غذاء صحي، إلى جانب ذلك يواجه ما بين 720 و811 مليون شخص على مستوى العالم الجوع، كما ارتفعت معدلات نقص التغذية بين الأطفال بشكلٍ مقلق.

2) تداعيات على الأراضي والحيوانات: تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على الأمن المائي الذي يؤدي إلى تغير الأراضي الصالحة للزراعة، وهو ما يؤثر بدوره على سلامة الأغذية، علاوة على ما يؤدي إليه التغير المناخي من تأثير على النظم البيئية من خلال الإخلال بالتوازن بين المحاصيل من ناحية والآفات الضارة من ناحية أخرى. إضافة لذلك، فإن الإنتاج الحيواني يتأثر سلباً بالتغير المناخي، وتدليلاً على ذلك فإن الهند شهدت نفوق أكثر من 17 مليون طائر على خلفية موجة الحر التي شهدتها الدولة في مايو 2015، وكذلك الحال بالنسبة لجنوب أوروبا التي شهدت تراجعاً في إنتاج الحليب من الأبقار التي تتعرض للإجهاد الحراري، مما أفقد الإنتاجية لنحو 5.5 كجم يومياً، وكذلك الأمر بالنسبة لنفوق الماشية في الدول الأفريقية لتزايد موجات الجفاف.

على جانب آخر، فإن الفيضانات والأمطار الغزيرة تؤثر بالسلب على صحة الحيوانات لما تنقله تلك الظواهر الطبيعية من أمراض، فعلى سبيل المثال، يرجع اندلاع حمى الوادي المتصدع في شرق أفريقيا عام 2015 واحتمالية بروز أمراض أخرى كفيروس غرب النيل وداء البلهارسيا إلى تغير المناخ، ويؤدي كل ذلك إلى التأثير على اللحوم المنتجة مما يهدد سلامة الغذاء. 

3) تأثيرات مضاعفة على النساء: تؤثر التغيرات المناخية وما يتبعها من تداعيات على سلامة الغذاء بشكلٍ أكبر على النساء التي تلعب دوراً محورياً في النظم الغذائية، حيث يشير تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض مزمنة ومستويات أعلى من السمنة، فمن بين 690 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم هناك 60% منهم نساء. 

من هذا المنطلق تعتبر الدراسة أن تأثير انعدام الأمن الغذائي وسلامة الغذاء على النساء يأخذ صورة غير متناسبة، لكون تلك الفئة منخرطة بشكلٍ كبير في عملية الغذاء، حيث هناك المزارعات والتجار والعاملات والمستهلكات اللاتي تأثرن بصورة كبيرة بأبعاد جائحة كورونا في ضوء الأعباء والتكلفة الإضافية الناجمة عن تلك الجائحة، ولم تكن تلك الأعباء مادية فقط بل معنوية، حيث أوضحت منظمة الأغذية والزراعة أن النساء واجهن خطر التعرض للعنف المنزلي بصورة أكبر أثناء الوباء على أثر الإجراءات الاحترازية والتداعيات الاقتصادية الأخرى، وهو الأمر الذي يؤدي في مجمله إلى زيادة حجم الفجوة في المساواة بين الجنسين.

الجائحة وسلامة الغذاء:

شهد القطاع الزراعي والإنتاج الغذائي حالة من التصدع على ضوء تفشي جائحة كورونا، حيث أدت إلى إحداث خلل في سلاسل الإمداد الغذائي والتغيرات في الأسعار المختلفة للغذاء؛ مما زاد من انعدام الأمن الغذائي عالمياً، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك علاقة عكسية بين الفيروس وتفشي الأمراض الغذائية، حيث تشير الدلائل إلى أنه منذ بداية الجائحة في عام 2020 انخفض تفشي الأمراض التي تنقلها الأغذية، وترى الباحثتان أن ذلك يمكن أن يُعزى إلى زيادة الوعي حول العالم والتدابير المتخذة تجاه التعقيم والنظافة.

وأدت جائحة كورونا بصورة كبيرة إلى أبعاد سلبية على الكثير من القطاعات، فبعيداً عن الاضطراب الذي شهده القطاع الصحي في العالم، فإن السياسات الاقتصادية تأثرت بشكلٍ حاد مع تطور تلك الجائحة، حيث أدت حالة الركود الاقتصادي إلى مفاقمة الأمن الغذائي داخل الكثير من الدول التي تعاني بالفعل تراجع الإنتاج وزيادة الكثافة السكانية، الأمر الذي تطلب معه وضع برامج وسياسات للحماية الاجتماعية عبر العمل على زيادة الإنتاج لمعالجة مخاطر تزايد الفجوة الغذائية وما يتبعها من حالات فقر غذائي وانعدام للأمن الغذائي داخل تلك الدول.

ودفعت الاضطرابات في سلاسل الإمداد الغذائي العالمية الناجمة عن الوباء الكثير ممن يعملون بالقطاع الزراعي إلى عدم اتباع الممارسات الصحيحة التي تضمن سلامة الغذاء، وأصبح الالتزام بالبروتوكولات الخاصة بالأنظمة الزراعية والغذائية أكثر صعوبة، غير أن ذلك أدى إلى ظهور نظرة مستقبلية جديدة بشأن سلامة الأغذية والأمن الغذائي والسياسة الغذائية وتغير المناخ.

 توصيات أساسية:

في ضوء التطورات العالمية الراهنة التي باتت تؤثر سلباً على المنظومة الغذائية وعلى تأمين سلاسل الغذاء، وضعت الدراسة عدد من التوصيات التي تتمثل في الآتي:

1) تكثيف التعاون بين منظمة الفاو التي تعتبر المنظمة الدولية المسؤولة عن مراقبة الأبعاد المختلفة للسلسلة الغذائية ومنظمة الصحة العالمية التي تهتم بسلامة الأغذية وتحسين الصحة العامة على مستوى العالم، وذلك على غرار هيئة معايير الغذاء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية، وهي مسؤولة عن وضع المبادئ التوجيهية والمدونات المتعلقة بممارسات سلامة الأغذية، وتوسيع ذلك التعاون مع الحكومات المختلفة لتطوير أنظمة رقابية على الأغذية القائمة ومواءمة الأطر الوطنية مع المعايير الغذائية العالمية.

2) من الضروري اتباع نهج شامل للتخفيف من حِدة انعدام الأمن الغذائي لكونه واحداً من القضايا المعقدة التي تشمل الكثير من القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما يجب وضع استراتيحية تضمن قيادة متعددة القطاعات تضم الجهات المعنية وأصحاب المصلحة كافة، مع توفير التعليم والوعي حول أهمية سلامة الأغذية، إلى جانب إجراء بحث دقيق لإتاحة البيانات ذات الصِلة، والعمل على توفير التمويل الكافي، مع بناء القدرات للتعامل مع الطبيعة المتغيرة للظواهر العالمية المرتبطة بسلامة الأغذية، والتوجه لتعظيم الاستفادة والتوظيف الجيد للتكنولوجيا لرسم الحلول وجمع البيانات وتحليلها. 

3) الاهتمام بصورة أكبر بجودة الأغذية المنتجة، وذلك من خلال العمل المشترك بين المنظمات الدولية (الأغذية والزراعة) لفرض بروتوكولات سلامة الأغذية المناسبة داخل الدول وبما يتماشى مع المعايير الدولية.

4) يجب الوفاء بالالتزامات العالمية الخاصة بتمويل المناخ وتغيير هيكلها للسماح بزيادة تدفقات الأموال إلى الدول النامية أو دول الجنوب لمواجهة أبعاد ظاهرة التغير المناخي، مع تقديم المساعدات الفنية والمالية لتحسين الأمن والسلامة الغذائية.

المصدر:

Shoba Suri and Aparna Roy, The Future of Food: Reimagining Climate-Resilient Food Systems in the Post Pandemic World, June 2022, Observer Research Foundation.