النفط والعقوبات:

تغيرات طفيفة في مسارات حركة إيران الإقليمية

09 January 2015


على الرغم مما تتعرض له ايران من سلسلة من العقوبات الاقتصادية، سواء تلك التي تم فرضها بشكل جماعي من المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي، أو التي تم فرضها بشكل فردي من خلال دولة بعينها مثل الولايات المتحدة؛ فإن هذه العقوبات لم توقف إيران عن استكمال مشروعها النووي.

بيد أن ذلك لا يعني تجاهل التداعيات الاقتصادية بالغة الخطورة التي خلفتها هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني على مدار السنوات الماضية، وهو ما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى إبداء نوع من المرونة في جولات التفاوض النووي خلال العام الماضي، أملا في تحسين معدلات النمو الاقتصادي وإيجاد حل مناسب حتى يتجاوز الاقتصاد الإيراني محنته.

ومع تقديم الموازنة المالية للعام 2015/2016 في بداية العام الجاري، تثور التساؤلات حول الأجواء التي تم من خلالها عرض مشروع الموازنة الجديدة، وما لهذا المشروع من تداعيات مباشرة وغير مباشرة على مسارات الحركة الإقليمية الإيرانية في المرحلة المقبلة.

المناخ العام ومشروع الموازنة الجديدة

قدم الرئيس الإيراني مشروع الموازنة الإيرانية الجديدة إلى مجلس الشورى (البرلمان) للسنة المالية المقبلة (من مارس 2015 وحتى مارس 2016)، حيث بلغ حجم الميزانية المقترحة 8400 تريليون ريال إيراني، أي حوالى 294 مليار دولار؛ وهو ما يشير إلى نسبة زيادة تبلغ نحو 6% مقارنة بميزانية السنة المالية الماضية.

والجدير بالذكر أن هذه الميزانية جاءت في ظل ظروف اقتصادية وسياسية متأزمة تمر بها ايران، حيث يمكن إيجاز الأجواء والمناخ العام في النقاط التالية:

1 ـ أُعدِت الميزانية في ظل انخفاض واضح في أسعار النفط العالمية الذي هبط حوالي 30% منذ يونيو 2014 وحتى اليوم، ليصل ما بين 60 و70 دولاراً للبرميل، وهو ما كان له أثر واضح في تراجع العائدات النفطية في إيران - التي تملك رابع احتياطي نفطي في العالم -، مما يفرض ضغطاً إضافياً على الحكومة الإيرانية، وعلى الرئيس حسن روحاني الذي كانت أزمة إيران الاقتصادية أحد أهم أسباب فوزه في انتخابات 2013.

2 ـ جاءت الميزانية في ظل الحظر النفطي الذي يفرضه المجتمع الدولي بشكل عام، والولايات المتحدة على وجه الخصوص ضد إيران، وذلك بهدف عرقلة التقدم الإيراني فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع صادرات النفط الإيراني من 2.2 مليون برميل يومياً في عام 2011، إلى حوالي 1.3 مليون برميل في اليوم خلال العام الماضي.

والجدير بالذكر في هذا الخصوص أن الصادرات النفطية تشكل نحو 80% من الصادرات الإيرانية، وأن نحو 40% من العائدات النفطية الإيرانية تذهب إلى "صندوق التنمية الوطني" المسؤول عن دعم الاقتصاد.

3 ـ انكماش الاقتصاد الإيراني في 2012/2013، وتدهور أسعار العملة الإيرانية بسبب العقوبات الاقتصادية، وارتفاع نسبه البطالة لتصل إلى حوالي 33%، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة التضخم بسبب العقوبات المفروضة على الصناعات النفطية والنشاطات المصرفية.

4 ـ ارتكاز مشروع الميزانية الجديدة على زيادة اعتماد هيكل الاقتصاد الإيراني على الصادرات غير النفطية، وهو ما يتوافق مع دعوة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بضرورة تبني إيران استراتيجية "الاقتصاد المقاوم" كسياسة عامة للدولة، وذلك بغرض الحفاظ على استقلالية الحركة الاقتصادية الإيرانية بعيداً عن القوى الكبرى، وكذلك بغرض تحصين الاقتصاد الإيراني من آثار العقوبات أو التهديدات الاقتصادية من قبل المجتمع الدولي.

5 ـ تضمن مشروع الموازنة الجديدة زيادة في نسبة نفقات الدفاع بنسبة 33.5% لتصل إلى 282 تريليون ريال (حوالي 10.5 مليار دولار) ستخصص غالبيتها للحرس الثوري الإيراني الذي ستزيد مخصصاته حوالي 50% لتصل إلى 174 تريليون ريال (حوالي 6.4 مليار دولار).

الموازنة الجديدة وحركة إيران الخارجية

يعد الدور الإقليمي الإيراني من الأدوار الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لتشعب وتعدد أشكال هذا الدور وانتشاره في العديد من دول المنطقة، حيث تسعي إيران إلى التمدد الإقليمي من خلال سياسة خارجية تعتمد على استخدام كافة الفرص والإمكانات المتاحة من أجل الاعتراف بمكان لها على خريطة القوى الإقليمية والدولية، بما يتناسب مع إمكاناتها وقدراتها وطموحاتها كما تراه قيادات الدولة.

وتمكنت إيران خلال السنوات الأخيرة من تدعيم وجودها في عدد من دول المنطقة، وبشكل خاص في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن. ورغم ما تواجهه إيران من معضلات اقتصادية بسبب العقوبات الدولية، فإنها حرصت على استمرار هذا الدور.

ولعل التساؤل الهام في هذا الاطار هو: هل يمكن أن يؤثر مشروع الموازنة المالية الجديدة على مسارات الحركة الخارجية، خاصة الإقليمية لإيران خلال المرحلة القادمة؟

يمكن الإشارة إلى أهم التداعيات المتعلقة بمشروع الموازنة المالية الإيرانية على تفاعلاتها الإقليمية، في النقاط التالية:

1 ـ إمكانية ارتباط هذا الأمر بملف المفاوضات النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي، وهو ما يمكن أن يفرض نوعاً من المرونة الإيرانية المحسوبة بعد استئناف وسير المفاوضات في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل استمرار عزلة إيران عن النظام المالي العالمي؛ مما يلقي مزيداً من الصعوبة على فكرة تقليل اعتماد إيران على الصادرات النفطية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي شامل من ناحية، وارتباط هذا الأمر بتخفيض العقوبات الدولية من ناحية أخرى.

ووفقاً للاتفاق الذي تم من خلاله تمديد المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 حتى الأول من يوليو 2015، سوف تحصل إيران على 700 مليون دولار شهرياً من أرصدتها المجمدة بموجب العقوبات الدولية المفروضة عليها. وبحسب الاتفاق المؤقت، فقد وافقت الدول الست على منح إيران حق استخدام 4.2 مليار دولار من العائدات المجمدة في الخارج في حال تنفيذها الاتفاقية التي تعرض تخفيف العقوبات مقابل خطوات للحد من تطوير البرنامج النووي الإيراني.

2 ـ على الرغم من انخفاض أسعار النفط وما له من تداعيات مباشرة على الاقتصاد الإيراني، فإن إيران حرصت على زيادة مخصصات الدفاع في مشروع الموازنة الجديدة؛ وهو ما يعني تمسكها بما حققته وتحققه من مكاسب سياسية وأوراق ضغط إقليمية، سواء كان ذلك في اليمن أو العراق أو سوريا كمنافذ جيواستراتيجية رئيسية، وهو ما يفتح المجال للعب دور إيراني إقليمي أوسع في المرحلة المقبلة.

وقد أكد على هذا المغزى مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، في تصريحاته المتعلقة بامتداد النفوذ الإيراني في المنطقة من اليمن إلى لبنان، وكذلك كما ظهرت في تصريحات حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني التي أشار فيها إلى أن "تغير موازين القوى الذي تشهده المنطقة يصب في مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية"، علاوة على تأكيده على وجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ حجمها أضعاف حزب الله في لبنان، وهي التصريحات التي تزامنت مع اختتام الجيش الإيراني مناورات عسكرية واسعة، بمشاركة جميع تشكيلاته البرية والبحرية والجوية في شهر ديسمبر 2014، وكذلك تصريحات رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني التذ كر فيها أن "بلاده استطاعت أن تشكل قوة ردع تحفظ أمنها وتساعدها على الوقوف في وجه التهديدات".

إن هذه التصريحات الواضحة تدل على سعى إيران لأن يكون لها النصيب الأكبر في أوضاع الشرق الأوسط الجديدة، وتغيير الخريطة الأيديولوجية في المنطقة بشكل عام، فهي سوف تدعم كل حلفائها بغض النظر عن أية معضلات اقتصادية.

3 ـ سوف يسعى النظام السياسي الإيراني إلى مزيد من التمسك بالأيديولوجية الخاصة بجمهورية إيران الإسلامية، والتي سوف تركز بالأساس على عملية تطوير وتحسين المواقع الجيوسياسية، في ظل ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من تطورات اقتصاديه وعسكرية وسياسية منذ الثورات العربية، وهي التطورات التي لا يمكن استثناء إيران منها، سواء في حلحلة الملفات الحالية أو في إعادة ترتيب أولويات وملفات المنطقة في المستقبل.

4 ـ على الرغم من تمديد فترة المفاوضات النووية لمده سبعة أشهر أخرى، وهو ما يمكن أن يفتح المجال أمام ايران لتحسين قدراتها الاقتصادية، فإنه سيظل مستبعداً إجراء أي تصعيد سياسي أو عسكري ضد إيران لما لذلك من أعباء اقتصادية واستراتيجية يصعب على الغرب تحملها في الفترة الحالية، خاصة التصعيد المتعلق بتشديد العقوبات نظراً لأن مثل هذا التشديد لن يؤدي إلا لمزيد من تركز السلطة الاقتصادية في يد النخبة السياسية في ايران، خاصة المرشد الأعلى ومؤسسات الحرس الثوري الإيراني، مما يكون له أثر سلبي على سير المفاوضات، الأمر الذي ستحاول إيران استغلاله خلال المرحلة المقبلة.

5 ـ هناك إمكانية أن تفرض الأوضاع الاقتصادية العالمية مزيداً من التقارب والتنسيق بين كل من إيران وروسيا في المرحلة القادمة، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة على الجانبين، ومحاولة كل طرف الالتفاف على هذه العقوبات من أجل تحسين الأداء الاقتصادي، وما لذلك من تداعيات مباشرة على ملفات الشرق الأوسط خاصة الملف السوري، وهو ما ظهرت بوادره مع زيارات العديد من المسؤولين السوريين إلى ايران خلال الأيام القليلة الماضية، والتي كان آخرها زيارة رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي إلى طهران من أجل تعزيز الدعم الإيراني لسوريا، وبشكل خاص لضمان وصول منتجات النفط الإيرانية للأسواق السورية، ففي يوليو 2013 على سبيل المثال، منحت إيران سوريا تسهيلات ائتمانية قدرها 3.6 مليار دولار لشراء منتجات نفطية، كما جرى تخصيص مليار دولار أخرى لشراء منتجات غير نفطية.

6 ـ سوف يسعي النظام الإيراني إلى الالتفاف بصورة أوسع على العقوبات الدولية المفروضة عليه، خاصة في ظل استمرار هذه العقوبات، وذلك من خلال عدد من الدول، لاسيما في جنوب القوقاز باعتبارها ممراً لإيران في شراء التكنولوجيا النووية، علاوة علي وجود تسهيلات هناك للعمل في مجالات الشحن البحري والعقارات وشركات الطيران وتقديم الخدمات المالية، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية والنفطية المتنامية مع إقليم كردستان في العراق، وهو ما يمكن أن يساعد إيران في سد بعض أوجه العجز في بنود الموازنة الجديدة، والناتجة عن العقوبات الدولية.