أزمة قائمة:

فرص نجاح دعوة الصدر القضاء العراقي لحل البرلمان

23 August 2022


دعا السيد مقتدي الصدر في تغريده له، في 6 أغسطس، إلى حل مجلس النواب العراقي، مؤكداً أنه بات "مطلباً شعبياً وسياسياً لا بديل عنه"، مع استمرار اعتصام الآلاف من أتباعه في محيط مبنى البرلمان داخل المنطقة الخضراء منذ نحو أسبوع، ثم أصدر الصدر بياناً، في 10 أغسطس، للرد على رئيس الوزراء العراقي الأسبق، زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، والذي طالب فيه بانعقاد البرلمان للدعوة لانتخابات مبكرة، حيث أكد الصدر أنه يجب أن يقوم القضاء العراقي بحل البرلمان خلال مدة لا تتجاوز نهاية الأسبوع القادم، وتكليف رئيس الجمهورية بتحديد موعد انتخابات مبكرة مشروطة بعدة شروط سيعلن عنها الصدر لاحقاً.

مواقف متباينة من دعوة الصدر:

يمكن استعراض أبرز المواقف من دعوة الصدر للذهاب لانتخابات مبكرة في التالي:

1- انقسام قوى الإطار التنسيقي: تباينت مواقف قوى الإطار التنسيقي من دعوة الصدر، فقد رحب بدعوته رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، ورئيس تحالف الفتح، هادي العامري، بينما رفضه ائتلاف دولة القانون، ولكن بشكل غير مباشر، إذ رفض المالكي، في 8 أغسطس، حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، إلا بعد عودة البرلمان إلى الانعقاد بشكل طبيعي، كما تماهت كتلة صادقون، التابعة لحركة عصائب أهل الحق، مع موقف المالكي. ويلاحظ أن العصائب وائتلاف دولة القانون من القوى المناوئة للصدر. 

2- غموض الموقف الكردي: تردد الحزب الديمقراطي الكردستاني في تأييد دعوة الصدر لإجراء انتخابات مبكرة، فقد اعتبر سكرتير المكتب السياسي للحزب، فاضل ميراني، في 8 أغسطس، أنه ليس من السهل حل مجلس النواب العراقي، غير أنه لم يصدر موقف رسمي من الحزب. وعلى الجانب الآخر، لم يعلن الاتحاد الوطني الكردستاني موقفاً رسمياً هو الآخر، وإن أعلن أحمد الهركي، القيادي في الاتحاد الوطني، أن الدعوة لحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، مرهونة بموافقة "الإطار التنسيقي"، في مؤشر على استمرار تحالفه مع التنسيقي في مواجهة الصدر. 

3- تأييد القوى السنية: جاء موقف القوى السنية متحداً خلف دعوة الصدر، حيث أيد رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، دعوة الصدر لإجراء انتخابات مبكرة، لاسيما في ضوء الإدراك التام لصعوبة الاتفاق على حكومة جديدة في ظل الانقسام السياسي الحالي.

كما رحب رئيس تحالف السيادة، خميس الخنجر، بما طرحه الصدر، وأكد دعم جميع الجهود لإنقاذ العراق، ومعالجة حالة الجمود السياسي. وأيدت العديد من القوى المدينة والمستقلة دعوة حل البرلمان، حيث أشار عضو الحراك المدني العراقي، أحمد حقي، إلى أن القوى المدنية والعلمانية ستُصدر بياناً يؤيد الذهاب إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، مع وجود توجه عام بضرورة مشاركة المدنيين والمستقلين بقوة وعدم مقاطعة أي انتخابات مقبلة، سواء "قوى تشرين" أو الحزب الشيوعي.

دلالات دعوة الصدر:

يلاحظ أن دعوة الصدر إلى تدخل القضاء لحل البرلمان تكشف عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها في التالي:

1- موقف غامض للقضاء العراقي: يستند الصدر لطلبه من القضاء العراقي حل البرلمان إلى القرار الذي أعلنته المحكمة الاتحادية بشأن انتخاب رئيس الجمهورية، بناء على استفسار من رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، بخصوص المدة القانونية لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي تنص على أنه يتوجب أن يتم الانتخاب خلال "فترة وجيزة". وحينها فسر خبراء القانون الفترة الوجيزة بأنها لمدة شهر فقط، والتي قد انتهت في أبريل 2022.

ويعني ما سبق دخول البلاد بعدها في خرق دستوري، غير أن رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، أعلن أنه في الوقت الذي عالج فيه القانون العراقي كثيراً من القضايا، بما فيها البسيطة، بعقوبات طبقاً للقانون، فإنه سكت عن فرض عقوبة على الخرق الدستوري، وهو ما يعني أن القضاء قد لا يصدر حكماً ملزماً بحل البرلمان العراقي، وهو ما قد يؤكد حينها صحة الاتهامات التي وجهها الصدر في السابق إلى القضاء بأنه مسيس ومنحاز لقوى الإطار التنسيقي.

2- استيعاب الصدر خصومه من الشيعة: سعى الصدر خلال الفترة الماضية إلى مخاطبة أطياف الشعب العراقي كافة، وليس أنصاره فقط. كما ركز الصدر على التأكيد على وحدة الصف الشيعي من أجل الإصلاح ومحاكمة الفاسدين، في مؤشر على أن موقفه الرافض لبعض مكونات الإطار التنسيقي، خاصة ائتلاف دولة القانون، لا يستهدف به شق وحدة الصف الشيعي، ولكن محاربة الفاسدين. 

وأكد الصدر في تصريحاته على دور قيادات الحشد الشعبي في الدفاع عن الدولة العراقية والإصلاح، حيث اعتبرهم الأقرب إلى آراء التيار الصدري، وهو ما يشير إلى محاولة الصدر إرسال عدة رسائل لطمأنة الحشد الشعبي بأنه لا يستهدفهم، وذلك لتقليص فرص اندلاع مواجهات بين سرايا السلام التابعة له، وميليشيات الحشد الشعبي، خاصة بعدما انتشرت أخبار، في 6 أغسطس، حول قيام عدد من قادة الصف الثاني في الفصائل الشيعية المسلحة بنقل عائلاتهم إلى طهران وعواصم عربية كملاذ مؤقت بانتظار انجلاء الأزمة مع مقتدى الصدر، وهو ما يعد مؤشراً على استعدادهم للدخول في مواجهات مسلحة. 

خيارات محتملة للأزمة:

يمكن الإشارة إلى عدد من الخيارات المحتملة لدعوة الصدر للذهاب لانتخابات مبكرة، والتي تتمثل في التالي:

1- بقاء حكومة الكاظمي: يعد ذلك السيناريو هو الأكثر قبولاً من جانب التيار الصدري، وهي الذهاب إلى انتخابات مبكرة وإشراف حكومة الكاظمي على الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما ترفضه بعض القوى المحسوبة على التنسيقي، خاصة ائتلاف دولة القانون، والذي يصر على تشكيل حكومة محمد شياع السوداني أولاً، وإقرار قانون جديد للانتخابات، وذلك قبل الاتفاق على الذهاب لانتخابات مبكرة. ويتمثل أحد أسباب اعتراض نوري المالكي على الكاظمي في أن الأخير محسوب على مقتدى الصدر، وفقاً للمالكي.  

وهناك عدد من المؤشرات، التي تدعم هذا السيناريو من بينها موافقة بعض قادة التنسيقي على فكرة إجراء انتخابات مبكرة، فضلاً عما يتم تداوله من معلومات تفيد بأن رئيس فيلق القدس، إسماعيل قاآني، قبل بضرورة الذهاب نحو انتخابات جديدة للخروج من الأزمة الحالية.

2- تنظيم السوداني للانتخابات: يطالب ائتلاف دولة القانون، بأن يشكل السوداني الحكومة ثم يتم حل البرلمان، ويلاحظ أن مثل هذا السيناريو مرفوض من قبل الصدر، نظراً لأن هذا يعني إضفاء الشرعية على حكومة يتم تأسيسها من قبل حكومة المالكي. 

وقد يتم التوصل لتسوية أخرى، وهي محاولة التوافق على مرشح جديد للإطار التنسيقي غير السوداني، ويلقى قبولاً من الصدر، غير أن مثل هذا الخيار يعد مستبعداً كذلك، نظراً لأن الصدر لا يريد الاعتراف بشرعية أي حكومة تنبثق عن برلمان لا يتمتع فيه بنفوذ مؤثر. كما أن هناك معضلة أخرى، وهي الاتفاق على قانون انتخابي جديد، ولا شك أن التيار الصدري سوف يرفض مناقشة هذا القانون من خلال البرلمان العراقي الذي أصبح غير ممثل فيه.

3- تدخل القضاء العراقي: قد يتمثل أحد الخيارات في استجابة القضاء العراقي لطلب الصدر بحل البرلمان على أساس تجاوزه الفترة المخصص فيها انتخاب رئيس الدولة ورئيس الحكومة، غير أن مثل هذا السيناريو يعني أنه سوف يتم الاحتكام للقانون العراقي القديم في تنظيم الانتخابات المبكرة الجديدة، وهو ما لا يصب في صالح الإطار التنسيقي، والذي خسر بموجب هذا القانون، ويعتقد أن تغيير بعض بنوده سوف تسمح له بتعزيز حظوظه في الانتخابات المقبلة. 

وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من تعدد المؤشرات على بلورة قناعة لدى قوى وازنة داخل الإطار التنسيقي، وعند طهران، بأنه لا مخرج من الأزمة الحالية، سوى من خلال السير إلى انتخابات مبكرة، غير أن الخلاف يستمر حول من هي الحكومة التي سوف تدير البلاد خلال هذه الفترة، وهل تستمر حكومة الكاظمي، أم يتم تشكيل حكومة جديدة برئاسة السوداني، أو أي شخص آخر، فضلاً عن الاتفاق على قانون انتخابي جديد.