شراكة استراتيجية:

أبعاد زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى المغرب

04 April 2022


قام وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بزيارة رسمية إلى المملكة المغربية خلال الفترة 28 و30 مارس 2022، التقى خلالها برئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، ووزير الخارجية، ناصر بوريطة، للبحث في سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين واشنطن والرباط، والقضايا المثارة ذات الاهتمام المشترك.

سياق إقليمي مضطرب:

تنبع أهمية الزيارة من عدة اعتبارات رئيسية، ترتبط ارتباطاً مباشراً بمجمل التطورات السياسية التي تشهدها الساحة الإقليمية، ومن أهمها ما يلي:

1- جمود العلاقات المغربية – الجزائرية: جاءت زيارة بلينكن إلى المغرب، وهي الأولى من نوعها منذ توليه منصبه في عهد إدارة جو بايدن، في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، حيث أعلنت الأخيرة قطع علاقاتها مع الرباط في أغسطس الماضي وتبرير ذلك باتهام المغرب بتني سياسات عدائية تستهدف الأمن القومي الجزائري، وإعلان الجزائر في أكتوبر الماضي عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي، الذي كانت تستخدمه لتصدير الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب.

2- انعقاد قمة النقب الإقليمية: جاءت زيارة بلينكن للرباط كذلك عقب مشاركته في القمة السداسية التي استضافتها إسرائيل بمشاركة وزراء خارجية دول مصر والإمارات والبحرين وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب، والذين بحثوا كيفية مواجهة التهديدات الإيرانية للأمن القومي لدول الشرق الأوسط من خلال إقامة منتدى دائم، مثل منتدى النقب لتعزيز العلاقات بين الدول الست والتعاون ضد التهديدات الأمنية التي قد تواجهها، بالإضافة إلى الرعاية الأمريكية لاتفاقيات تطبيع العلاقات الثنائية مع إسرائيل.

مجالات تعاون استراتيجية:

حملت زيارة وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" في طياتها جملة من الأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها، ومن ذلك ما يلي:

1- تأييد قضية الصحراء المغربية: جاءت زيارة بلينكن للرباط في هذا التوقيت للتأكيد على الدعم الأمريكي الواضح لرؤية المغرب الخاصة بمنح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي لتلبية تطلعات شعب الصحراء، فقبل زيارته للرباط أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً دعمت المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي. 

كما جاءت الزيارة عقب التغير النوعي في الموقف الإسباني الذي أعلن دعمه للمقترح المغربي لتسوية قضية الصحراء، ويعد الدعم الأمريكي للموقف المغربي إزاء قضية الصحراء مكسباً دبلوماسياً للرباط تعزز من موقفها في مواجهة الجزائر وجبهة البوليساريو في هذا الخصوص.

2- تعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب: جاءت زيارة بلينكن للمغرب بهدف السعي لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، حيث جاءت الزيارة عقب استضافة مدينة الداخلة بإقليم الصحراء المغربية منتدى الاستثمار "المغرب – الولايات المتحدة الأمريكية"، بهدف تعزيز الروابط الاقتصادية والتعريف بالفرص الاستثمارية لدى المستثمرين والفاعلين الأمريكيين في 9 مارس الجاري، حيث توجد 150 شركة أمريكية تنشط في السوق المغربي بإجمالي استثمارات تقدر بحوالي 2 مليار دولار. 

وفي هذا السياق قدم بلينكن وعوداً للحكومة المغربية خلال هذه الزيارة بتوسيع المنطقة الاقتصادية في مدينة بوزنيقة، مع العمل على رفع حجم التبادل التجاري بين واشنطن والرباط والذي يبلغ حوالي 3.3 مليار دولار في عام 2021 (العجز التجاري المغربي يقدر بحوالي 1.26 مليار دولار)، وكذلك التعاون المشترك بين وزارتي الداخلية والاقتصاد الأمريكيتين مع نظرائهما بالمغرب لحل مشكلة الجفاف وتجنب تداعياتها على الأوضاع الإنسانية داخل البلاد.

وفي هذا الإطار، تم الاتفاق على إطلاق شراكة أمريكية – مغربية بقيمة 3 ملايين دولار مع مؤسسة "باستور" من أجل تحسين الأوضاع الصحية للشعب المغاربي، هذا إلى جانب مواصلة الدعم الأمريكي لمجالات الطاقة والأمن الغذائي بالمغرب، مع وعود بتدريب 6 آلاف معلم مغربي ومساعدة الحكومة المغربية على إدماج البيئة الرقمية في المدارس والجامعات المغربية.

3- التعاون في مكافحة الإرهاب: تشغل التهديدات الأمنية المترتبة على تصاعد أنشطة القاعدة وداعش في منطقة الساحل والصحراء، أهمية كبيرة على جدول أعمال زيارة بلينكن للمغرب، خاصة أن للرباط وواشنطن تعاون كبير في المجال الأمني، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، كما تلعب المغرب دوراً مهماً في مجال مكافحة الفكر المتطرف. 

4- التأثير على موقف المغرب من أوكرانيا: جاءت الأزمة الأوكرانية لتمثل تحدياً خاصاً للدبلوماسية الأمريكية، خاصة أن العديد من الدول العربية فضلت تبني موقف الحياد من الأزمة. ولعل تصريحات بلينكن تجاه الأزمة الأوكرانية تحديداً خلال زيارته الرباط تشير إلى رغبة واشنطن في استمالة الرباط إلى الموقف الأمريكي الأوروبي.

وعلى الرغم من أن المغرب اتخذ موقفاً محايداً من الأزمة، فإنه مال إلى روسيا. فقد أكد وزير خارجية المغرب على رفض بلاده استخدام القوة وكذا انتهاك سيادة الدول، وهو ما يعني رفض الرباط الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، غير أن المغرب غاب عن جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي كانت تصوت على قرار يدين الهجوم العسكري الأوكراني من الأزمة.

وارتبط هذا القرار ببعدين أساسيين، أولهما، الضغط على الدول الأوروبية والتي لم تتبن موقف الرباط من الصحراء المغربية، وهو ما تحقق للأخيرة، وذلك عبر إعلان الاتحاد الأوروبي، في 23 مارس، دعمه قرار حكومة مدريد القاضي بالاعتراف بالحكم الذاتي كأساس واقعي وملموس لأية عملية سياسية في نزاع الصحراء المغربية، والثاني، الانتظار لاستشراف ما ستؤول إليه الأزمة، وعن نجاح أي طرف من الطرفين، روسيا، أو الغرب، في فرض مصالحه على الآخر، نظراً لما سيكون لذلك من تداعيات على شكل النظام الدولي.

وفي هذا الإطار، سعى بلينكن لضم الموقف المغربي أكثر باتجاه الغرب، إذ أكد بلينكن على مساعدة بلاده للحكومة المغربية لتجنب أية تأثيرات لهذه الحرب على الأوضاع الداخلية في المغرب، في إشارة إلى استعداد الولايات المتحدة لمساندة المغرب في حالة تضرر اقتصادها، خاصة من جراء ارتفاع أسعار القمح والطاقة، وذلك مقابل تبني مواقف أكثر داعمة للغرب من الأزمة.  

أهداف واشنطن الإقليمية:

عكست زيارة بلينكن كذلك إلى المغرب، والتي جاءت ضمن جولته لعدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، بعض الدلالات السياسية المهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- الانخراط الأمريكي في قضايا المنطقة: تحرص إدارة بايدن على إظهار استمرار دورها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، والتأثير على مسارات حركتها، وعلى رأسها الأزمة الليبية والقضية الفلسطينية، وقضية الصحراء المغربية، وفي الوقت نفسه نفي الحديث عن تراجع الدور الأمريكي خلال الفترة الأخيرة، وذلك من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة.

2- وساطة محتملة بين المغرب والجزائر: تعكس زيارة بلينكن للمغرب ومن بعدها الجزائر، احتمالات اقتراح واشنطن أن تقوم بدور الوساطة بين البلدين، وربما تشهد زيارة بلينكن للجزائر محاولة لإقناعها بأهمية المشاركة في أية مفاوضات لتسوية قضية الصحراء دبلوماسياً، ومن ثم إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط والمغرب لاحقاً، وإن كان من الملحوظ أن فرص نجاح ذلك تبدو محدودة في ضوء افتقاد واشنطن لأدوات الضغط أو التأثير على الجزائر.

3- موازنة الدور الروسي: تعكس جولة بلينكن لدول المنطقة ومنها المغرب، القلق الأمريكي من النفوذ الروسي المتصاعد في شمال أفريقيا، ومن المؤشرات الدالة على ذلك أن الزيارة جاءت بعد قيام وفد عسكري روسي بزيارة إلى الجزائر في 25 مارس الجاري، وفي ذلك مؤشر مهم على قوة العلاقات الروسية – الجزائرية.

وترى واشنطن أهمية عدم ترك هذه المنطقة ساحة فارغة أمام اللاعب الروسي وحده، وإثبات قدرتها على تعزيز نفوذها في المغرب العربي لحماية مصالحها، وذلك عبر الارتكاز على المغرب، ومحاولة تخفيف حدة التوتر بين الجزائر والمغرب.

4- الولوج إلى الأسواق الأفريقية: يمكن أن يستغل المستثمرون الأمريكيون السوق المغربي، والانطلاق منها بشكل أكبر إلى الأسواق الأفريقية الأخرى، وذلك بفضل الموقع الاستراتيجي المميز للملكة المغربية، والتي تتوافر بها فرص استثمارية كبيرة في قطاعات مهمة مثل الطاقة المتجددة والسياحة، وفي الوقت نفسه تحقيق تنمية اقتصادية في الأقاليم المغربية التي تفتقر إلى مشروعات التنمية الاقتصادية، خاصة بإقليم الصحراء.

وفي الختام، فإنه يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمغرب جاءت في ظل الحرص الأمريكي على تعزيز دورها ونفوذها في المغرب العربي، وبما يحفظ مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة، وفي المقابل تمثل هذه الزيارة انتصاراً دبلوماسياً للمغرب بشأن قضية الصحراء في مواجهة الجزائر والبوليساريو، وترجح المعطيات الراهنة اتجاه نمط العلاقات المغربية – الأمريكية نحو مزيد من التطور الإيجابي.