محاولات مستمرة:

دلالات زيارة نوري المالكي إلى أربيل ولقائه بالديمقراطي الكردستاني

28 December 2021


قام رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وزعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، في 22 ديسمبر الجاري، بزيارة أربيل، على رأس وفد من الإطار التنسيقي، والذي ضم رئيس تحالف "العقد الوطني" فالح الفياض (رئيس هيئة الحشد الشعبي)، والقيادي في تحالف الفتح محمد الغبان، إلى جانب رئيس تجمع السند الوطني أحمد الأسدي، وشخصيات أخرى من الإطار.

مبادرة التنسيقي لحلحة الازمة:

جاءت زيارة المالكي لمناقشة مبادرة الإطار التنسيقي، التي طرحها في 22 ديسمبر الماضي لمحاولة إيجاد توافق وقبول لها من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإن كان من الملحوظ أن بنود المبادرة لاتزال تعكس المطالب نفسها المتشددة السابقة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- احترام رأي القضاء: أعلن الإطار التنسيقي استمرار سعيه للاعتراض على نتائج الانتخابات قضائياً عبر الدعوى المقدمة أمام المحكمة الاتحادية، غير أنه أكد احترام رأي القضاء، في إشارة إلى تراجع الإطار التنسيقي عن التهديد بالعنف والاحتجاجات رفضاً لنتائج الانتخابات، غير أن ذلك الموقف لا يتوافق مع الواقع بدليل استمرار خيم المحتجين التابعة للإطار عند المنطقة الخضراء في بغداد. 

2- التوافق على الرئاسات الثلاث: تضمنت مبادرة الإطار التنسيقي خضوع الرئاسات الثلاث لاتفاق القوى السياسية مع مراعاة العرف الدستوري السائد، في إشارة إلى منح منصب رئيس الجمهورية للأكراد، ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة.

ومن الملحوظ أن الإطار التنسيقي لايزال يبدي اعتراضاً على ترشيح مصطفي الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي، لفترة ولاية جديدة، نظراً لأنه محسوب على التيار الصدري، ويتبنى مواقفه نفسها، خاصة فيما يتعلق بضرورة تقييد سلاح الميليشيات المنفلتة المقربة من إيران. ويسعى الإطار التنسيقي للعب دور في اختيار شخصية رئيس الوزراء، على الرغم من أن تراجع عدد مقاعده في البرلمان القادم، لا تؤهله إلى إصدار فيتو على شخصه. 

3- تشكيل حكومة توافقية: يسعى الإطار التنسيقي للتأكيد على ضرورة الحفاظ على التفاهمات السياسية لإدارة المرحلة المقبلة، وتشكيل حكومة توافقية شاملة تأخذ على عاتقها رفع المستوى الاقتصادي ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد، وهو ما يعكس رفض الحكومة الأغلبية التي يتبناها الصدر، نظراً لأنها تضع التنسيقي في المعارضة، بما يعنيه ذلك من تراجع نفوذ إيران على الحكومة الجديدة، في حالة نجاح الصدر في إنفاذ رؤيته.  

4- الدفاع عن سلاح الحشد الشعبي: يصر الإطار التنسيقي على الحفاظ على سلاح الحشد الشعبي ورفع قدراته، وذلك بالتزامن مع رفع قدرات القوات العراقية، خصوصاً سلاحي الدفاع الجوي وطيران الجيش، وهو ما يكشف عن استمرار رفض مطالب التيار الصدري والكاظمي بحل وإضعاف ميليشيات الحشد الشعبي لصالح الجيش العراقي. 

تطورات موازية:

جاءت زيارة المالكي الأخيرة إلى أربيل بالتزامن مع عدد من التطورات المهمة، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تحرك المالكي بعد زيارة سفير إيران: جاءت زيارة المالكي إلى أربيل عقب وصول السفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، لها، حيث التقي الاخير بكل من رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، وهو ما يؤشر إلى أن زيارة السفير الإيراني كانت تهدف في الأساس لاستطلاع رأي البارزاني، والضغط عليه لعدم تشكيل تحالف مع التيار الصدري يترتب عليه تشكيل حكومة أغلبية. 

وأكد البارزاني والمالكي في بيان صادر عن مكتب بارزاني بعد الاجتماع بينهما تنفيذ عدد من المبادئ كالشراكة والتناغم والتوازن في إدارة الحكم في العراق، للحيلولة دون دخول العراق في موجة واسعه من عدم الاستقرار سواء السياسي، أو الأمني، في استمرار تهديدات التنسيقي بتحريض ميليشيات الحشد الشعبي الولائية على تصعيد العنف في حالة أصر مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، على تشكيل حكومة أغلبية. وبالإضافة إلى ذلك، يتوقع أن يقوم المالكي بتوظيف بارزاني كقناة محتملة للوساطة مع الصدر. 

كما أشار البيان إلى أهمية استمرار الحوار لحل المشاكل بين أربيل وبغداد، في مؤشر على إبداء المالكي استعداده لتقديم تنازلات للأكراد تتعلق بالقضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، غير أن مواقف المالكي في هذا الإطار قد لا تكتسب مصداقية كبيرة، حيث سبق أن تعهد للأكراد بتسوية الخلافات معهم، حينما كان رئيساً للوزراء، غير أنه نقض كل تعهداته لهم. 

2- محاولة بغداد تجنب الصراع الأمريكي – الإيراني: زار وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، طهران على رأس وفد حكومي رفيع، ضم مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، وعدد من المسؤولين الاخرين، في 22 ديسمبر 2021، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ إجراء الانتخابات التشريعية العامة في العراق في أكتوبر 2021، والثالثة لوزير الخارجية العراقي منذ انتخاب الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي في يونيو الماضي. 

وركز الوفد على ثلاث قضايا، وهي جهود تشكيل الحكومة العراقية بعد انتخابات أكتوبر، ووقف الهجمات على المنطقة الخضراء، خاصة بعد تنفيذ ميليشيات الحشد الشعبي، مؤخراً، عدة هجمات تستهدف قوات التحالف الدولي في العراق، وهو ما يخالف التفاهمات التي كانت إيران أبرمتها مطلع العام الحالي، وتقوم على ضبط تحركات ميليشياتها ووقف هجماتهم ضد القوات الأمريكية في العراق. ويلاحظ أن تزامن هذه الهجمات مع تعثر جهود التنسيقي للضغط على الصدر لتشكيل حكومة توافقية، كان رسالة من جانب طهران لواشنطن لوقف دعمها جهود تشكيل حكومة أغلبية في العراق، تستبعد حلفاءها تماماً. 

ويسعى العراق لتجنب الانعكاسات المباشرة للتصعيد الإيراني – الأمريكي على أرض العراق، عبر تأكيد فؤاد حسين أثناء زيارته أن التوتر بين إيران وأمريكا، يؤثر بشكل مباشر على الأوضاع في بلاده، معتبراً أن من الأفضل وجود لقاء مباشر بين طهران وواشنطن. 

3- تأكيد المحكمة الاتحادية نتائج الانتخابات: صادقت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 27 ديسمبر، على نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 10 أكتوبر. ورفضت إلغاء النتائج الانتخابات بعد رد الدعوى المقدّمة من القوى السياسية الممثلة للحشد الشعبي. ومن الملحوظ أن المحكمة لم تقم بإلغاء بعض المحطات الانتخابية، أو إجراء عمليات عد وفرز يدوي لمحطات أخرى، أي أنها أقرت نتائج الانتخابات النهائية دون أي تعديل لصالح القوى الخاسرة ممثلة في الحشد الشعبي.

ويلاحظ أن القوى المحسوبة على ميليشيات الحشد الولائي الموالية لإيران قد فقدت إحدى الأوراق التي كانت تساوم بها الصدر، إذ كانت تأمل في إلغاء الانتخابات، أو إعادة الفرز اليدوي على أقل تقدير، بما قد يساعدها في الحصول على مقاعد إضافية. ووضحت خسارتها هذه في مطالبة السيد مقتدى الصدر في يوم صدور الحكم نفسه "بتشكيل حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية".

ومن جهة أخرى، فقد تباينت مواقف القوى المنضوية تحت الإطار التنسيقي من نتائج الانتخابات. ففي حين أعلن رئيس تحالف قوى الدولة، عمار الحكيم، الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية الخاص بنتائج الانتخابات، فإن هذا الموقف لا ينسحب على باقي مكونات التنسيقي، خالص تحالف الفتح، ممثل ميليشيات الحشد الولائية، والذي لايزال يتظاهر بالقرب من المنطقة الخضراء. 

4- طرح الصدر مبادرة جديدة: أشارت مصادر مقربة من الصدر مؤخراً أنه قدم مبادرة لقوى الإطار التنسيقي هذا الشهر حول تشكيل الحكومة القادمة. وتهدف هذه المبادرة إلى إمهال تشكيل الحكومة المقبلة نحو 4 أسابيع، وذلك من خلال وضع توقيتات ملزمة للقوى السياسية في التنسيقي للتفاوض خلالها، وفي حال تجاوز هذه التوقيات، يكون للصدر الحق في المضي قدماً في  تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي يسعي إليها منذ إعلان نتائج الانتخابات. 

ويعني ما سبق في المحصلة الأخيرة، أنه إذا استمر الإطار التنسيقي في طرح مطالبه المتشددة حول تشكيل الحكومة الجديدة، وتدخله في اختيار رئيس الوزراء، فإن الصدر سوف يذهب لتشكيل حكومة أغلبية.

وفي الختام، يمكن القول إن القوى المقربة من إيران تستمر في مساعيها الرامية إلى تشكيل حكومة توافقية، وذلك عبر السير في عدة مسارات، وهي التواصل مع الأكراد لمنعهم من التوصل لتفاهمات متقدمة مع الصدر لتشكيل حكومة أغلبية، فضلاً عن تحرك سفير إيران في العراق لدعم هذه التوجهات، بالإضافة إلى محاولة توظيف ميليشيات الحشد الشعبي للضغط على القوات الأمريكية في العراق. ومن غير المرجح أن تنجح تحركات الإطار التنسيقي ما لم يتراجع عن بعض مطالبه المغالية، والتي تتجاهل تراجع وزنه الانتخابي، خاصة فيما يتعلق باختيار رئيس الوزراء وسلاح الميليشيات الولائية.