الوصايا السبع:

هل تكبح "المفاوضات" الصراع في سوريا؟

26 January 2015


إعداد: محمد أحمد عبدالنبي

مع استمرار قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في توجيه الضربات الجوية ضد "داعش" والجماعات التابعة له في سوريا، أصبح هناك تساؤل مُلح يدور في أذهان قطاعات الرأي العام العالمي، وخاصةً الأمريكي، مفاده: متى ستنتهي الصراعات في سوريا؟

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل، تأتي هذه الدراسة المعنونة: "كيف سينتهي ذلك.. خطة لمنع التصعيد في سوريا" والصادرة عن "مركز الأمن الأمريكي الجديد" (CNAS) في نوفمبر 2014، وأعدها كل من "دافينا راند Dafna H. Rand" نائب مدير الدراسات في مركز الأمن الأمريكي الجديد، و"نيكولاس هيراس Nicholas A. Heras"، الباحث المشارك في برنامج أمن الشرق الأوسط بمركز الأمن الأمريكي الجديد؛ حيث سعا معدا الدراسة إلى تحديد العملية التي يمكن أن تنهي الصراع الأهلي السوري، وكيفية إدماج "عملية سياسة" تعمل إلى جوار الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الحالية لهزيمة "داعش".

وتؤكد الدراسة على أنه لا يوجد مخرج مثالي للولايات المتحدة في سوريا، لكن من الواضح أن استمرار الصراع الدموي هو الأسوأ من بين كل الخيارات الممكنة ليس فقط للسوريين، بل للمصالح الأمريكية في المنطقة. وعليه، فإن المرحلة الانتقالية من المفاوضات قد تكون وسيلة ناجعة لتقليل العنف والحد من عدد الجماعات المسلحة في سوريا، ومكافحة "داعش" بشكل دائم، فضلاً عن التخفيف من تدفق اللاجئين، وتفادي انتقال حالة عدم الاستقرار من سوريا إلى جميع أنحاء المنطقة.

وأشار الكاتبان إلى أن الاستراتيجية المبدئية لحل الأزمة السورية تبدأ أولى خطواتها بالتوصل لاتفاق تفاوضي من خلال بناء جبهة قوية للفصائل السورية المعارضة، على أن تمتلك هذه الجبهة برنامجاً سياسياً قابلاً للتنفيذ يظهر القدرة على الحكم وتحقيق الأمن على المستوى المحلي؛ وهو ما سيشعر النظام السوري والتيارات الداعمة له بالتهديد.

واعتبرت الدراسة أن أي اتفاق تفاوضي لابد أن يبدأ بتجميد الحرب الأهلية الدائرة من خلال إبرام اتفاقات غير رسمية لوقف إطلاق النار، وأن تتفق المعارضة السورية مع مسؤولي النظام على ترتيبات لتقاسم السلطة.

وفي إطار الحديث بشي من التفصيل عن بناء مرحلة المفاوضات الانتقالية، أكد الكاتبان على ضرورة التزام الأطراف المشاركة في الحل التفاوضي بالمبادىء الخمسة التالية: (تخفيف التصعيد بين الأطراف السياسية وتجميد المعارك الدائرة، وإلغاء مركزية سلطة النظام عبر عملية انتقال محمية، وإدراك أن انتشار الطائفية يشعل المعركة، والتفريق بين إنهاء حكم أسرة الأسد وبين تفكيك بنية الحكومة الوطنية الحالية والمتمركزة في دمشق، وأخيراً تبني وجهة نظر تعددية لمرحلة ما بعد الأسد بما يحمي الأقليات).

ويشير الكاتبان إلى أنه على الرغم من عدم تطابق هذه المبادئ مع طموحات تركيا والولايات المتحدة والسعودية؛ فإن الدول المعنية ربما تعمل على ضرورة استبدال "الديكاتورية السورية" بدولة موحدة وقوية وممثلة للشعب. ويعني ذلك أن هذه المبادئ تمثل توافقاً دولياً جزئياً، كما أنها تمثل مجرد نقطة انطلاق لإقصاء الرئيس الأسد نهائياً بالرغم من سماحها له بالبقاء كرئيس لفترة من الزمن.

وأشارت الدراسة إلى الخطوات التالية باعتبارها من وجهة نظر الكاتبين ضرورية لوقف الحرب الدائرة في سوريا، وإلغاء مركزية السلطة عبر اتفاقية انتقالية، وهي كالتالي:

1- دعم المعارضة السياسية السورية:

أكد الكاتبان على أهمية أن تعمل الولايات المتحدة والدول العربية وتركيا وباقي الحلفاء، على زيادة الجهود لتطوير شرعية وقدرة المعارضة السياسية السورية بالتوازي مع دعم المعارضة العسكرية المعتدلة، مشيرَين إلى ضرورة دعم مقاتلي المعارضة في المناطق التي يتم تحريرها من قبضة "داعش"، وإيجاد خطة حكم تتمتع بالمصداقية وسلطة تحفظ السلام في المناطق ذات الأقليات، ودعم التعاون بين المعارضة السياسية السورية و"الجيش الحر" وعدد من قوات الأكراد السوريين ذات الصلات القوية بحزب العمال الكردستاني.

ويتحقق ذلك من خلال عدة وسائل، أهمها: مساعدة الائتلافات الوطنية للوصول للجماعات الأقلية السورية مثل العلويين والمسيحيين والدروز وغيرهم، وهو الدور الذي يفترض أن تقوم به وزارة الخارجية الأمريكية، وأن تقتنع المعارضة السورية المسلحة بضرورة دعم المنابر المعتدلة سياسياً في مرحلة ما بعد الأسد.

ورأت الدراسة أن التحدي الحالي للولايات المتحدة هو تحويل تصريحاتها إلى واقع فعلي خلال مرحلة ما بعد الأسد، وهو ما يفرض تكوين حركة سياسية متماسكة تربط بين التحركات العسكرية الأمريكية والمجموعات المُدربة من المعارضة السورية. كما يتطلب الضغط الأمريكي على المعارضة السورية المعتدلة لقطع علاقاتها مع الميليشيات المتطرفة، بالإضافة إلى الضغط على الحلفاء الإقليميين لتوجيه تمويلهم نحو دعم معارضة سورية سياسية موحدة.

2- تأسيس منطقة سورية حرة أولية:

أوضح الكاتبان أن تأسيس هذه المنطقة سيدعم المعارضة السياسية العسكرية، حيث تسيطر قوات الجيش السوري الحر حالياً على مناطق الجنوب السوري "محافظة الدرعة"، وكذلك أجزاء في الشمال الغربي بمحافظة إدلب، ومحافظة القنيطرة بجوار الحدود السورية - التركية.

وأكدت الدراسة على أهمية تفكير المعارضة المسلحة في طريقة للربط بين هذه المناطق المنفصلة وجمعها سوياً، حيث سيؤدي تأسيس منطقة مجاورة تشكل الدولة "السورية الحرة"، سواء في الشمال مع الحدود التركية، أو في الجنوب مع الحدود الأردنية؛ إلى زيادة احتمالات اللجوء لاتفاق تفاوضي.

3- الضغط على النظام السوري لقبول وقف الصراع واستئناف المفاوضات:

شدد الكاتبان على ضرورة دعم المعتدلين من داخل النظام الذين لديهم رغبة في التفاوض، وأن تعلن المعارضة السياسية عن إجراءات لبناء الثقة، لكي تشجع فصائل النظام على تجميد الحرب الدائرة.

وتوقعت الدراسة أن يتوقف لجوء النظام السوري للتفاوض وشعوره بالتهديد، على عدة عوامل: أولها، التطور الميداني للحرب، فالاستراتيجية الأمريكية العسكرية الحالية - كما وصفها أوباما - قد أشارت إلى أن واشنطن لا تدعم النظام، ومن ثم فعلى الولايات المتحدة وحلفائها أن يرفعوا من "دبلوماسيتهم القسرية" ليعززوا هذه النقطة. فالجيش الأمريكي مثلاً يجب أن يكون غامضاً ولا يقدم القدرة على التنبؤ بنوايا بلاده تجاه القوات الحكومية المشاركة في الحرب. وثانيها، نجاح برامج تدريب المعارضة وحجم الدعم الذي تتلقاه من الدول الإقليمية المجاورة. وثالثها، خلق جبهة معارضة معتدلة تملك برنامجاً متماسكاً وقابلاً للتطبيق تستطيع من خلاله فرض الأمن والحكم.

4- وضع الضمانات:

ثمة تأكيدات على ضرورة قيام كلاً من المعارضة السياسية والمسلحة، بتوفير نوعين من الضمانات خلال مرحلة التفاوض الانتقالية: أولها، يتعلق بالالتزام أمام المجتمع الدولي والدول المجاورة لسوريا بالتعددية وحماية الأقليات خلال مرحلة ما بعد رحيل الأسد. وثانيها، يدور حول ضمان موافقة الأسد أو إجباره على قبول اتفاق مؤقت ينتهي بإقصائه هو وأسرته من السلطة، وهو ما يمكن أن يتم من خلال وجود إشارات قوية على حدوث انشقاقات داخل النظام، وضعف ولاء العاملين في الجيش والميليشيات السورية والأقليات المختلفة المؤيدة للنظام.

وفي هذا السياق، تذكر الدراسة أن توفير المعارضة ضمانات أمنية للأقليات يمكن أن يقنعها بعدم إرسال أبنائها للانضمام للقوات النظامية، وهو ما يضعف من قوة الأسد، مع التأكيد على ضرورة إقناع القادة المحليين بتقاسم السلطة، وإقرار برنامج للعدالة الانتقالية.

5- تجاوز نقاط الخلاف المبدئية:

تنصح الدراسة بضرورة جعل ترتيبات تقاسم السلطة هي الهدف الأساسي من اتفاق التفاوض، بحيث تُقسم الدولة السورية إلى مناطق خاضعة للنظام، وأخرى للمعارضة، وهو ما سيسهم في تخفيف تصعيد الحرب حتى يتم التوصل لاتفاق نهائي يوحد هذه المناطق.

ومن الأهمية بمكان أيضاً توحيد الجبهات المدنية والعسكرية في المناطق السورية المُحررة، وهو ما يمكن أن تقوم به الانتخابات المحلية، فضلاً عن أهمية كبح جماح التكتيكات العسكرية لكل من النظام والمعارضة، وألا يستخدم النظام الأعمال الوحشية ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وأن تظهر المعارضة سيطرتها على العناصر المتطرفة داخل مناطقها.

وأوضح الكاتبان أن الاتفاق المرحلي سيمنح الوقت للمعارضة السورية لكي تتخلى عن فكرتها الخاصة "بمرحلة انتقالية سورية"، والتي يمكن أن تطالب بها العديد من الجماعات الطائفية، وسيضطرها بمرور الوقت لقبول بعض بنود الخطة الانتقالية مثل تفويض الرئيس بشار لسلطته، وأن يظل رئيساً اسمياً فقط، وتعيين باقي أعضاء نظام بشار كرؤساء انتقاليين في الأجل القصير قبل عقد الانتخابات، كما سيمنح الاتفاق وقتاً لإعداد خطة حول المطالب الكردية السورية بالحكم الذاتي.

6- تأسيس هيكل فيدرالي ونظام عدالة طويل الأجل:

في هذا الصدد، أكدت الدراسة على تقديم المجموعات السورية الانتقالية خطة تشكيل هيكل الحكومة الانتقالية السورية التي يعتمد تشكيلها على الدستور السوري الصادر عام 1950، يليها كتابة دستور جديد للبلاد، ثم إجراء إنتخابات برلمانية، مع الإشارة إلى أهمية أن تتكون هذه المجموعات - التي سيشكلها المجلس الوطني السوري- من القوات المسلحة التي تم تدريبها بواسطة الائتلاف الدولي، والثائرين، وقادة المجالس التنسيقية، وأن يلعب الائتلاف الوطني السوري دوراً تنسيقياً فقط، وألا ينضم إلى هذه القائمة الحكومية.

وشددت الدراسة في الوقت نفسه على ضرورة تقوية هذه المجموعات لكي يتسنى لها تصميم الهيكل الفيدرالي الجديد، وأن تتمكن من فرض الحكم والأمن حتى يتم تشكيل الحكومة الجديدة.

واعتبر الكاتبان أن أحد الضمانات الأمنية للهيكل الفيدرالي الجديد هو عملية تفكيك وإعادة دمج جماعات الأقليات الطائفية التي دعمت الأسد، والسماح لها بأن تستعيد دورها مقابل تعاونها مع الحكومة الانتقالية، وقبولها لبرامج العدالة الانتقالية، ومشاركتها في إعادة تنظيم البرنامج العسكري السوري؛ وهو ما يمكن تنفيذه في المناطق السورية الغربية التي تتركز فيها الأقليات تحت حماية القوة الدولية.

7- تأسيس قوة لتثبيت استقرار سوريا:

أكد الكاتبان على ضرورة إيجاد قوة خارجية يمكنها فرض الأمن على المدى القصير في سوريا من خلال تجميد الحرب، وفي الأجل الطويل عن طريق تقليل التصعيد وتحقيق اللامركزية وعمليات تقاسم السلطة، على أن تتولى تحقيق الاستقرار في المناطق السورية التي يتم تحريرها من "داعش".

ويُفترض أن يقوم بهذا الدور الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، من خلال تأسيس قوة تدخل سريع لفرض الاستقرار في المناطق المحررة والمساعدة في تحقيق وتعزيز السلام، على أن تتولى روسيا - في ظل القبول الإيراني- مهمة دعم إيجاد قوات مفوضة من مجلس الأمن في شرقي سوريا وغربي العراق السُنِيتَين.

ويُمكن للجامعة العربية أن تبدأ بتفويض محدود للإشراف على المناطق الحدودية أو الهدنات المحلية في شرق ووسط سوريا، ثم تحصل على تفويض أكبر ومؤقت، حتى يتم نقل هذه المهام للجيش الوطني نهائياً خلال إطار زمني محدد.

في ختام الدراسة، يخلص الكاتبان إلى أنه لا يوجد حل سياسي مثالي يضمن نهاية للصراع السوري. ولكن الآن وبعد أن حوّلت الولايات المتحدة مسارها، في سعيها لتطبيق استراتيجية عسكرية لهزيمة "داعش" في سوريا والعراق، فمن الضروري أن يتم التفاوض بين كافة الأطراف السورية، لاسيما في ضوء وجود نتائج إيجابية قليلة متحققة على الأرض سواء من قِبل المعارضة أو التحالف الدولي.

* عرض موجز لدراسة: "كيف سينتهي ذلك.. خطة لمنع التصعيد في سوريا"، الصادرة في نوفمبر 2014 عن "مركز الأمن الأمريكي الجديد"، وهو مؤسسة بحثية أمريكية مستقلة تهدف إلى تطوير سياسات قوية وعملية في مجال الدفاع والأمن القومي.

المصدر:

Dafna H. Rand and Nicholas A. Heras, How to Ends: Ablueprint for De-Escalation in Syria (Washington: the Center for a New American Security, November 2014).