انحسار مستمر:

أبعاد تراجع الإخوان المسلمين في نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية

12 September 2021



استقبل العاهل المغربي، الملك محمد السادس، يوم 10 سبتمبر، عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار في القصر الملكي بمدينة فاس في وسط المغرب. وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة. ويأتي هذا التعيين طبقاً لمقتضيات الدستور المغربي، وبناء على نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 8 سبتمبر. 

وكانت وزارة الداخلية المغربية أعلنت في 9 سبتمبر 2021 عن نتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية التي تنافس فيها 23 حزباً سياسياً على 395 مقعداً، وهي الانتخابات البرلمانية الثالثة منذ عام 2011، والخامسة في عهد الملك المغربي محمد السادس.

وأظهرت النتائج تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار (يمين وسط) المرتبة الأولى بحصوله على 102 مقعد من أصل 395 مقعداً محققاً زيادة في عدد مقاعد بالبرلمان بعد أن كان 37 مقعداً فقط في الانتخابات السابقة، وحل في المرتبة الثانية حزب "الأصالة والمعاصرة" بحصوله على 86 مقعداً (102 مقعد في انتخابات 2016)، في حين حصل حزب "العدالة والتنمية" على 13 مقعداً فقط بعد أن تصدر الانتخابات الماضية بـ 125 مقعداً.

وعكست نتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية التي شهدتها البلاد جملة من الدلالات السياسية المهمة، وذلك كما يلي:

1- ارتفاع نسبة مشاركة: بلغت نسبة مشاركة الناخبين في هذه الانتخابات حوالي 50.18% وهي أكبر من نسبة المشاركة في الانتخابات الماضية في عام 2016، والتي بلغت وقتها 43%، وهو ما يعود إلى إجراء الانتخابات البرلمانية بالتزامن مع الانتخابات البلدية، والتي يتنافس عليها أكثر من 31 ألف مقعد في المجالس البلدية على مستوى البلاد، وهو ما ساهم في ارتفاع نسبة المشاركة. 

2- زيارة مشاركة سكان الصحراء: ارتفعت نسبة مشاركة سكان الصحراء إلى 23% في هذه الانتخابات نتيجة جهود الزعماء السياسيين المحليين ممثلين لمختلف الأحزاب الوطنية، والذين نظموا حملات انتخابية ضخمة في مدن الصحراء، وهو ما يعني نجاح الحكم في استيعاب القطاعات الشعبية في الصحراء، بما يحصنها ضد محاولات جبهة البوليساريو الساعية للحصول على حق تقرير المصير والانفصال على باقي المملكة المغربية.

3- تهاوي إخوان المغرب: مُني حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية للإخوان المسلمين بهزيمة قاسية في هذه الانتخابات، وذلك بعد حصوله على 13 مقعداً فقط من مقاعد البرلمان القادم بنسبة 3.3%، بعد أن بلغ عدد مقاعده في البرلمان السابق حوالي 125 مقعداً بنسبة 31.6%. 

فقد خسر الحزب كل مقاعده البرلمانية في طنجة شمال غرب البلاد، كما خسر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الحالية والأمين العام للحزب، مقعده في دائرة المحيط بمدينة الرباط. 


وقد ترتبت على هذه الهزيمة المدوية استقالة أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في 9 سبتمبر، وفي مقدمتهم العثماني، كما تمت الدعوة إلى تنظيم دورة استثنائية للمجلس الوطني للحزب، في 18 سبتمبر الجاري.

وتعد خسارة إخوان المغرب مؤشراً على استمرار تراجع التيارات المرتبطة بالإخوان المسلمين، والذي بدأ في مصر مع الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين عام 2013، مروراً بليبيا في انتخابات 2014، والتي رفض الإخوان الاعتراف بنتائجها، ثم تونس منتصف 2021. ويمكن تفسير هذا التراجع في ضوء ما يلي:

‌أ- تردي الأداء الحكومي: فشل الحزب في إدارة شؤون البلاد خلال العقد الماضي، وهو ما انعكس في تردي الأداء الحكومي خلال الفترة الأخيرة في كثير من الملفات، لاسيما تردي الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين كأحد تداعيات جائحة كورونا التي أثرت سلباً على الأوضاع الاقتصادية وزادتها سوءاً. 

وتشير بعض التقديرات الاقتصادية إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 6.3٪ في عام 2020، بسبب وباء كورونا إلى جانب تراجع الهطول المطري، كما ارتفع عجز الموازنة إلى 8.7٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020، ويتوقع أن يتجاوز الدين العام 6.7٪ من إجمالي الناتج المحلي. ويضاف إلى ما سبق ارتفاع نسبة البطالة إلى 12.8% خلال النصف الأول من عام 2021.

كما تبنى حزب العدالة والتنمية المغربي سياسات اقتصادية غير شعبية، كانت لها تداعيات على تردي الأوضاع الاجتماعية، مثل رفع الدعم عن المحروقات، ورفع سن التقاعد، والاعتماد على نظام التعاقد مع المعلمين، بدلاً من تعيينهم في الوظائف الحكومية، وهو الأمر الذي كان يضمن الاستقرار لهذه الفئة.

‌ب- النكوص على التعهدات الانتخابية: لم تفلح حكومة العثماني في الوفاء بتعهداتها الانتخابية، ومن الأمثلة الدالة على ذلك عدم الالتزام بمكافحة الفساد، واتهام عدد من قادة الحزب وأعضائه بالتورط في قضايا فساد مالي وإداري، مثل صلاح الدين مزاور، وزير الخارجية في حكومة عبدالإله بنكيران الثانية، ومثّل ذلك تناقضاً للشعار الذي رفعه الحزب في انتخابات 2011 هو "صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد".

وأدى ما سبق إلى فقدان الناخبين ثقتهم في الحزب، ولعل أكبر دليل على ذلك خسارة العثماني مقعده في دائرته الانتخابية بمدينة الرباط.


‌ج- فقدان القواعد الشعبية: يبدو أن الناخب المغربي قرر معاقبة حزب العدالة والتنمية على ازدواجية سياسات ومواقف الحزب تجاه عدد من القضايا، ومن بينها التطبيع مع إسرائيل. فقد كرر العثماني مراراً وتكراراً رفض حكومته التطبيع مع إسرائيل، مؤكداً في أغسطس 2020، على سبيل المثال، أن إقامة أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، لا يمكن إلا أن يصب في خانة دعم هذا الكيان المستعمر على حساب الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. 

ثم ما لبثت أن أقرت حكومته من التطبيع مع إسرائيل، وأكد العثماني حينها أن "التطبيع مع إسرائيل مؤلم وصعب، لكن المصلحة الوطنية أعلى بكثير"، في إشارة منه إلى موافقة بلاده على التطبيع مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.

‌د- تصاعد الخلافات والانقسامات: تصاعدت الخلافات داخل الحزب خلال الفترة الأخيرة، لاسيما تلك التي سبقت إجراء الانتخابات مباشرة وتزايد أعداد الأعضاء الذين تقدموا باستقالاتهم احتجاجاً على أسلوب إدارة الحزب، وهو الأمر الذي أثر بشكل كبير على نتائجه في هذه الانتخابات. 

ولم يقف الأمر عند تقديم عشرات الأعضاء استقالاتهم الجماعية من عضوية الحزب، بل امتد الأمر إلى انتساب بعض هؤلاء الأعضاء المستقيلين لأحزاب سياسية أخرى منافسة والترشح على قوائمهم الانتخابية، الأمر الذي ساهم في تشتيت أصوات الناخبين وفقدانهم آلاف الأصوات الانتخابية.

4- صعود أحزاب الموالاة: تمتع حزبا التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة بقدرات تنظيمية وتمويلية ساعدتهما على تصدر الانتخابات البرلمانية. ويصنف حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة عزيز أخنوش، من الأحزاب المقربة من مؤسسة القصر، والذي قام بحملة انتخابية قوية ترجمت في حصد المرتبة الأولى في الانتخابات بحصوله على 102 مقعد، بعد أن كان 37 مقعداً فقط في الانتخابات السابقة عليه. 

وبالمثل، نجحت الأحزاب اليسارية والاشتراكية في جذب الناخبين وإقناعهم بالتصويت لمرشحيهم بدلاً من مرشحي حزب العدالة والتنمية، كما تبنى حزب التجمع الوطني للأحرار برنامجاً انتخابياً ركز على وضع عدد من الخطط والاستراتيجيات التي تهدف لتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين، وتعميم الخدمات الصحية وفتح الباب أمام الحصول على معاش لكل العاملين، وهو ما نجح في جذب قاعدة انتخابية ضخمة صوتت لصالح مرشحي حزبه.

5- ضمان الحضور النسائي في البرلمان: شملت التغييرات التي شهدتها القوانين الانتخابية في البلاد النص على تخصيص 90 مقعداً للنساء من إجمالي عدد مقاعد البرلمان 395، مع العلم أنه تم توزيع المقاعد الـ 305 المتبقية على الإناث والذكور في باقي اللوائح الانتخابية، وهو ما يضمن تمكين المرأة المغربية من المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية خلال الفترة القادمة.

وفي الختام، يمكن القول إن الأبعاد الإقليمية لم تكن غائبة عن حسابات الناخب المغربي، فتردي أداء الإخوان المسلمين في تونس، وتسببهم في الأزمة السياسية والاقتصادية التي ألمت بالبلاد، إلى جانب عرقلتهم إجراء الانتخابات في ليبيا، خوفاً من إقصائهم من السلطة، كلها مؤشرات جعلت الناخب المغربي يعيد التفكير في التصويت لحزب العدالة والتنمية، بل والمفارقة أن تراجع الإخوان في تونس والمغرب سوف يعزز مخاوف الإخوان في ليبيا على نحو قد يدفعهم في النهاية إلى الاستماتة في عرقلة إجراء أي انتخابات مقبلة. 

أما داخلياً، فترجح النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية المغربية أن تشهد الفترة القادمة تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، بالتحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، نظراً لتقارب التوجهات السياسية لهذين الحزبين باعتبارهما يمثلان اليمين، فضلاً عن قربهما من القصر، كما يشير ارتفاع نسبة مشاركة الناخبين بمنطقة الصحراء إلى نجاح المغرب في استيعاب القطاعات الشعبية في الصحراء، بما يحصنها ضد المحاولات الانفصالية.